البِلاد

17 3 2
                                    

انتَ مِن مدينة القُدس تلك المدينة التي عندما اريد ان ابدأ الحديث عنها ارى ان الافضل ان اسميها جنة الارض ! تلك الارض التي تزخر اباءً وحمية وشموخاً لا تكاد ترى فيها غير انها عز للعرب ومجدهم ! فمن حي وادي الربابة ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى إلى قريتي لفتا وقالونيا المهجرتين وحي واد ياصول بجبل المكبر وصولا إلى جبل الزيتون، تتحدث القدس عن ذاتها وتبرق للاحتلال أن هويتها لن تتغير ! ، القدس هي لوحة فسيفسائية من مكعبات البيوت تتوسططها ساحة المسجد الأقصى والقبة الذهبية ، كل حجر في هذه المدينة يروي حياة قبيلة رحلت ابواب مقوسة واحياء مهجورة تنتظر عودة سكانها ! هي تلك المدينة التي سكتني ولم اسكنها ! لقد زرت القدس مرة واحدةً في حياتي ، تخيلوا ! مرة ، مررت بها بباب العامود ، شممت عبير الورد ورائحة الخبز وتذوقت الحلوى وتجولت في الاسواق القديمة أشعر في هذه المدينة كل شيء يبدو اشهى واجمل حتى الالوان تراها اصفى ! ان زرتها عزيزي القارئ لاول مرة ستبكي ! ستبكي من فرط جمالها ، فتنتها مؤلمة ! سيوجعك ان هذه الجنة المسروقة لك ! لكنك إن كنت شاب من الضفة لن تزورها ! ربما تتسائل ، لماذا ؛ حسناً ، تعطى التصاريح بالعادة بحسب رضي الاحتلال عنك واحياننا تعطى بحسب امزجتهم ! تخيّل ! اي احتلال وقح هذا الذي يمنع اجيالاً كاملة من بلادها وحين يقرر ذلك لبضع الاف فإنه يضع نفسه في مكان الذي يحنو علينا ! مرة واحدة يا الله صار حقنا جميلة للغرباء ! فنحن عكس غيرنا من الشعوب عاجزون عن التنقل بحرية ! عن مغادرة الوطن والعودة اليه منى قررنا .

أما انا من مدينة نابلس ، انا اوقن ان لمدينتي نابلس وجه آخر لا أعرفه ، أنشد قربها كل ليلة لتطلعني عليه فتأبي ، ترى ما الذي تخبئه خَلف هذا الوجه الفائق الجمال ؟ ليس وجهاً قبيحاً بالتأكيد فهي لم تكن يوماً عنواناً لأي قبحٍ حتى ولو عابرٍ !  نابلس هي في أجمل بقعة جغرافية في وسط فلسطين وتذكر كتب التاريخ وصف بعض الرحالة العرب لنابلس بدمشق الصغرى للتشابه مع دمشق بمعالمها ومناخها ومياهها وينابيعها وجبالها وفاكهتها وخضارها وحتى في لهجتها ، نابلس هي منبع الشُبان المقاومين في كل حالاتهم ؛ بطولاتهم ، انتصاراتهم ، هزائمهم ، حالات ضعفهم ، وقوتهم  .

..

أسرح قليلا في صور الذين خرجوا قبل ٧٠ عاما عبر جسر الاردن الخشبي تلال صعدوها وبحر ركبوه وبيوت تركوها خلفهم والى الآن لم يعودوا !
وكأنه قدر الفلسطينيّ ان لا يعود أو يعود قليلا بتصريح عبور لساعات الى بلد عاش به اجداده واباؤه .

لن نلتقي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن