أين نحن؟

19 2 0
                                    


كل ما كنت أسمعهُ هو الصراخ والعويل.. لم أشعر بأي شيء على الأطلاق مجرد الألم الذي أحتل جسدي حتى أثقلت عيناي وغشى السواد بصري..
- فاطمة.. فاطمة.. هيا أنهضي أيتها الكسولة!.

فتحت عيناها ببطء شديد وقد كانت هيئة صغيرة واقفةٌ على رأسها بتعابير قلقة.. سرعان ما أدركت أن هذهِ سحر ذات اللسانِ السليط والنبرة العالية.

- وأخيراً.. خلتكِ للغد لن تنهضي!..
زفرت بأرتياح حالما رأت صديقتها العزيزة تفتح عينيها البنيتان تحاول تحريك جسدها المتعب.
- يا ربي.. عبالي راح تعوفينا لوحدنا.. همزين طلعتي على قيد الحياة!.
هتفت شهد من خلفها والتي كانت متكئةً على أحدى الأشجار وملامحها مرتبكة.

أبعدت عيناها العسلية وجالت بنظرها أنحاء الغابة الكثيفة قبل أن تقول:
- حرفياً ما أدري أحنة وين!.
عقدت فاطمة حاجباها بحيرة وحاولت النطق إلا ان حلقها كان جافاً وشفتاها متشققة بعض الشيء.
- أنتظري شوية أكو بئر قريب منا بي مي نظيف راح أحاول اجيبلچ منة شوية..
هتفت سحر قبل قبل أن تنهض وتغادر المكان كانت قلقةً بشدة على صديقتها إلا أنها تحاول أن تتماسك وتبدوا صلبة.

ما هي إلا دقائق حتى عادت ومعها وعاءٌ فيها ما يكفي لتروي عطشها.
- أشربي على كيفچ.. يا الله.
قربتهُ من شفتيها لترتشف القليل كأنها أرض قاحلة أرتوت بالماء.
- على الأقل بعدنا سوية.
قالت الاء بملل بينما تقترب من تجمع الفتيات.. صاخبة ومرحة، محبة للثرثرة وسماع الشائعات، من عائلة غنيةٍ مدللة المنزل .

جلست على الأرض حيث تستلقي فاطمة وأكملت حديثها:
- أدري واحد يگعدلة بقصر.. بفيلا.. بس اني حظي يوگعني بـ هيمة!. فگور ومطبوع على گصتنا.
تذمرات لا تنتهي كما هي العادة من الاء، لم تكد تفتح فمها حتى قاطعتها شهد:
- أگول اكرمينا بسكوتچ مو عايزنة ضيم فوگ الي احنا بي..
لم تهتم لما قالته صديقتها وأخذت تكمل:
- كون هسه دولمة، برياني.. قوزي.. بس خضار أدري اكل ورق.. صدگ چذب شنو هذا الفگر.

تنهدت فاطمة بضيق ونهضت بصعوبة قبل أن تسأل:
- ما أتذكر أي شيء على الأطلاق.. وين أحنة بالضبط؟
- بـ ابو نؤاس يم نهر دجلة.
ردت الاء بملل لتشهق شهد بتفاجئ:
- يا متخلفة.. نهر دجلة يمر ببغداد؟  لا وبـ ابو نؤاس؟!
- خربطت بالأسماء شبيچ! هسه هذا مو مهم، خلي نحير برواحتنا.

تشتت الأفكار فلا واحدةً منهن تتذكر ما حدث قبل أن يصبحن هنا.. كأنما أحدهم محى جزءً من حياتهن، على الأقل مازلن معناً هذا قد يخفف من الخوف لديهن.

وبينما كل واحدة تفكر فيما يجري سمعن أصواتٍ من بعيد كأنها صهيل أحصنة وقراع سيوف.
لكن.. هذا بالفعل حقيقي.. لم يكن يتخيلن على الأطلاق.. اذ بدأت تتعالى الأصوات وتقترب رويداً رويدا.

- أتسمعين هذا؟
تسألت شهد بينما تتشبث بيد فاطمة كأنها تحتمي بها.
- أعتقد أحنه بالمكان الخطأ.
همست الآخرى والتي دائماً ما يصيب حدسها إلا أنها تأمل أن يخيب هذهِ المرة فقط.

أحلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن