لم تكن "نور الهدى" جميلة جداً وهي في العشرين من عمرها، لكنها كانت فتاة مهذبة، مفعمة بالحياة، و تحب الخير للغير. كانت تسكن مع أبويها و أختيها في قرية اسمها "النّازلة"، و بالرغم مما كانوا يعيشونه من فقر و حرمان إلا أنّها لم تتوقف عن الحلم يومًا. فقد كان حلمها إكمال دراستها بتفوق و الحصول على عمل جيد تُعوّض به السنوات القاسية التي مرت عليها و على عائلتها. كان والدها يشتغل في مجال الزراعة، و في بعض الأحيان لا يكون عمله مُربحا و مُرتّبه كافيا لتغطية كافّة المصاريف. و كانت أمها تشتغل في مجال الخياطة، غير أنّها تركت تلك المهنة بعد أن كُسرت يدها. لذلك فقد كانوا محرومين من الكثير من الأشياء، لكنّهم لم يتذمّروا أبدا.
انتقلت "نور الهدى" إلى مدينة بعيدة عن مقر سكناها لإكمال دراستها في الجامعة، بعد أن انقطعت عنها عاما كاملا بسبب الظروف. وقد أمضت شهورا و هي تعمل و تجمع المال اللازم لشراء الأدوات المدرسية و لوازم السكن الجامعي بسعادة وحماس. كانت في البداية تجد صعوبة في التأقلم في المكان الجديد و الاختلاط بمن حولها، خصوصا وأنها كانت خجولة ولا تعرف أحدا هناك. لكن شيئا فشيئا، تغلّبت على خجلها و خوفها، و تعرّفت على بعض الأصدقاء.
وقفت ذات يوم تحت شجرة قبالة الجامعة تتفرّس في الوجوه المختلفة. فجأة، لفت انتباهها فتاة جميلة، تبدو من شكلها لطيفة و محبوبة، فاستجمعت قواها واتجهت نحوها و حيّتها:
- مرحبا.. أنا اسمي نور..
التفتت إليها الفتاة و سرعان ما تغيرت ملامح وجهها:
- اهلا!
- أنا جديدة هنا، هل يمكنكِ مساعدتي؟
- حسنا، بماذا؟
- لا أعرف أين أجد هذا الفصل.
وأشارت إلى روزنامتها.
- أوه! أنتِ معي في نفس الفصل.. تعالي من هنا.
قالت الفتاة، ثم همست لصديقتها التي كانت بجانبها:
- تقول أنها جديدة هنا ههه، هيا لنستقبلها استقبالا يليق بها.
- هههه هيا بنا.
دخلن قاعة الدرس، تلاهن مجموعة من الطلاب، فجلست الفتاة الاولى في أول مقعد، و لما همّت "نور" بالجلوس بجانبها دفعتها الفتاة الثانية قائلة: "هذا مقعدي يا أنتِ.. اذهبي واجلسي في مكان آخر."
صُدِمت "نور" من تصرفها واتجهت نحو مقعد آخر، لكنها ما إن جلست حتى سحب شاب ورائها المقعد فسقطت على الأرض، و بدأ الجميع يضحكون عليها. و ما راعها أكثر هو أن زميلتها ظلت تنظر إليها و تضحك هي الأخرى. لقد ظنّت أنها وجدت صديقة، لكن يبدو أن المظاهر خدّاعة حقّا.
في تلك اللحظة، دخل الأستاذ، فنهضت "نور" و جلست في مكانها مطأطأة الرأس. و بعد دقائق، طلب منها الأستاذ التعريف بنفسها، وما إن فتحت فمها لتتكلم حتى بدأ زملائها يضحكون عليها و يقولون كلمات لم تفهمها. لذلك بعد الدرس، أغلقت على نفسها الحمام و شرعت في البكاء. لحسن حظها لم يأتِ بقية الأساتذة للتدريس، فعادت إلى غرفتها في المبيت الجامعي وارتمت على سريرها تمحو أحداث ذلك اليوم السيئ. لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض فيها للإهانة، فلطالما كان أصدقائها يسخرون منها و ينعتونها بالمشعوذة لوجود ندبة على وجهها، فتبقى وحيدة لا تجد من يُخفّف عنها آلامها غير والدتها التي تحاول دائما تهدئتها بعبارة "الجمال الخارجي لا يهم، ما يهم حقّا هو جمال الروح."
أنت تقرأ
شُعاع نُور
Novela Juvenilفتاة تسافر إلى مدينة بعيدة للدراسة فتجد نفسها تحارب التنمر و يتأرجح قلبها بين شاب تحبه و آخر يحبها. فمن ستختار؟