[ تـايـچـر ♣️ ]

268 48 49
                                    

عندما أتذكر تايچر يفيض توتري وتتخبط مشاعري ، أحبه وأكرَهُه ، أعز أصدقائي وألد أعدائي في آن معاً ، رفيق دربي وخصمي على كل الأصعدة . رغم كل مساوئه الآ أنه لم يكن شريراً كما يظن كل من يرآه ، أنا شخصياً في زمنٍ ماضٍ كنت متيقن أنه شرير ومجرم .

لكن بطريقة ما ، كان عنده دوماً تبريراً مقنعاً لكل السيئات التي يفعلها ، أنا كنت أقتنع بكل مايقوله لي بسرعة ، وسرعان أصبحتُ أحامي له وبإستماتة وعلى إستعدادٍ تام للدفاع عنه وتبرئته من أي تهمة توجه إليه . ذات مرة قربَ نواحي ( غاريبالدي )

في شارع غارق في العتمة ، مهدم وتفوح منه روائح شنيعة ، رأيته يطعنُ رجلاً بعقده الرابع في منطقة الصدر والبطن ، طعنات حقودة متتالية ، مَزق الجسد الممدد على الأرض إرباً إرباً وجعله يسبح ببركةٍ من دمه القرمزي ، الذي لطخ يديه المكسوتين بقفازين مطاط ، صعقني هولُ المنظر ، وفي لحظة مرت كالحلم ، ما عدت فيها قادرٌ على التحكم بأنفاسي وتسارع ضربات قلبي ، فغرت فاهي من هول الصدمة و أبتلعت لساني وخصوصاً أننا كنا اطفالاً ، أنا بعمر الثالثة عشرة وهو يكبرني بسنة وشهرين ، وأسوء شيء كنا نرتكبه كأطفال شوارع لم نتلقى ذرة تربية واحدة أو توجيه .

الإعتداد بالضرب بحق وبلا حق ، مثلاً ، سرقة الطعام والمال ، التحايل ، التفنن بنظم افظع الشتائم وأرذلها ، والتلذذ بكيل وابل من التهديدات لنجعل خصومنا يخشوننا في المقابل ، لكن أجزم أنني في تلك السن المبكرة ، قد فكرت بإرتكاب جريمة قتل ، أي أن أقتل أحدهم قولاً و فعلاً ، أعترف أنني لطالما هددت أعدائي ومن أكرههم بالقتل والذبح ، بدافع الحقد والغل ، لكن لم أفكر يوماً بتنفيذ تلك التهديدات الفارغة ، فمن داخلي ، أعرف أنها مجرد رغبة مدفوعة بالكره ، وواحدة من أساليب ترهيب الأعداء .

حينئذٍ رمى تايچر السكينة بجانب الجثة ، خلع القفازين وحشاهما بجيب معطفه البالي ، ملابسه لم تمسها قطرة دماء واحدة ، كما لو كان يعرف ما الذي يفعله بالضبط ، لم تكن إمارات التوتر أو الفزع بادية على محياه ، لم يكن مصدوماً ممَ إقترفته يداه ، عيناه الآمعتان باردتان كالثلج ، وشعره الأسود يجعله يبدو كالغربان التي تحوم فوق جيف الحيوانات .

إقترب مني مبتسماً ، أمسك بيدي وشدَ عليها ، دافئة جداً في وسط الزمهرير ، همسَ في أذني ، هيا! ، كان قلبه يدق بهدوء . طاوعته وهرولنا معاً ، وكلما نظرت خلفي وجدته يحثني على النظر للأمام فقط ، يشدني ويسحبني .

ركضنا طويلاً ، دون أن نتبادلَ كلمة واحدة طوال الطريق أو نأخذ استراحة ، اللهم كنا نقف ثانيتين لعبور الشوارع وسط زحام السيارات وضجيج ضرب الأبواق . و عندما وصلنا الى وكرنا في احراج غابة ( كابوديمونتي ) نلهث بتلاحق ، مقطوعي الأنفاس ، بقيت أنا ملتزماً الصمت ، بالكاد أصدق ماشهدته بأم عيني .

TOXIC AJASHI [ سُـم الـرجـال ] ♣️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن