8

58 3 0
                                    

الفصل الثامن
"بداية جديدة."
***
ظل يودعها حتى اختفت عن ناظريه في زوايا المستشفى واستدار على حين غرة فرأه.
كان واقفًا يشاهد كل شيء من بعيد بصمت وبحسرة ايضًا.
شعر يحيى بالدماء تفور الى رأسه وركض باتجاهه وفر حسام هاربًا عندما رآه يحيى.
خرج حسام من المستشفى ووصل الى سيارته وفتح بابها فلحق به يحيى واغلق بابها ولكمه لكمه بعنف اطاحت به فسقط على الارض.

انحنى يحيى وامسك بحسام من ياقته ورفعه فنهض حسام وهو يسعل وقال يحيى بغضب:
-جاي ليه، مش انا كلمتك وانت رفضت جاي ليه.

رد حسام بشيء من الضيق:
-انا حر وانتَ مالك، ايه اللي دخلك بينا اصلا وانت بأي حق بتحاسبني، البنت بنتي وعائشة..

بتر يحيى حديث حسام بغيرة قائلًا:
-وعائشة خطيبتي.

نطحه يحيى بقوة فسقط حسام على الارض ودرات الدنيا من حوله وجلس يحيى فوقه وامسك ياقته وقال:
-انا فهمتك من عينك، انت مش جاي عشان حياة ولا تهمك اصلا، انت جاي عشان عائشة، معرفتش تنساها بس عايز اقولك انك مجبر تنساها عشان عائشة خطيبتي وخلال فترة قصيرة هتكون مراتي، لازم تشيلها من دماغك عشان لو معملتش دا هفتح انا دماغك دي وهشيلها بمعرفتي، عائشة خط احمر، غور من هنا مش عايز اقابلك حتى صدفة في الشارع بعد النهارده.

سعل حسام بشدة ونهض بوهن ونظر ليحيى بحسد وحقد وركب سيارته وانطلق بها دون النظر خلفه.

***
"في فجر ذلك اليوم."

كان يحيى واقفًا امام العناية المركزة ينظر لعائشة من خلف الزجاج حتى عندما بدأت تستعيد وعيها اشار لها بكفه وابتسم لها فاكتفت بتحريك اصبعها.

نزل يحيى الى المسجد بعدما اطمئن على عائشة وطمأنه الطبيب ايضًا على حالة الطفلة وعائشة وبشره بنجاح العملية.

وقف يحيى بين يدي الله ليؤدي فرضه وسجد لله حامدًا فضله عليه، ممتنًا لاستجابة دعواته.
***
بعد مرور ايام تعافت خلالها عائشة والطفلة جزئيًا، اذن لهم الطبيب بالخروج من المستشفى لاستكمال شفائهم في المنزل واخذ يحيى اجازة من الشركة واهتم بعائشة وابنتها بنفسه فكان يطعمهم ويعطيهم الدواء في ميعاده حتى انه غير ضمادات جروحهم بنفسه دون ان يشعر بأي ضغط او عبء حتى لم يفكر في احضار ممرضة خصيصًا لأجل هذا وفعله بكل حب.
***
مرت الايام حتى انه مر شهر على خروجهم من المستشفى.

"في مساء احد الايام."

بعد نوم الفتاتين اخذ يحيى عائشة وخرج بها الى حديقة الفيلا واغلف الباب خلفه وقال لها بنبرة متوترة:
-تعالي معايا عايز اكلمك في حاجة مهمة.

نظرت عائشة له باستغراب وقالت:
-تمام، انتَ كويس؟

جلس على الكرسي واشار لها ان تجلس بجانبه وقال:
-انا كويس بس عايزاك تفضلي كويسة وتتماسكي.

تسارعت دقات قلبها وقالت:
-في ايه؟

تمتم يحيى بنبرة مرتبكة:
-انا مش عارف امهد ازاي بس انا عرفت عن طريق الصدفة.

وضعت عائشة يدها على قلبها بخوف وقالت:
-قول يا يحيى في ايه، قلبي هيقف.

تنهد يحيى وقال بابتسامة:
-بنتك عايشه، حياة عايشه يا عائشة.

نظرت عائشة له مطولًا وكأن الزمن توقف عندها في تلك اللحظة وقلبها كاد ان ينفجر من شدة ضرباته وتمتمت بتلعثم:
-مين اللي عايشة؟

-بنتك يا عائشة، مش كان اسمها حياة؟

لاذت عبراتها الساخنة بالفرار وانهمرت على وجنتيها وشدت قبضتها على قلبها وقالت بنبرة غير مصدقة:
-بنتي انا، انتَ متأكد، طيب انتَ شوفتها.

حاول يحيى الاقتراب منها ومحاولة احتوائها فهي كالقنبلة التي سُحب مسمارها ستنفجر في اي لحظة ورد عليها قائلا:
-شوفتها.

تشبثت عائشة به وقالت من وسط بكائها بنبرة راجية:
-هي فين وديني ليها، عايزة اشوفها.

نظر يحيى اليها بتوتر وقال:
-هي هنا، معانا في البيت..

جمدت ملامح عائشة فجاءة ولم تعد تدرك ما تسمع من شدة الصدمات المتوالية، ابنتها هنا الان.

ابتعدت عنه على حين غرة ونظرت حولها وقالت:
-انتَ بتقول ايه، بنتي هنا؟

-ايوة.

نهضت عائشة من مكانها وقالت بعدم استيعاب:
-فين.

وقف يحيى امامها وامسك بكتفيها محاولا السيطرة عليها وقال:
-نايمة في اوضتها، انا عايزاك تهدي لأنك كدا هتصحيها، انا قررت اعرفك وهي نايمة عشان تهدي براحتك ونعرفها الصبح.

امسكت عائشة ياقته وصرخت بقلب محروق:
-هي مين اللي نايمة في اوضتها، انت هتجنني يا يحيى، قول بنتي فين، انا جوايا نار هتقضي عليا وانتَ بتستخف بيا وتقولي هنا ونايمة في اوضتها.

تمتم يحيى بشفقة على حالها:
-انا مبستخفش بيكي، بنتك فعلا نايمة في اوضتها، حياة هي نفسها مي.

لم تستطع قدميها حملها اكثر من ذلك وسقطت جالسة على ركبتيها وتجمدت ملامحها مرة اخرى ولكن دموعها لم تتجمد وقالت بنبرة متلعثمة:
-مي هي حياة، ازاي، ازاي معرفتهاش، قلبي عرفها من اول ما شوفتها بس انا معرفتهاش، ازاي كنت غبية كدا، ازاي معرفتش بنتي وهي نايمة في حضني، قلبي عرفها وعقلي كل حاجة كانت بتدل ان هي بنتي، شكلها، سنها، حتى التطابق يا يحيى، محستش بيها وانا بديها حتة مني، التطابق!

نظرت عائشة الى يحيى وقالت بنبرة مترقبة:
-انتَ تعرف من امتا انها بنتي، من قبل العملية مش كدا!

اومأ لها يحيى بنعم فضربت صدره بقبضتيها وقالت بنبرة متألمة:
-حرام عليك، عارف كل الفترة دي ومقولتليش، دا انا بتعذب قدامك من فراقها كل ساعة، ليه يا يحيى ليه.

ضمها يحيى الى صدره وقال بنبرة صادقة:
-انا عارف من يوم ما البنت تعبت، وكنت هقولك بس لما عرفت مرضها خوفت، خوفت تتعذبي بوفاتها مرتين مقدرتش اموت بنتك مرتين يا عائشة، قررت اني مش همنعك انك تساعدي بنتك رغم رعبي عليكي وقولت لما العملية تنجح وتخفوا هصارحكوا بالحقيقة.

رددت عائشة دون وعي وكأنها في عالم اخر وقد استكانت على صدره:
-ازاي معرفتهاش، بنتي، بنتي عايشه، بنتي في حضني بقالها ايام ومعرفتهاش.
بنتي عايشه، بنتي عايشه، بنتي عايشه يا يحيى.

انبعثت الفرحة في نبراتها الاخيرة وعانقت يحيى وشدت على عناقه وبكت من الفرح وهي تنظر الى السماء بامتنان ورددت:
-بنتي عايشه، الحمدلله يارب.

-مي..

نظرت عائشة على حين غرة الى الباب عندما تفوه يحيى باسمها فوجدت الفتاة تقف وهي تفرك عينيها وقالت لعائشة:
-قومتي ليه من جمبي؟

نظر يحيى لعائشة بارتباك وقال بتحذير:
-عائشة اوعي، هنمهد لها الصبح سوا.

لم تسمع عائشة ما قاله ونهضت من مكانها وركضت نحو الفتاة وقالت لها بسعادة:
-حياة، انا ماما، انتِ بنتي.
بنتي عايشه يا يحيى..

حملت عائشة الفتاة فجاءة ودرات بها حول نفسها بسعادة حتى شعرت عائشة بالدوار والتعب فتوقفت وجلست على الارض واجلست الفتاة في حجرها واقبل يحيى مبتسمًا عليهم وعلى جنون عائشة وهز كتفيه بقلة حيلة لعائشة وجلسوا سويًا حتى يخبروا الفتاة التي طارت هي الاخرى من الفرحة عندما سمعت الخبر وقامت بعناقهم في نفس الوقت ولفت كل ذراع على عنق عائشة ويحيى.
ناما الثلاثة في الحديقة على الارضية المزروعة وكانت حياة تنام في وسطهم وقالت الطفلة بفرحة:
-انا حياة.

نظرت عائشة للفتاة بحب وقالت:
-انتِ حياتي.

اقتربت الفتاة من والدتها قليلا وقبلتها وقالت:
-انا مبسوطة اوي انك ماما.

اخذت عائشة الفتاة في حضنها وقبلت راسها وقالت:
وانا مبسوطة اوي اني لقيتك، حاسة ان الروح اتردت فيا من تاني.

نظرت عائشة ليحيى بامتنان وامسكت بيده وابنتها في حضنها وقالت:
-شكرا يا يحيى، شكرا على كل حاجة قدمتهالي، شكرا انك موجود في حياتي.
***
"صباح اليوم التالي."
"في الشركة."

كان وائل في شركته يراجع الاوراق التي امامه بصدمة شديد ولا يستطيع ان يتفوه بحرف من شدة الصدمة.

المشروع فشل بجدارة والمهندس الذي اقترح عليه هذا المشروع لاذ بالفرار بالأموال التي تبقت له من ثروته.

دخل حسام على والده ومازالت اثار النوم واضحة على وجهه وقال بملل:
-في ايه من الصبح يا بابا.

تمتم وائل بصدمة شديدة وهو ينظر لنقطة فارغة:
-انا افلست يا حسام، شقى عمري كله راح في لحظة.

اقترب حسام من والده عندما شعر انه ليس على ما يرام وما هي الا ثوانٍ وسقط والده فاقدًا للوعي بجلطة دماغية من شدة الصدمة.

ذهب حسام مع والده الى المستشفى واستطاع الاطباء انقاذه ولكنه اصيب بشلل كامل وبالكاد يستطيع التفوه ببعض الكلمات التي من الصعب ان تفهمها من اول مرة.

انهار حسام من الاحداث المتعاقبة التي تحدث منذ الصباح واتصل بزوجته لتكون الى جانبه واخبرها بكل ما حدث وهي اخبرته انها ستذهب اليه لكي تسانده في محنته.

حل المساء ومازال حسام ينتظر زوجته في المستشفى بعدما اتصل بها كثيرًا وهاتفها مغلق فقرر ان يذهب الى المنزل لكي يرى ما حدث لها.

عاد حسام للمنزل فوجده فارغًا ولا يوجد سوى الخدم الذين اخبروه ان زوجته تركت له خبر بأنها ذهبت الى اهلها، فرن حسام على والدها:
-الو، عمي ممكن تدي الفون لهايدي، عايز اتكلم معاها.

قال الرجل بنبرة ثابتة:
-هايدي سافرت يا حسام، هايدي وجنا سافروا ركبوا الطيارة من شوية واتحركت.

تحدث حسام بغضب شديد قائلًا:
-يعني ايه سافروا وازاي يسافروا من غير ما تقولي او تاخد اذني، وازاي تسافر في ظروفي دي.

قال والد زوجته بلامبالاة:
-هو دا السبب بالظبط، لما هايدي بلغتني اللي حصل، دورت وعرفت ان الوضع اسوأ بكتير من اللي حكيته ولان مصلحتي بنتي وحفيدتي مهمة عندي قررت اسفرهم ابعت ورقة طلاقها على البيت عندي في اسرع وقت من غير شوشرة، انتوا مش ناقصين.

صاح حسام بغضب قائلًا:
-يعني ايه، ايه اللي بيحصل دا، دي بنتي، تغور بنتك مش عايزها وكانت اكبر غلطة اني اتجوزتها بس انا عايز بنتي.
صمت حسام ونظر للهاتف عندما سمع صفارة انهاء المكالمة، فقام حسام بإلقاء الهاتف على الارض بغضب وبدأ بتكسير كل شيء يقع تحت يده وصياحه ملأ البيت واصاب كل الموجودين بالذعر فهذه اول مرة يروا بها حسام في هذه الحالة.
***
"في منزل يحيى."

اعد يحيى وعائشة والطفلتين العشاء معا كعائلة سعيدة وقاموا بتحضير مائدة الطعام وتناولوا العشاء معًا ثم نهضت الطفلتين لكي يلعبن وظل يحيى وعائشة.

نظر يحيى الى عائشة ووضع كفه على كفها وقال بنبرة عاشقة:
-تتجوزيني يا عائشة؟

نظرت عائشة له بصدمة من عرضه المفاجئ لها وقالت:
-بتتكلم بجد.

-اكيد.

ابتسمت عائشة له بحب وامسكت بكفه وقالت بحب:
-وانا اكيد موافقة.

اخرج يحيى من جيبه علبة تحتوى على محبسين احداهما ذهب والاخر فضة فقهقهت عائشة بخفة على سرعته ومفاجأته التي لا تنتهى.

اخذ يحيى كفها ووضع به المحبس الى جانب الخاتم الذي اهداه لها من قبل ولثم كفها بقبلة عاشقة وقامت عائشة بأخذ المحبس الفضي والبسته اياه بسعادة كبيرة.

قال يحيى بنبرة متعجلة:
-ايه رأيك لو نخلي كتب الكتاب الخميس الجاي.

-لا براحة شوية مش كل حاجة بسرعة كدا.

قال يحيى محاولًا اقناعها:
-ايوة بس السرعة حلوة في حاجات كتير بردو.

نظرت عائشة له بحيرة وقالت:
-مش عارفة، انت رأيك كدا يعني؟

فكر يحيى وقال بتردد:
-اها وفكرت في حاجة كمان كدا مش عارفة هتتفقي معايا فيها ولا لا، هو مجرد عرض وعادي ترفضي، الحقيقة انا كنت بفكر اننا نروح لأهلك، عارف انهم ضغطوا عليكي واتخلوا عنك في وقت كنتي محتاجاهم فيه، ومدعموكيش بس تعالي نفكر فيها هما بردو اهلك، بيحبوكي وبيخافوا عليكي، يمكن طريقتهم كانت غلط بس الدافع حبهم وخوفهم، قبل ما اخلف هنا يستحيل كنت اقول الكلام دا بس الوقتي بعدما عرفت حب الابن وبعد ما عملت حاجات يستحيل كنت اعملها بس عشانها ادركت دا، في النهاية القرار ليكي.

ابتسمت عائشة له بحب وعينيها تسبحان في بحر من الدموع وقالت:
-انا بحبك اوي يا يحيى، بجد بحبك فوق ما تتخيل وبدعي ربنا تفضل جمبي ومعايا طول عمري، عارف يا يحيى من ساعة ما دخلت حياتي وانا اتمنيت من جوايا اني كنت اقابلك الاول واحبك، اني مواجهش كل اللي واجهته، اتمنيت تبقى انتَ ابو حياة فعلًا، وساعات بتمنى انام واصحى انسى كل الوجع اللي عيشته او اهرب من هنا، اروح مكان جديد وابدأ بداية جديدة معاك في مكان محدش يعرفنا فيه، احس فيه بالأمان، بضحك على نفسي وبقول يمكن لو بعدتي عن هنا وبداتي في مكان تاني مع ناس تانية تقدري تسيبي الماضي وراكي المرة دي، متعشيش وانتِ خايفة تقابلي حسام او ابوة صدفة، او حد يحاول يأذي بنتك او ياخدها منك تاني.

ابتسم يحيى بتفكير وقال بنبرة ذات معنى:
-حطيت كلامك دا على جمب مش ناسيه بس نشوف حاجة حاجة الاول، ايه رايك في الموضوع اللي اتكلمت فيه.

تمتمت عائشة بنبرة تنطوي على حزن دفين:
-متشغلش بالك باللي بقوله دايما يا يحيى كلها احلام وبشاركها معاك، مش كل احلامنا بتتحقق.

قال يحيى بنبرة متأملة:
-اوعدك اني احاول على اقدر ما اقدر احققلك كل احلامك واللي بتتمنيه.

استأنفت عائشة حديثها بنفس النبرة وقالت:
-فكرت كتير في اللي انت عرضته عليا دا بس خوفت، خوفت من المواجهة، خوفت من رد فعلهم، وقتها كنت لوحدي، مكنتش لقيت حياة ولا انت كنت معايا.

قال يحيى بنبرة مترقبة:
-افهم من كدا انك موافقة.

-خايفة عليك، خايفة يضايقوك بالكلام ويزعلوك.

غمغم يحيى بنبرة اذابتها عشقًا:
-كل اللي يجي منهم على عيني وراسي، اهم حاجة عندي انتِ، كل مشكلة انتِ واجهتيها او عانيتي منها، كل ذكرى وحشة جواكي عايز ابدلها بذكرى حلوة، مش عايزاك تفتكري في يوم ان اهلك رفضوكي، عايزاك تفتكري على الاقل انهم بيحبوكي ومسامحينك، انا اي تمن قصاد سلامك النفسي وراحة بالك واني اشوف عينيكي دي بتلمع من الفرحة مش من الحزن يا عائشة، اوعي تفتكريني مش حاسس بيكي وواخد بالي.

نظرت له بهيام وقالت:
-كلمة بحبك قليلة على اللي في قلبي ليك يا يحيى، انت عوض ربنا ليا.

احياني عشقه - علا فائقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن