هدوء

20 0 0
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي القارئ، أرحب بك وأقدر شغفك بالقراءة، فهذا يعكس ثقافتك الأدبية وعمق تفكيرك.

كما تعلم، الحياة مدرسة نتعلم فيها من تجاربنا وتجارب الآخرين. ولهذا، أقدم لك هذه الرواية التي ليست مجرد قصة خيالية، بل هي انعكاس لتجارب واقعية عاشتها الشخصية الرئيسية.

فمن هي هذه الشخصية؟ وكيف استطاعت مواجهة الحياة بكل ما فيها من ظلم وألم؟ ستكتشف ذلك عندما تغوص بين سطور هذه القصة.

يعتقد البعض أن السكوت قوة، وأن الهدوء راحة للنفس، لكنهم لا يدركون أن الهدوء أمام العاصفة قد يغرق المركب بهدوء.

تتساءل، عزيزي القارئ، كيف لشخص هادئ ومبتسم أن تنقلب حياته رأسًا على عقب؟

"انهضوا من السرير حالًا، فقد تتأخرون عن المدرسة!" قالت أمي بغضب. نهضتُ من السرير مسرعًا، وتجهزنا أنا وإخوتي دون تأخير. رغم غضبها، أمي حنونة. هل فكرنا يومًا أن حنان الأم هو أعمق أشكال الحب؟ عند صرختها أو عتابها، قد نظنها قاسية، لكنها تفعل ذلك لأنها تحبنا، لأنها تخاف علينا، لأنها تفرح لفرحنا وتحزن لحزننا. فكيف لا نحبها وهي المعنى الحقيقي للحنان؟

نعيش في شقة مكونة من سبعة طوابق، بموقع مميز في منطقة مويلح بالشارقة، بالقرب من مجمع مدرسي. وصلتُ إلى المدرسة خلال دقائق. كان الضجيج من حولي حاضرًا، لكنني كنت أعيش في عالمي الخاص. أرى الناس يتحدثون، لكنني لا أسمعهم. بعضهم غاضب، والبعض الآخر مبتسم. لم أكترث لهم؛ كان هدفي الوحيد هو طلب العلم.

رغم هدوئي وابتسامتي الدائمة، هناك من رأى في طيبتي فرصة للهجوم. ذئاب بشرية استغلت صمتي، وأصبحت فريسة سهلة. تركت ندوبهم أثرًا عميقًا في داخلي، وكانت تلك بداية تحول حياتي.

في اليوم التالي، كنت أحدث نفسي: "يا لي من شخص ضعيف. أيُضربني هؤلاء بسهولة؟ أأسكت عن حقي؟ لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ لقد اعتدت الابتسام رغم الإهانة، والهدوء رغم الألم. لكن ما الفائدة؟ هل نالني شيء من وراء ذلك؟ هل زادت درجاتي؟ وهل، إن كنت قد متّ يومها، كان أحدهم سيتذكرني؟"

في المدرسة، رأيت طالبًا يتعرض للإهانة. اندفعت نحوه لأساعده. ربما لم أخبركم عن شخصيتي الثانية؛ إنها "المساعدة"، فهي تدفعني دائمًا للوقوف بجانب المظلومين. وقفت أمام المعتدي، وحاولت نصحه، لكنه سخر مني. الأغرب أن الضحية نفسه بدأ يضحك مع المعتدي! حينها سألت نفسي: "هل أخطأتُ بشيء؟ لماذا يعاملونني هكذا؟"

انتهت السنة الدراسية، ولم أعد إلى تلك المدرسة التي غلب عليها الظلم. انتقلت إلى مدرسة جديدة، وهناك بدأت رحلتي الحقيقية.

في هذه المدرسة، كنت مختلفًا. لم يعد الهدوء سبيلًا لي. في أحد الأيام، وبينما كنت أتعرض لمزاح ثقيل تحت مسمى الضحك، وقفت فجأة. صعدتُ على الطاولة، ورفعت يدي، مستعدًا لتوجيه لكمة قوية. نظرت في أعين الجميع، رأيت الصدمة على وجوههم. تمالكت نفسي، ولم أفعلها. علم المعلم حينها أنني لست السبب. تغيرت نظرة الجميع إليّ بعدها.

تعلمتُ حينها بأن السكوت وقت الظلم ضعف. والمركب الذي يقاوم العاصفة، حتى إن تعرض للأذى، ينجو في النهاية. أما الهدوء أمام الأمواج الهائجة، فلن يجلب سوى الغرق.

في لمح البصرWhere stories live. Discover now