لحظة الإدراك مؤلمة ، أنَّه رغم تجاهل الجراح هي لا تزال موجودة و لا يمكن التعافي منها ، بأنها تُمسح بضمادة ملح من آن لآخر
...
( طِرمِس ) :
لم أرغب أن أعود للقصر و أنام فيه في هذه الليلة ، أردت أن أبقى لوحدي في الغابة
مشيت حتّى وصلت لكوخ خشبيّ مهجور و فتحت بابه المعطوب بقسوة فأصدر أزيزاً و كأنه لم يُفتح منذ فترة طويلة ، و بالفعل ... آخر مرة فُتح فيه كانت منذ عام في نفس هذا اليوم .
دخلت لأجد المكان مغبرّاً ، كانت غرفة صغيرة يبلغ حجمها مترين مربعين في نهايتها يوجد سرير خشبي عتيق و على جانبه طاولة خشبية مائلة بسبب كسر طرف أحد أرجلها
اقتربت منها و بالضبط على الصورة الورقية المهترئة المسنودة على الجدار الخشبي ورائها ، كانت ألوانها باهتة نظراً لقدمها
أمسكت بها بين يدي ، كانت تحمل وجه زوجين مبتسمين من البشر ... يميل عمراهما لنهاية الثلاثينيات بينما يدخل بينهما طفل صغير بعينين سماويّتين و شعر أسود يقارب الخامسة و يضحك بسعادة بينما يمسك بوجه كل منهما بكفيه الصغيرين
مسحت الغبار برفق عنها ثم قلبتها على الطاولة بحيث لا يظهر ما عليها لي ثم اتجهت نحو السرير الصغير و جلست عليه ليصدر أزيزاً يدل على قدمه و أسندت رأسي إلى الحائط الخشبي ورائي
تلك الفتاة البشرية ، ماسة ... أعرفها منذ المدة ، إنها آخر أمل لي ... أملي الفاشل الذي أشعر بالشفقة على نفسي كلما فكرت باحتمالية تحققه لأن ما ذهب مني لا يعود
لم يكن عليها أن تظهر لي في هذه الليلة المشؤومة ، ذكرى الليلة التي فقدت فيها نفسي !
يكذب بعض الناس وجود الجن و يكذب البعض الآخر بأنه يمكن لبشري رؤيتهم ... لكن الجميع بالتالي يكذبون بأنه يمكن لبشري أن يصبح جنيّاً
أنا كنت نصفاً من الصنف الثاني ، لأنني لم أفكر بالموضوع يوماً حتى أكذبه أو أصدّقه
لكن حصل و أن حدث معي لأفكر به مراراً و تكراراً ... كل يوم ... و لسنوات توقفت عن عدها !رجل مغلّف بالغموض أنا ، هكذا التقطت أذناي منذ مجيئي لمملكة غمام ... أنا لم أكن جزءاً منها ، لطالما كنت باطلاً ، كنت و لا يزال جزء مني يحمل يساراً مظلماً ، حقيقة أنني كبرت لأكون الشرير الذي لطالما تخيلت في طفولتي نفسي البطل الخارق الذي يقضي عليه
لذا نعم ... أنا أحد سكّان المملكة اليسرى و دير الأباطيل
أنا جؤجؤ مجرم ، و رغم انتسابي مؤخراً لليد اليمنى - لغمام - إلا أن جزءاً مني يحمّلني ذنب أنني لا أزال نذلاً معطّراً بالآثام و أن كل هذا كاذب ، حقيقة أنني أكذب على نفسي و الآخرين و أنني لن أكون بطل العباءة الطائرة الذي تمنيته في صغري ، و أنني الخصم العنيد الذي يهرب أهل المدينة خوفاً منه
لكن أملي الضئيل يكمن بأنني لم أولد هكذا ، تصعب الأمور عندما تولد شريراً بالفطرة ، بينما يستيقظ شعور جميل داخلك كل هنيهة يصفعك بحقيقة أنك لم تكن في يوم ما ما أنت عليه الآن عندما تجبرك الظروف على أن تكون الشرير
أنت تقرأ
نصف جان
Fantasía" أتمنى لو أنني أحلم ... و لا أزال أحلم في خضم كل هذه الأحداث المستمرة ، أن يكون ما يحصل الآن مجرد حلم ناشئ عن أحداث الليلة الماضية و هلوساتها ، أن أكون قد جننت ... لكن ألا يكون لما أعيشه حالياً مساحة للحقيقة ، ليس ذنبي إنقاذ قوم كامل لا أفهم عن ماه...