صرير الريح

33 4 1
                                    

البرد شديد...... لقد استيقظ بفعل قطرات الندى الساقطة على جبينه البيضاء
.....
تأمل المكان الذي هو فيه بوجه خال من اي تعابير
غابة لوَّن الخريف أشجارها بدرجات من البرتقالي
الجميل.... لقد كان الضباب كثيفا من الأعلى
والنسيم كان يحمل على ظهره بردا قارسا
لم يطقه أبدا
امسك بمعطفه الرمادي الثقيل لكي يحمي قفصه الصدري من شدة هذا البرد
.....
وقف وبدأ بالسير وهو يتأمل الأرجاء و يسمع تغريدة العصافير من بعيد
أعجاز شجر خاوية... عالية لا ترى نهايتها من كثافة الضباب....
شرد لدرجة جعلته يغفل ويقع على ركبتيه، كاد يدخل وجهه في بركة لكن هذا ساعده ليرى ملامحه لأول مرة....
لا توجد اي تعابير.... كان كومة عظام تدب فيها الحياة بشكل مناف للمنطق
لكنه لم يأبه البتتة، ثم وقف وهمَّ باكمال المسير
.....

بعد فترة قصيرة وجد نفسه خارج الغابة البرتقالية....
يقابله سهل ذهبي ملأ الأفق.... السهل استولى على الارض..... والضباب استولى على السماء..... نظر جانبا بعيونه الخاوية..... ذات السواد الفارغ و العميق ليرى كوخا عتيقا من الطوب و الحجارة الرمادية والدخان يتصاعد من مدخنته..... توجه إليه .... كان بابه متداعيا يكاد ينقلع او ينكسر.... لكنه دخل بغير استئذان.....
كان صغيرا و ضيقا بسبب كثرة الاثاث.... يوجد درج يؤدي للعلية.... نار المدفئة موقدة على ابريق شاي يغلي..... اريكة و طاولة و مكتبة... كلها موضوعة بشكل مرتب... وكانت هذه الغرفة بيت كامل لكن كثرة الاثاث جعلت المكان ضيقا.....
تقدم للنافذة الوحيدة هناك.... كانت تطل على جزء آخر من السهل.... تأمل المنظر قليلا... و لاحظ شيئا مضحكا هذه المرة.... فزاعة برأس يقطينة وجهها منحوت و قبعة ساحرة و معطف أزرق محشو بالقش وساق خشبية.... المضحك أن هذه الفزاعة لم تكن تؤدي عملها بالشكل الصحيح حيث كان يقف على إحدى يديها غراب.... هبت ريح ضعيفة قدرت على تحريك الفزاعة فسقطت بين النباتات الجافة المصفرة و طار الغراب اثر ذلك....
شعر الهيكل العظمي بالملل فترك النافذة و بحث عن شيء يسليه بين الكتب
مد يده العظمية لاول كتاب رآه في وسط الرفوف
ولما فتحه سقطت مجموعة اوراق و ظروف كانت بين صفحات الكتاب...... انحنى و تفحص هذه الأوراق.... لقد كانت رسائل كتب فيها؛

"أستمحك عذرا جلالتك، انا أدرك أنني مجرد قروية صغيرة لا ترق لمقامك و ملكك لكنني على يقين أنك لن ترفض طلبي يا ملكنا الكريم، لقد كتبت في هذه الأوراق البنية الرديئة بقطعة فحم رطبة لكن مابين هذه السطور رسالة و رغبة أعمق مما تتصور أتمنى أن تحققها لنا و أن لا تبخل علينا بمنِّك و كرمك جلالتك، لقد تأخرت في طلب المساعدة منك سابقا لمّّا مات والداي، لكني اكتفيت من هذه الخسائر و...‟

وقف و أعاد كل شيء لمكانه على عجل لانه سمع صوتا يقترب و حاول الاختباء لكن الوقت لم يسعفه
وقد دخل صاحب الكوخ

ارتجل الهيكل العظمي وقال بتوتر محاولا العثور على عذر لاقتحامه الكوخ بلا استئذان

{ المعذرة فقط لا تغضب!.... انا لم اقصد اقتحام منزلك! .... اقسم أن نيتي طيب.....}

استوعب بصعوبة أنه كان يتحدث إلى الفزاعة التي كانت في الحقل... وهاهي الآن واقفة على عودها الخشبي في مواجهته على بعد بضعة خطوات و وكان الغراب نفسه يقف على يد الفزاعة الممدودة اليمنى.....
ظل الهيكل العظمي مصعوقة ولم يلحظ ان عظمة فكه تتدلى
صاح الغراب بصوت مزعج وهو يمد أجنحته

الغراب:« دخيل دخيل..... هل خرجت من القبر يا كومة العظم لتسرقنا!.... أبشرك أننا فقراء!»

تمالك الهيكل العظمي نفسه و تلعثم عندما حاول الدفاع عن نفسه:« مهلا.... لا أقصد السرقة بل ظننت المكان مهجور وربما يحميني من البرد!»

أشار الغراب نحوه وقال بسخرية مستفزة وقد زادت حدة صوته المزعج:« كـــــــــــــــــــــــــاذب!»

تعثر الهيكل العظمي وفقد السيطرة على عواطفه و بدا منزعجا من اتهام الغراب فقال وهو يصر على أسنانه:« أيها الطائر البغيض! كيف لك ان تستمر في اتهامي زورا وقد....»
قاطعه الغراب قائلا:« وقد اقتحمت كوخنا، اللصوص وحدهم من يفعلون هذا، ايها اللص!!!»

لم يجد الهيكل العظمي أي عذر او حجة للدفاع عن نفسه و ادرك ان كلام الغراب كان صحيحا و حتى و ان كان مستفزا و مزعجا لكن تدخل الرجل الفزاعة بينهما وقال بتفهم

الفزاعة:« قد يكون ما نراه صحيحا... لكننا لا نعلم ما تخفيه الصدور... ربما يمكنك الجلوس معنا و اخبارنا عن من تكون و ما الذي احضرك لسهلنا الجميل؟»

ارتاح الهيكل العظمي و أومأ بالموافقة و قد ارتاح لتفهم الفزاعة

ذو المعطف الرمادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن