[ نـابـولي ، إمـبراطـوريـة أبـنـاء الـشوارع ]

964 67 84
                                    

  _ المجلد الأول _
 
 [ أهلاً بكم في جنتي ]

تـايچر ومـن ثـم أنـا ، ولـماذا هـو قبـلي ؟
لأنـه كـان الأول دومـاً وأنـا الثـاني ولا ثـالث لنـا . لكن هـذا لا يـعني أن تـاي كـان أقـوى أو اذكـى منـي ، مـطلقاً . كـلٌ مـنا كـانَ قـوياً عـلى طـريقته الخاصـة ، وذكـياً عنـدما يـكون فـي مـكانـه الصـحـيح . ثـم أنـا وليـس هـو وليـس أحـداً آخـر ، مـن وضـع تـايجر قبـلي ، وضـعته قبلي لأنـه كـانَ جـديراً بالمـقدمة ، وكـفى . وثـانياً لأنـي مـن وضـع قـوانين كـل الألـعاب الـتي لعـبناها سـوياً ، مُـذ كـنا صبياناً وحـتى أصبحنا رجـالاً ، علـى حـدٍ سـواء ، نـشئتي الصـعبة عـملتني أن الطـلائع لا يـجلس بـها الآ الأكـفاء ، ولـيس شـرطاً أن أكـونَ ذكـياً وقـوياً حـتى أكـون كُـفئاً ، لـذا وضـعتُ تـايجر فـي الطليـعة لأنـه كـانَ كـفوأً ، عـلى عكـسي تمـامـاً . داخـله نـصرٌ مُـبـيـن ، وداخـلي هَـزيمة نـكراء ، لـذا تـراجـعـت خـلفـهُ خـانـعٌ لـمصـيري بـمحـضِ إرادتـي .

في إيطاليا ، تحديداً ... إقليم كامبانيا التابع لحاضرة نابولي ، بالتاريخ المدون أعلاه ، في الصفحة الأولى من مذكراتي ، بعنوان ، يوم ميلادي ( موت وحياة ) هنا ، من حيث سأبدأ للمرة الأولى ، قص تفاصيل حكايتي .. أقصد! .. حكايتنا .

السادس عشر من شهر مارس عام 1961 ، كان هنالك إمرأة شابة حاملةَ بأواخر شهرها الثامن ، كانت تقف وسط القاصي والداني في نواحي بورتالبا ، تلهث من التَعب و تسبحُ في عرق جسدها النحيل ، تبيع أعداداً من صحيفتيّ ، روما و كوريري ديلاسيرا ، تلك الذكرى البعيدة تؤلمني إلى حد يعجزني وصفه . تؤلمني كألم طعنة سكين ، لأن هذه المرأة ببساطة شديدة ، هي أمي أنا ، كيفَ برأيكم هو شعوري الآن بينما أقُصُ عليكم تفاصيل آخر يوم لها بالدنيا وأول يوم لي بالحياة ؟

شعورٌ كألف موت . ما أحس به لا يدفعني فقط ، قاب قوسين أو أدنى من الجنون ، بل يدفعني للبكاء ، للنواح وللصراخ في مكتبي ، أعضُ على أصابعي وأغرق بحالة هذيان ، أرمي كل ما يقع تحت يدي ، قدَح ، كتاب ، شمعدان ، لا أريدُ سوى أن أعبر عن مقدار العذاب الذي يتلبسني ، كلما هَلَ يوم ميلادي ، لا توجد شموع لأطفئها ، فكل شمعة فرح في حياتي إنطفأت عندما غادرت الدنيا وتركتني أجابه أمواجَها المتلاطمة و التي ظلت حتى هذا اليوم تتقاذفني ، ودون أن أرسى على البرٍ يوماً . فكلما نظرت لوجهها المدور الجميل في الصورة الوحيدة التي أمتلكها لها ، أغدو رغم قوتي وجبروتي كائن عابث بلا حول ولا قوة .

عمري الآن واحد وأربَعونَ سنة ، أعدُ رجلاً غامضاً ، وخطيراً حسبما يقال عني وليس ما أنا عليه حقيقةً. إسمعوا عني مني ، وتجاهلوا ما يحكى عني من غيري . فحقيقتي تحبس الأنفاس . تدور حولي الشائعات وتلفني هالة ضبابية ، ومئة علامة استفهام وألف إشارة تعجب ، تركض للأذهان ، لا أحد يعرفُ عني أكثر مما أبديه ، بصحيح العبارة ، لا توجد معلومة صحيحة تخصني في جعبة أحدهم ، من أنا ومن أين جئت ؟ نشئتي ومكبري؟

حتى إسمي أقلها . أي أسمي الحقيقي الذي ولدت به ، مجهول . و أنا محوته بيدي هاتين من الوجود ، على أمل الفرار من ذاتي القديمة ، ثم أقبلت على الحياة منفرجَ الأسارير  بكينونة جديدة .

لكن من داخلي سرعان ما أكشتفت اني لازلت أنا . و لم ولن أتمكن مهمى حاولت ، من الأنفصال عن أنايّ الأصلية ، فلم أفلح بالهروب مني نهاية المطاف ، رغم أني قد خدعت الجميع لسنين طويلة وحتى اللحظة لازلت أكبر خَديعة بالنسبة للكثيرين .

أسير على نهج واحد لا يَتَبَدَل ومبدء ثابت لا يتغير ، ( أنا وثم الآخرون من بعدي ) ، تحايلت على الحكومة والسُلطات العُليا ، قفزتُ عن القانون بمهارة لاعب جمباز ، و سرتُ فوقه ولم أسرِ ولو مرة واحدة في حياتي كلها تحته ، إمتلكت عدة أسماء ، وعدة جنسيات ، جنيتُ ثروة طائلة لا تأكلها النيران ، أرصدتي بالبنوك العالمية تغصُ بالدولارات والذهب ، عشت حياتي بالطول والعرض ، تارة كما أحب ، وتارةً أخرى كما يحبون ، وكثيراً كما يجب وبحسَبِ ما تقتضيه الضرورة .

فعلتُ خيراً وفعلتُ شراً ، وفعلتُ من الموبقات مالا يحصى ولا يُعَد ، جربت السير معوجاً وجربتُ السير مستقيماً ، ولم اذُق طَعم الراحة والهناء في أي منهما ، وعندما سلكت طرقاً بلا هدف ، وأخرى عشوائية وغيرها فرعية ، نلتُ النتيجة عينها .
تحليت بأخلاق ملائكية ، نُبل وكاريزما والفاظ محسوبة بدقة وحرص ، لكن أفعالي الصادرة عني ، تنضحُ شراً خالصاً كشياطين العوالم السفلية ، ضرب ، تنكيل وتبادل أعتى وأرذل الشتائم السوقية .

كذبتُ على الكون أجمع وعلى كل البشر وعلى نفسي أيضاً ، وصدَقتُ مع ذاتي دوماً ومع من يستحقُ فقط ، غَدَرت ومَكرت و غدِرَ ومُكِرَ بي ، قتلت ، سَرَقت ، نهبت ، وأحتلتُ ، كسبتُ ثقةَ وإحترام كل من عرفتهم ، وظنوا بأنهم بالمقابل يعرفونني حق المعرفة ، لكن ، أنا مثلُ شبَح ، لا البثُ أظهر حتى أختفي بلمح البصر ، حتى يظن من عاشرتهم مدة أني كنت مجرد كابوس راودهم في نزلة حمى تيفية . ينسونني لأن تذكري ، صعبٌ و يعذبهم .

كما لم يسبق وأن وثقت بأحدٍ أبداً .... مهلاً! ، بلا فعلت ... وثقت بأحدهم ذاتَ مرة ، وثقتُ بصديق عمري ، وثقتُ ثقتاً عمياء بألفريدو -تايچر .

TOXIC AJASHI [ سُـم الـرجـال ] ♣️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن