مهرجان

10 2 3
                                    

تعالت التمتمات و الهمسات ولا أحد يعارض قول التاجر فقد كان مصيبا،  وتقدمت طيف عجوز مقوسة الظهر  كثيرة السخام بين الحشد تمشي بإستحياء و تنظر للأسفل حتى وصلت لمرآ التاجر و صارت واضحة للجميع، رفعت رأسها قليلا و قالت بصوتها  الهش المنخفض المبحوح

« كم تبيع صابونك يا بني؟»

تغطرس التاجر و نفخ كتفية و صاح للأخرين  بتعال و غرور
« عليكم أن تقتدوا بهذه الجميلة الشائبة فهي الوحيدة التي لم تشكك بي و بسلعتي!»

و أعاد إنتباهه للعجوز و قال لها بأدب و رزانة بعدما نظف حلقه
« مرحبا بك يا جدتاه،  ثمن القطعة قرش فضي واحد، و بما أنك زبونة مميزة  سأمنحك أخرى هدية»

فرحت و وافقت بسرعة،  أعطته ماله و سلمتها إيزابيلا قطعتا الصابون و قد لفتهما لها في جزء من القماش،  وغادرت العجوز من حيث أتت...
وبينما ذو المعطف الرمادي واقف يشهد الحدث إذ به سمع تمتمات من إمرأتين بجواره فتنصت و سمع أنهما كانتا تغتابان العجوز حيث قالت الأولى للثانية

« إنها السيدة مائير لابد أنها تحتاج الصابون لإبنها،  سمعت أن ملائته تكاد تسود تماما من شدة السخام و صار أسود بالكامل تقريبا،  إنه ليس حيا يرجى و لا ميتا فينسى!» 

وردت عليها الأخرى بهمس يشوبه حزن و توتر

« إنها مسكينة حقا،  و الحديث عن السخام يجعلني أتوتر أيضا، أظن انه علينا أن نشتري بعضا من صابون هذا الأحمق ذو القبعة»

لم تمض مدة طويلة وقد إصطف الناس في طابور  ينتظر كل واحد منهم فرصته في شراء صابونة خاصة أن الثمن لم يكن باهظا جدا...

أدخل ذا المعطف الرمادي يداه في جيوبه و رفع رأسه متأملا السماء الرمادية المملة التي تحوم أعداد قليلة من الغربان في أعاليها،  يفكر في نفسه قائلا

"ماذا أفعل الآن؟،  هل أسأل أي أحد ببساطة؟  و ما قصة هاؤلاء مع الصابون و السخام؟ مهلا لحظة!"

وفجأة يستشعر بسلامياته وجود شيء كبير و متكدس في جيبه العميق،  سحبه و قد وجد أنه جراب آخر،  ثم فتحه خفية و انصدم قليلا،  عمل من الفضة و النحاس و الذهب ملأت الكيس من كثرتها

"من أين لي بكل هذا؟  يبدو أني كنت شخصا مرموقا من قبل!، أظنني سأشتري صابونا و أسأل التاجر عن قصر الحاكمة بعد ذلك'

أخذ بعض الدنانير الفضية و الذهبية المعدودة و اعاد الجراب لجيبه، توجه للتاجر الذي كان قد يعد ما جناه سرا قرب إزابيلا حتى لاحظه و وجه نظره له  وقال له بكل ترحيب

« يا أهلا و مرحبا! يبدو أنك غريب عنا؟ هل تريد صابونا كتذكار؟!»

« نعم لو سمحت، لكني أيضا أريد سؤالك في موضوع مهم»  أجابه بكل هدوء

حصل على انتباه التاجر فقال له بحيرة و إستغراب بعدما أومأ لإزابيلا أن تذهب بكيس المال لعربة مركونة بين البيوت

«وماهو هذا الشيء؟»

« أنا مسافر، أحتاج الذهاب لقصر الحاكمة لكني لا أعرف الطريق، هل تدلني؟»

ظل التاجر يحدق بذو المعطف الرمادي بصمت و لم يجبه، لحظة صمت مرت حتى فهم ذو المعطف ماذا يحدث هنا.
زفر بإحباط و أخذ قرش فضي و منحه إياه وهو يقول بملل

«يا لك من بخيل»

« ههه،  لا تنس ثمن الصابون أيضا!»   قالها التاجر بسخرية و هو يأخذ المال،  ثم أكمل بعدما نظف حلقه

«احم، لأثبت أني لست بخيلا سأسدي لك نصيحة يا كومة العظام،  إياك ثم إياك ثم إياك و الذهاب لقصر الحاكمة!»

ثم أعطاه التجر بظهره و راح يدعو الزبائن من جديد صائحا * صابون يغسل السخام!  صابون يغسل السخام!  أحصلوا على أجود أنواع الصابون!*

احتار ذو المعطف الرمادي أكثر بكثير بسبب القول و الفعل البادر من التاجر.
عادت إيزابيلا الصغيرة و أخذت مكانها خلف طاولة الصابون،  ترمق ذو المعطف الرمادي بنظرات متوتر بين الحين و الآخر،  حتى قال لها بهدوء

« هل يقلقكي شيء ما  يا صغيرة؟»

ردت عليه بتوتر و هي تتجنب الإتصال بالعين

«بل فقط...  انت طويل جدا، هل زرت قريتنا من أجل المهرجان يا سيد؟»

انتبه بشكل أكثر الآن،  وقال بفضول و إستجواب

« نعم أظن انني أطول منك كثيرا...  لكن عن أي مهرجان تتحدثين؟»

إختف التوتر في صوتها و قالت بهدوء لكن بلمحة تسلية

« اه، حقا لا تعرف المهرجان يا سيدي؟!،  إنه مهرجان سنوي يقام في قريتنا و في هذه الساحة كذلك، الجميع يرقص و البعض يغني و الأطفال يلعبون،  حتى أنه توجد أطعمة كثيرة!»

أمال رأسه قليلا  و هو ينظر لها بعيونه الجوفاء و قال بشيء من الإهتمام

« يبدو أنه حدث رائع،  ما أكثر شيء تحبينه في هذا المهرجان؟»

أجابته بهدوء و لمحة من التسلية في صوتها

« ماذا يجب أن أقول....  آه،  أحب كل شيء فيه...  لكن.....»

لاحظ أن صوتها أصبح حزينا قليلا  فأكملت
« لم يعد بهيجا كما كان في السابق...  »

إهتم بكلامها أكثر و راح يسألها بصوت عطوف و متفهم

« لكن لماذا؟  كيف لحدث كهذا أن يفقد حيويته؟»

 

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 29 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ذو المعطف الرمادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن