رِيَاحُ تِشْرِين

568 43 194
                                    









أَحْمَرَ.

قانٍ جاذِبٌ للنَظر، يكادُ يكونُ قِرْمُزِيًّا أخاذًا، تمتدُ لطخاتٌ منهُ بخطوطٍ مُتعرجة مُتشابكة تتَضاربُ في لونِها مع البلاط الأَزرق الشاحب لبركةِ السباحة.

وَقفت عِند الحافةِ تُطِلُ على المَسبح الخالي من المِياه، والمُلوثةِ جُدرانُه وقاعُه ببقعٍ وخطوطٍ حمراء لا تنتمي له.

كان يومًا خَريفيًا مِثاليًا في مُنتصف تشرينٍ الأول، تَخللتهُ رياحٌ نَديّة تهتَزُ بمرورها الأغصانُ المُكللة بالأصفر، وتتناثرُ أوراقُها اليابسة بساطًا يُغلف ساحة المدرسة.

عَبرت نسمةٌ صباحيةٌ باردةٌ تمايلت معها خُصلاتُ الفتاة، شّدت أصابعها فوقَ مقِبض حقيبتها المدرسيَة، لَم يَبدُ أيُ تعبيرٍ على وجهها، ولكن حدقَتيها المُستترتين خلف زُجاج نظارةٍ طبية ضاقتا بشيءٍ من الاستياء.

استدارتْ مُبتعدةً عن بركة السباحة وقد شُغل بالها بما عثرت عليه، وفكرت بأن ذلك يُبشرُ ببداية أسبوعٍ حافل.

خَلت ساحةُ المدرسة الثانوية من الطُلاب في تلك الساعة المُبكرة، وتداخَل صوتُ تهشُم الأوراق حين خَطت فوقها مع رفرفة أجنِحةٍ مُحلقة في سماءٍ وردية.


--------------------------


كانت الساعةُ تُقاربُ الثامنة حين فُتح بابُ غُرفة 'لجنةِ الانضباطِ المدرسية'برِفقٍ، وأَطل منهُ فتىً مَديدُ القامة.

وهي غُرفةٌ صغيرة المِساحة، يشغلُها مكتبٌ بمُحاذاةِ النوافذ، وُضعت قِبالتهُ أريكَتين مُغطاتين بقِماشٍ داكنٍ تفصِلُ بينهُما طاولةٌ منخفضة، تَحِدُ الجِدار خزانةٌ ضخمة بأبواب زُجاجية مُلأت رفوفها بالملفات المُتراصَة.

تقدم بهدوءٍ للداخل، وحين وقعت عيناهُ المُغايرتين في اللون على من تشغلُ إحدى الأريكتين، مُنكبة على ملفٍ بين يديها، ألقى التحية:

-صباحُ الخير، إيشيهارا-سان.

رفعتْ 'إيشيهارا ساتومي' عينين بزُرقة فاتِحة يحيطُ بهما إطارُ نظارةٍ طبية، وأومأت لهُ بصمتٍ، قبل أن تستأنفَ تصّفح أوراق الملف.

اِتَخذَ الفتى مقعدًا مُقابلًا لها. يَمتدُ أثرٌ لندبةٍ قديمة من قِمة رأسهِ مرورًا بوسَط جبينِه وحاجِبه مُنتهيةً عند صدغه الأيسر، لم تَكن مُنفرة بقَدر مُوَاءَمَتها لتقاسيمه، وكونها سِمّةً يتَفردُ بها. رأسهُ حليقٌ تقريبًا إلا من طبقةٍ رقيقةٍ من الشعر الفاحِم، ويتدلى من أُذنهِ اليُمنى قِرطٌ طويلٌ.

أخذَ يُراقبُ الفتاة لبُرهة، يداهُ مكورتين في قَبضتين يضغطُ بهما فوق رُكبتيه، حتى أَسَرَّ إليها بنبرة اعتذار:

خَلفَ غُيومِ الشِّتاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن