١|إستيقاظ طير السلام

240 28 23
                                    

«الكثير من الغموض حوله..
أحيانًا، هو غامض حتى بالنسبة له»
*مُبتغى مغمور*

حجب النهار بعباءة الليل، فجردت الشمس من تاجها وسراجها، بينما تتنعم بحياة الرفاهية عند البُسطاء، تربع القمر على العرش، وترعرع فيه بسكينة سكنت لها الجفون، نثر ظلمته على النفوس لترقد دون حروب، بينما يرسل لهم نجوم تلقى عليهم السلام بأحلام أو كوابيس، وهج الأمير السياسي دون سطوع.

تبدد الغمام في السماء*، فظهر القمر بضوء خافت أمتلكه منْ نور الشمس المنعكس عليه من الجانب الآخر. لم يكن النور من القمر*، بل كان دائمًا شعاعًا مقتبس، جاءه كالشعور الباهت من الشمس، حين وقوعها في حيرة، بشأن مرونة تربع القمر بمجلس.

طل وميض القمر بثقة على رمال الصحراء، فأخذتها الزرقة بدل الصفرة، واستبدلت سخونتها بالبرد، فباتت الرياح تعصف وتضارب ذرات رمالها الرقيقة، وهيَ التي تئن بالصفير تارة والزئير الواهن تارة أخرى، كأنها تشتاق لدفء شمسها، وكأنها تشتاق لملاعبتها بأشعة صفراء، بينما تتراقص مع رمالها الساكنة.

_________________________ وقفة لتأمل النص
١. تبدد الغمام في السماء: إن الغمام جمع غمامة، وهو ما يستر ويخفي، كالغيم المظلم بغيثه، والسحب المظلل بوضوحه. وتفرقت الغيوم في السماء، رحمة من الله، فظهر وهج القمر. وستر الله قد يغم السوء حتى يختفي، وقد يظل الخير حتى يظهر، فكُن غمامة عن عيوب الناس لتغم فيه، وتظلل من خيرك لتظل به.
٢. لم يكن النور من القمر: لأنّه يعكس أشعة الشمس الساقطة عليه، حيث يُعتبر القمر من أكثر الأجرام السماويّة المُعتمة، ويظهر مضيئاً في الليل فقط؛ فكن وميضًا لدارك العابس بقيام الليل وذكر الله؛ أنت
جثمان معتم بدون النور الذي زرعه الله في قلبك، قم وصلي.
______________________العودة لمسيرة القافلة

حرب لا تراها العيون*، تنتزعُ بمشهد طلالة ومضات القمر على أسوار ضخمة من حجر الدبش الأبيض ذي اللمعة الفضية، يتسلق الوميض الأسوار شيئًا فشيئًا، حتى يصل إلى قمتها أثناء تحليل ما فيها منْ هيئة عتيقة، انعكس وهج القمر على عيون بضعة غربان قد تشتت عن قمة الأسوار فور رؤيتها النور يلامسها، وحل نعيقها على سكينة الأرجاء، بينما تنشب إحدى الأيادي بدل مجلس الغربان وقد كان صاحبها يجاهد للصعود.

صوت حمحمة استوقفت المتسلق للجدران، فتجمد كأنه جزء منْ السور، وسع المشهد لصاحب الحمحمة الذي حجز بريق القمر عن المتسلق بجسده المعتم الذي تميز بأكتافه العريضة. جلس جلسة القرفصاء وتسندلت ثيابه البيضاء أرضًا ثمَ أتى بحديثه قائلاً: هل هناك نقص تبحث عنْ ملئه هنا*، يا آدم*؟.

لم يأت المتسلق المدعو آدم عنْ أي ردة فعل ولم ينطق ببنت شفة* حتى سمع خطاب الآخر: وإذ قيل لك لا يجوز، فهو لأجلك وليس لي منه نصيب، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، -سورة القمر، الآية: ٤٩-.

عربون الخريف⟲Where stories live. Discover now