3| خَـــــلَف قُــضـــبـَـانِ الجَحِــيــم

49 5 0
                                    

" لقد حل الليل " همست بصوت شبه مسموع بينما أرفع رأسي، أنظر إلى الشباك الصغير الذي تموضع في أعلى الجدار، أضم ركبتيّ إلى صدري و جسمي يرتعش من البرد، والخوف كلاهما، رجلي المصابة أصبحت تؤلمني أكثر وأكثر أما ذراعي فلم أعد أحس بها مطلقا، المكان يبدو موحشا جدا، الظلام يكتسي كل شبر من هذه الزنزانة المخيفة...

الهدوء المقيت لم يثبت لي إلا أمرا واحدا أنني لم أكن الحبيسة الوحيدة هنا ، إنما هي تلك الأصوات داخلي تتخبط، تريد فك سلاسل قيودها ، تريد الفرار، تريد إطلاق العنان لحريتها

شهقاتها... صراخها... آلامها...

وذلك مرهق للغاية، يستنزف مني كل طاقتي التي كنت أدخرها منذ سنوات، مررت بشتى أنواع المعاناة لكن أن أكون وحيدة شيء لم أجربه من قبل

لطالما كانت أمي بجانبي، تخفف عني تعب الدراسة والعمل في الآن واحد، تلاقيني بابتسامتها الودودة نحوي، حضنها الدافئ الذي ينشر الراحة في أضلعي يزيل عني ثقل كل التعب حولي، يغمرني بالحب الذي دائما كنت بحاجته

والآن أين هي؟ ليست هنا و لن تكون بجانبي تحتويني كعادتها!

مؤلم أن لا تجد سوى غرفات الحزن بداخلك تحتويك... مؤلم و مرهق لأبعد الحدود

لست أخشى مما سيحصل لي غدا، سواء كنت سأُعدم أو أُحرق أو حتى أُتقطع أشلاءا، لأنه لم يعد لي شيء لأخسره أنا فقط أتألم بصمت ولن ينتهي هذا الألم إلا بموتي

التفت إلى الجهة الأخرى وأسندت رأسي على ذراعي، أستسلم للظلام من حولي أتمنى ألاّ أفتح عينيَّ مجددا...

_______

تفرقت رموشي على صوت أقدام و تحرك المفاتيح قادم نحوي، لألمح جسمين يتقدمان في الممر الطويل للزنزانة، الحارس السحلية و برفقته رجل من سكان هذه المملكة، يدية مكبلة بسلاسل حديدية

ذو شعر أسود حالك يغطي رقبته بينما خصلات قصيرة منه غطت بعضا من ملامح وجهه، عينان يكسوهما اللون الأحمر القاتم، ملابسه كانت مثل البقية، مهترئة نسبيا و قديمة الطراز يغيطها بعض من الطين في أجزاء عشوائية

الغريب في الأمر أنه كان يبتسم للحارس، ووجهه مرح مع رشة من الخبث، الآن أدركت سر طباع تلك المعتوهة تاليا، يبدو أن الهارفاير كما أخبرتني هي جميعهم يتصرفون بهذا الشكل... خبثاء مخادعين

قاما بالمرور من أمامي لألمح ذلك الحارس يفتح الزنزانة المجاورة لي يرميه فيها بعنف، الحاجز الذي يفصل بيننا ليس حائطا إنما قضبان من حديد لهذا استطيع رؤية من يجاورني فالجهة الأخرى

" بحقك ليست أول مرة أدخل فيها إلى هنا، ألا تعرف شيئا إسمه الرفق؟ " نبس ذلك السجين وهو يتصنع غضبه و يقوم بتقطيب حاجبيه دلالة على انزعاجه لكن تعابيره واضحة، إنها مزيفة

Implosion | إنـــــــبـــــــجَارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن