١

38 2 0
                                    


الثانية فجرا..
صفَّرَ عصفور  الساعة ما إن دخلت، لا أعلم هل هو إعلانًا للوقت كالعادة أم هذه المرة تصفيره كان ترحيبا ساخرًا أو ربما توبيخًا على عودتي المتأخرة للبيت. من كان يدري أن نزهتي البسيطة إلى الشاطئ من أجل بعض الهواء المشبّع بالندى المالح بعد انزعاجي فجأة وسط تناول الطعام سيجعلني أزور أبشع مكان في المستشفى لأبقى هناك طيلة المساء أراقب .. أتلقى التعليمات.. أُمضي على عدة وثائق ظننت أني لن أراها مجددا أبدا بعدما تعرفت بها قبل أربعة سنوات، ..من كان يدري!

جسديا، كنت منهكا لحد النخاع.. أما ذهنيا فإن لم يكن فجوة فارغة ما احتل جمجمتي فحتما إنه ثقبا أسود انفتح وابتلع أنظمتي. وهذا ليس بشيء مريح أبدا، لم أعتد على إمضاء نصف ساعة أمسك بفرشاة الأسنان وأبحث عن أنبوب معجون الأسنان الذي يتواجد داخل نفس الكأس مع الفرشاة دوما ودائما.. حتى الأعمى سيعثر عليه من أول لمسة.

عقلي فضَّل أن يبحث عنه في غرفتي.. فوق المكتب.. تحت الوسادة.. بين الكتب، ولما لا خلف باب البيت تحت السجادة وكأنه المفتاح!

ولأني منهك قررت أن أشطب على مهمة غسل أسناني لهذا اليوم، لا داعي فقد شربت المياه بكميات وفيرة وأظنه قد قام بالمهمة، بالتالي توجهت للسرير والحذاء ما يزال ملتصقا بقدمي.. لم أنتبه لتواجده حتى.

شيء ما حدث.. جزء مني سُرق.. وأظنه لوني الوردي الخاص بالحياة.

لست أعلم كيف نِمت بهدوء تلك الليلة متناسيا الحقيقة التي تقبلتها سريعا وتماشيت مع نتائجها، ورغم دفء الجو إلا أني كنت أرتعش بردا.

الأشجار تفقد فروعها، لكن أنا.. فرع فقد شجرته.
ما العمل الآن؟

عندما استيقظت بعد مجموعة سلاسل من الأحلام المتشابكة الغريبة غير المفهومة والتي عشتها بكل جوارحي كانت الساعة الثامنة مساءً والمثير في أنها لم تكن تنتمي للغد بل لليوم الذي بعده، أنا لم أنم بل كنت في غيبوبة.. ليس غريبا عليّ.

أردت لو أغوص في نوم آخر سريعا فالإستيقاظ ليلا لتبقى مع ضجيج عقلك على انفراد في الظلام ليس جميلا لأنك حتما هالك في دوامة سوداء لا مخرج منها، كيفما تقلبت وانكمشت على نفسي لم أنجح في الاتصال بعالم الأحلام مرة أخرى رغم أنه فوضوي بشكل بحت مع ذلك هو أفضل من فوضى الواقع.

هناك لا بأس بأن تسقط من البناية ولا بأس أن تجد نفسك في مواجهة الذئاب بذراع مفقودة .. لا بأس بأن تكون في ظلام دامس تركض لكن هنا لا..، لا يمكن حتى أن تصمد أمام بضعة كلمات تدلي بالواقع المرير، هنا بغرابة أنا أضعف بكثير من هناك.

لذا لا بأس بالنوم وإن قابلت الشيطان على هنا لأقابل انعكاسي على المرآة.

لكن لا، النوم أراد أن يرتاح مني لبعض الوقت فما كان مني إلا أن أنهض و أتجول في البيت، لا نية لي للحصول على بعض الهواء النقي خارج حدوده، لا رغبة لي في مقابلة العالم.

My old reflection.Où les histoires vivent. Découvrez maintenant