كانت ليلةً قارسةَ البرد، عندما قررت أن امشي في حديقةٍ مقابلةٍ لمنزلي، وذلك لأصفي ذهني،
كانت الحديقة كبيرةً ومحاطةً بالكثير من الاشجارِ والاعشاب، التي قد يبدو كما لو أنها تخفي الكثير بداخلها، لكنها في النهاية مجرد حديقةٍ عامة صحيح؟أو... كان هذا ما ظننته، إلى أن سمعت صوت أنينٍ طفيف، كان مصدره بعيداً نوعاً ما، خلفَ مجموعةٍ من الاشجار الكثيفة التي قد تمزق ثياب من يحاول شقَّ طريقه خلالها، لكنني لم أبالي، خصوصاً بعد أن جذب ذلك الصوت انتباهي...
اخترقت تلك الاشجار حتى وصلت إلى مصدر الصوت، كان الظلام حالكا لذا أشعلت النار بولاعة لأرى بها ما حولي.
شعرت كما لو أن قلبي قد توقف، شُدَّ وجهي لدرجة ظني أنه على وشك أن يتمزق، حين رأيت ما كانت تخبئه تلك الأشجار خلفها...
كانت هناك جثة لامرأة وهنالك طفل يبكي عندها،
تحرك جسدي تلقائيا نحوه، غطيت عينيه ونطقت بصوت يرتعش:
"ك-كل شيء سيكون ع-على ما يرام"لقد دفعني الطفل وهرع مرة اخرى الى الجثة وتحدث بينما يبكي "امي... امي... ارجوك اجيبيني"
صرخت بصوت يرتجف "لا تنظر!" كما حضنته دافعا برأسه الى جسدي، توقعت ان يحارب عناقي لكنه عانقني ايضا وهو يبكي:
"امي... انها غلطتي،
انا اسف... ارجوك استيقظي""م-ما رأيك ان تجلس بعيدا لبعض الوقت ح-حتى ارى ما خ-خطبها؟" تحدثت محاربا دموعي،
حاول الطفل ان يكسر حضني، ولصغر جسده خفت ان اؤذيه ان لم اتركه يذهب، لذا بعد ان تركته جلس بجانب امه وتحدث بعينان مليئتان بالدموع:"شكرا لانك لم تغضب مني، لكن... لن اذهب واترك امي خلفي"
"ارجوك؟ لقليل من الوقت فقط؟"
هز الولد برأسه "سيكون خطأي ايضا ان حدث لها شيء وانا لست بجانبها"
عضضت على شفتاي اللتان كانا يرتجفان بقوة محتارا... هل اخبر هذا الطفل الصغير ان امه قد ماتت؟ هل اخبره الحقيقة ام اكذب عليه؟
بينما كانت دموعه لا تزال تنهمر، لاحظ انني ارتجف رغم محاولتي على البقاء صامدا، ونهض نحوي.
"هل انت بخير؟ أأنت مريض ايضا؟ اخبرتني امي بان اعتني بالناس المرضى... اهنالك خطب بك؟"
كنت احارب الدموع من ان تنهمر... اردت البكاء والصراخ باعلى ما املك حزنا على هذا الفتى لكن تمالكت نفسي من اجله... لذا بابتسامة كاذبة ربتت على رأسه
"انا بخير... هل تستطيع البقاء بعيدا لقليل من الوقت؟ ارجوك؟؟"
فكر الولد قليلا ونظر الى جثة امه ثم الي
"هل تستطيع ان تعدني، انني اذا ابتعدت عنها ستستيقظ؟"تجمدت دمائي في عروقي عندما سمعت سؤاله، انقطع حبل افكاري ولم اعد قادرا على التنفس جيدا، ولاحظ الطفل عدم راحتي مرة اخرى، لذا اقترب مني وحضننني بقوة وتحدث:
"هي نائمة فقط صحيح؟"اجبته "ص-صحيح..."
لاحظت اخيرا بعد ان ابتعد عني، عيناه حمراوتان، ويبدو منهكا، كانت الدموع تنهمر من عيناه بلا توقف رغم تكلمه بصوت طبيعي، لذا مسحت دموعه بيداي واخذ يفرك عيناه واخبرني:
"سانام هناك قليلا، وعندما استيقظ اريد ان اراها مستيقظة ايضا حسنا؟"
"ح-حسنا..."
نام الطفل تحت شجرة قريبة، وذهبت الى الجثة لاتفحصها، كانت مليئة بالطعنات ويبدو كما لو ان لها عدة ايام هنا... شعرت بالغثيان والرغبة بالتقيؤ فقط بالنظر اليها...
اكان ذلك الطفل بجانبها كل ذلك الوقت؟ذهبت للطفل وكان نائما، خلعت معطفي وغطيته به واجهشت بالبكاء، لم ارد ان اوقظه لكنني بكيت وبكيت وبكيت، محاطا بالظلام...
وبعد قليل من الوقت قررت ان احمله واخذه الى منزلي وابلغ الشرطة عن كل شي بعدها، وعندما حملته على ظهري، لم اشعر بنبضات قلبه، لذا انزلته فورا واضعا اذني على صدره... ك-كان قلبه قد توقف... وقبل ان استطيع النظر الى وجهه...
"اغغغغغغغغ"
استيقظت من النوم، غارقا بعرقي البارد، امسكت بقلبي بينما كنت الهث بقوة "ك-كان كابوسا..." وبعد ان هدأت قليلا، ارتديت ثيابي ونزلت الى الحديقة، لاصفي ذهني من هذا الحلم المخيف...
وبينما كنت امشي في الليل افكر في هذا الحلم... شل جسدي عن الحراك عندما سمعت صوتا مألوفاً، صوت انين طفيف... يصدر من نفس المكان في حلمي...
النهاية.
أنت تقرأ
ظل الحقيقة
Short Storyكان يقال ان الاحلام تعكس هوية المرء, و ان الحقيقة تجسيد لظلال تلك الاحلام... لكن يجب ان يكون هنالك خط رفيع يفصل بينهما, اي اسم قد يطلق على مثل هذا الشيء؟