ورطة الجب

6 0 0
                                    

لا مفر من هذا فدائما ما كان يجد تلك الأجواء شبه المختنقة تصيبه بهذا النوع الغريب من الضجر، الضجر المثير للضحك و السخرية فكان جبريل دائما ما يتململ من تلك الأجواء و يراها شبه مصطنعة ، هراء محض فلا باعث فيها للخوف إطلاقا أو إثارة للرعب غير المبرر من الأماكن المغلقة بل كان يشعر شعورا اقرب لليقين منه إلي الظن أن كل من يجدون في هكذا مواقف باعثا لهذي الفوبيا لم يمروا يوما في ماضيهم بأي من الأحداث التي قد تصنع مثل هذا الرهاب و إنما فقط شاهدوا فيلما كبين السماء و الأرض في جو من الأجواء شبه خيالية الخالقة و المهيئه  للفكر و الشعور اللاوعي  لتجعله يؤمن إيمانا منقطع النظير بوجود هذه العلة به لتحور أحداثا أقل من المألوفة  والعادية و التي مر بها ما لا يقل عن نصف بني جنسنا لتكون دافعا لادعاء اللاوعي بصدقها و وجودها حقيقةً علي أرضنا ، أرض الواقع  
  و إنه ليتذكر و كأنه في أمس (مُصابه)  منذ خمس و ثلاثين سنة في بلدته الريفية الصغيرة  التي ولد و نشأ بها حتي غادرها عند التحاقه لاحقا بكلية الطب في العاصمة، و كان وكأنه يخبرنا  ضمنيا عن طريق سرده و روايته للحدث أنه لن يتطرق إلي تلك الطرق الفنية أو الحلول التي حاول الكثيرين عن طريقها إخراجه بها من هذا المأزق فكان كثيرا ما يذكر قبل تطرقه للتفاصيل أنه و رغم صحة صورته عما جري له من أحداث متتالية إلا أن ما كان يحدث خارجا ما كان إلا صورة ضبابية لم تتضح  له حتي مع مرور الوقت و إنما أصبحت رمادا متناثرا تحمله الرياح لتلقي به أينما رغبت، فلم يأتي علي ذكر ما حدث واحد من العائلة أو من غيرها أمامه  أو وراء ظهره حتي بعدما نضج لم يعرف لهذا سببا لكنه رجح أن فعلهم هذا كان أملا  في أن يكون الزمن قد محي تلك المأساة من عقله
و ظل يردد في عقله كثيرا ساخرا أنها عقول الأطفال التي لا تكف عن التعجب  والدهشة منها فأحداث تظل راسخة في عقولهم و نقاط تحول محورية في شخصياتهم و تكوينهم و وقائع أخري أو أقل أهمية لا فرق في ذلك لا تري لها مكانا في عقل الطفل إطلاقا
حينها كان في السابعة من عمره
كان محبا للهو و اللعب مع أبناء عمومته دؤوبا في ابتكار الحجج و الأعذار له و لهم لينفصلوا و ينالوا حريتهم المتصورة آن ذاك بعيدا عن العمل بفلاحة الأرض برفقة أباءهم فلما كانوا مبتغاهم بين أيديهم و هم عتقاء من العمل في حرارة الشمس كانوا يتجهون صوب بئر صغير كان قد نضب إلا من بقايا ماء شحيحة في جوفه ، علي أطراف القرية كانوا يلعبون في حرمه و هذا لأنه يقع ببقعة مميزه مظللة بصفصافتين عجوزتين معمرتين ، خالية من العمران و المنازل كانوا يسمونها الملعب و يغتسلون بمائه الشحيح إذ أصابهم الفتور فيذهبون ببرودة مائه الإرهاق ليكملوا لعبهم , تلك الأجواء الريفية  المبهجة من صيحات الأطفال الفرحة في خضم اللعب التي يتخللها نباح الكلاب الشاردة و زقزقة الطيور المحلقة  حالة من الرضي المرح لا يقطعها سوي هذا الصوت البعيد المقترب هذا الصوت الذي لطالما عرفه جبريل انه صوت رأفت ابن عمه الذي كان قليلا ما يفارقهم سابقا قبل أن يتم السادسة عشر من عمره ليتحمل قدرا من المسؤولية أكثر مما تحملوه هم فلم تعد تسري أعذارهم و حججهم للهرب من العمل عليه هذا الفتي الذي اقتحم صفوف الكبار ليشاركهم العمل و المسؤولية علي غفلة من جبريل و أبناء أعمامه
أنه كان صوته هذا الذي يتضح مرة بعد مره ينادي أبناء عمومه
_ محمد, جبريل يا أولاد وقت الطعام هيا جميعا
هرول بعضهم تجاهه ليخبروه أن ينتظر قليلا حتي ينهون لعبهم و أنه مازال الوقت مبكرا صاح رأفت مرة أخري انه أبي من يريدكم لا وقت للتأخير ولتكملوا اللعب في وقت أخر
تجمعوا جميعهم و هموا للمغادرة خلف رأفت                            أسبقوني أنتم  سوف أعود أنا للبئر لأنفض الوسخ عن قدمي  و ألبس حذائي تركته في المخبئ هناك
قالها جبريل وانفصل عنهم غير منتظر الإذن راح ناحية البئر
لوح رأفت بيديه و قال و قد التف نصف التفافة تجاه جبريل   حسننا, لكن لا تتأخر, أعتني بنفسك
ذهب جبريل واقفا أمام البئر ليشمر عن ساقيه ثم صعد ليقف علي عين البئر إلي جوار ساقين من خشب الأشجار الجاف ، مثبتتان في جدار البئر يعلق بهما دلو يرفع به ماء البئر اللازم لاستخدامه  و أخذ يسحب الحبل ليخرجه من جوف البئر ثم حمل الدلو بيد و أسند ظهره إلي احدي الساقين الخشبيتين و رفع باليد الأخرى قدمه اليمني و بدء بصب الماء عليها محاولا الحد من زخم سكب الماء و لما فرغ من قدمه الأولي و انزلها علي حرف البئر و امسك بقدمه اليسرى محاولا حملها لكن زلت قدمه اليمني من موضعها جراء امتزاج الماء المسكوب عليها بالتراب اعلي البئر فأختل توازنه ليبتلعه البئر

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Apr 23 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الأغوارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن