لا تتخيل فتصبح مجنونا!

17 2 1
                                    

لا تتخيل فتصبح مجنونا!

ساعتان على انتهاء النهار وسدول ستار الظلام معلنا حلول الليل ،سماء رمادية تملؤها السحب ،اصوات العصافير تغرد فوق اغصان الأشجار في الحديقة الخلفية لمبني 13 القائم فى مستشفى الصحة النفسية بالعباسية .

يجلس وحيدا ينصت إلى زقزقة العصافير فوق أغصان شجرةٍ أمامه ،تتعلق نظراته بعصفور يتنقل مابين غصن وأخر، حرا طلليقا دون ما يقيد حركته أو يمنع صوته من أن يصدح بما يريد وقتما يشاء .

بعد بضع دقائق اقتربت منه فرفع انظارة اليَّ يتفحصني من شعر رأسي الأسود تدريجيا لأسفل مرورا بملامح وجهي ،توقفت ملامح نظرته قليلا على ملامح وجههي المميزة ،أنف كبير مفلطح وعينان واسعتان، وفمٌ عريض يعلن عن ابتسامة بانت من خلالها، فرجة لتلك الأسنان المكسوة بصفرة بنية .

ثم تعلقت نظرتة بملابسي ، فما من أحد هنا فى هذه الارجاء يأتي بجلبابٍ رمادي اللون ، غريب بعض الشيء على مكان كل النزلاء فيه يرتدون بناطيل وقمصان أو لباس ابيض يشبه الأكفان ، المريلة هى الزي الغالب والموحد فى هذا المكان .

اقتربت من المقعد الذي يجلس عليه فتزحزح قليلا، مفسحا المجال لجلوسي ، وحين جلست بقربه مدَّ يده الي مصافحا، صافحته فلاحظت البرودة فى اطرافه المرتعشة، وما أن صافحته حتى سحب يده سريعا وعقدها على صدره ثم عاود النظر الي العصفورة التي كان يتابعها مرة أخرى .

بعد بضع دقائق أخرىٰ من الصمت إلا من صوت زقزقة العصافير وتغريداتها ،انفرج الحديث بيننا بانسياب وبطء رويدا رويدا .

بادرني بسؤال :
هل انت مجنون مثلي ؟
هل تعرف كيف تصبح مجنونا ؟

ما كان مني الا أنني رفعتُ كتفي بلامبالاة، تخبر أنني لا أعلم ما هي الاجابة عن سؤالين متتاليين !.

ثم استكمل حديثه دون أن ينظر الي.

هل تعلم ما الذي حصلت عليه أنا من الجنون ،وهل تدرك كيف بلغ بي الحال الي هنا ،ومالذي يعنيه لي هذا المكان ؟

أنت لا تعرف شيئا عن هذا، أعرف ذلك !، ولكن لو كنت تريد ان تعرف سأخبرك بما عندي ؛ولكن بشرط !

أومأت برأسي موافقا على شرطه دون أن اسمعه ؟

فنظر الي بوجه غاضب : ألا تريد أن تعرف ما هو الشرط أولا!؟
أه نسيت أن المجانين أمثالي لا يضعون شروطا ،ولا يؤخذ كلامهم بعين الإعتبار أو الجديه ، ولكن إذا علمت شرطي لن ترفضه أنا واثق من كلامي.

وما الشرط؟ اخبرت على استحياء، كأنني أحاول اصلاح ما افسدته.

هو أن تسمع جيدا، ثم تأخذ بالنصيحة التي ما بين حديثي وصمتي.

حسنا سأنصتُ لما تقولُ جيدا، وأعدك بأنني سآخذ بكل نصيحة اسمعها منك دون أن أضيعها ولكن؛ أخبرني أولا، مالذي أتي بك الي هنا ؟

حكاية مرض نفسيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن