الحكاية الأولى: يوم مجنون

193 19 22
                                    


يوم آخر من أيام الله، قد يبدو عادياً لكنه يوم مجنون لصغيرتنا. هي ليست صغيرة، لكن أحب أن أناديها هكذا، فببساطتها وعفويتها تبدو أصغر من سنها. تستلقي كعادتها على سريرها، والعبرات تسيل على وجنتيها. من يا ترى كسر مضغتها التي تحتل جانبها الأيسر؟ من يا ترى خذلها من جديد؟ لا أدري لماذا يستمرون بكسرها بهذا الشكل البغيض. تراها تبكي بحرارة، كأنها لن تبتسم مرة أخرى. صوت خطوات قادم فتنسدل تحت الغطاء، لتمسح دمعاتها قبل أن يكشف أمرها. ما إن ابتعد وقع الأقدام، ذهبت بسرعة نحو أقرب صنبور مياه، تغسل وجهها وتضع قليل من المياه في عينيها لتخفي دموعها. غريب أمرها. أذكر أنها كانت تفعل هذه الحركة في الماضي، لافتعال دموع مزيفة من أجل استمالة قلب أمها. أما الآن، صارت تقوم بذلك من أجل إخفاء دموع حقيقية! فسبحان مبدل الأحوال. لنعد إلى صغيرتنا. أين ذهبت مجدداً؟ آه، لقد ذهبت لتغتسل. ربما هذا أفضل لترخي أعصابها وتجرف المياه كل دمعة. كم هي غبية. تعلم جيداً أن هناك خرافة تقول أن الفتيات اللاتي يبكين في الحمام لا يتزوجن، وهي تستغل كل الفرص لتبكي هناك. متى ستعقل وتكف عن النحيب؟ ها هي قد عادت لغرفتها، تختار ثيابها، تصفف شعرها، ثم تضع عطرها المفضل، أو بالأحرى تستحم به. للوهلة الأولى، ستعتقد أنها اختلسته من خزانة والدتها أو من غرفة أختها، لكن دعني أخبرك، إنه عطرها الخاص. لا تتعجب. فهذه الفتاة تخرق الأعراف. بعد كل هذا، ترتدي حجابها وتجري إلى السطح، مكانها المفضل، حيث تشعر بالراحة والأمان. تسقي نباتاتها، ثم تبدأ باللف والدوران. هل تسمع ما أسمعه؟ إنه صوت غناء. صحيح أن صوتها ليس جميلاً، لكن به نبرة دافئة وعميقة. لابد أن الفضول يعتريك لتعرف ماذا تغني. على الأرجح، أغنية كئيبة وبئيسة. كلماتها تقول:

"وبلا إنذار كوني صار رماد وبلا ألوان غاص في ذاك البياض في شتاء ساد وتتالت بي مآسي فأنهت أنفاسي وذابت أيامي في نيران قاد كوني قاتم بالي أتناثر فيه كما ريش وأضيع في ماضي"

ذوقها غريب جداً، لكن انظر إليها. إنها تضحك وتبتسم، تنظر إلى السماء، فتغمرها السعادة. من كان يظن أن هذه الفتاة كانت منهارة هذا الصباح؟ غريب أمرها حقاً. هكذا حياتها، أربعة فصول في يوم واحد. تشتعل بها حرارة الغضب كالصيف، تكتئب وتصير روحها غائمة كالخريف، تمطر دمعاً كالشتاء، وبعد كل هذا، تزهر روحها كالربيع.

حكايتهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن