الثاني من سبتمبر ، يوم تجليد ذاتي، أحاسبني عما حققته من الوعود التي اعطيتها لنفسي في نفس اليوم من العام الماضي، اتوثر من الرقم المضاف لعمري وانا مازلت في مكاني، محبط قليلًا بسبب توقعاتي لتحقيق أشياء عضيمة في بداية العشرينات من عمري، وبسبب المقارنة مع الاخرين من أعرفهم ومن لا أعرفهم ، وأيضًا بسبب عدم تحقيق توقعات العائلة والناس تجاهي، في هذا اليوم، لم أحاسب نفسي، ليس لأني حققت الكثير بل لأني لم أعد أرغب في تحقيق أي شيء، طموحي الآن ان أكون بخير، وأشعر بالحياة، لا أريد السعادة، أريد تقبل الحياة بكل تقلباتها وأعيش كما أريد ، متحرر من معتقدات وعادات مجتمعي، ومن التوقعات ومحاولة نيل رضى الاخرين بتحقيق مفهومهم للنجاح، نحن جيل الألفين، بين حض سهولة الحياة و تعاسة عدم الرضى، نحن ضحية تعريف النجاح بمفهوم واحد، نجلد ذواتنا لعدم تحقيق رضى المجتمع، نلتقط صور وننشرها على انستغرام لنقول لبعضنا البعض : انضر حياتي أفضل من حياتك، ثم نغلق الهاتف ونعود لواقعنا ونبكي عن حياتنا التعيسة، لهذا سأحقق النجاح بمفهومي، ونجاحي الآن هو آن أكون بخير.
غرقت في التفكير حتى غرقت في النوم، استيقظت حوالي السابعة صباحًا، بينما أستعد للخروج للعمل، قلت : إلى الجحيم للعمل، اليوم ذكرى ميلادي سأفعل شيء ما، كل ما يسعدني في هذه الأيام هو الهروب لمدينة او قرية ما، واديع في دروبها و أتعرف على أشخاص غرباء نقضي يوم او أيام معا ثم نختفي من حياة بعضنا، قررت الذهاب لقرية إمزري نواحي المدينة.
في المحطة الطرقية، أخبروني آنه لا توجد حافلة تذهب إلى تلك القرية، قال لي احدهم: اركب في طاكسي إلى قرية توندوت، ومن ثم ابحث عن خطاف يأخدك إلى قرية إمزري، فعلت ذلك، أخذت تذكرة، آنا الراكب الثالت، نحتاج ثلات ركاب اخرين لينطلق السائق، بعد ساعة انطلقنا، وبعد ساعة أخرى وصلنا لقرية توندوت، مكان بسيط، ناس بسطاء، سألت عن خطاف يأخذني لامزري، لم أجد ، سألت عن إتجاه القرية ثم قررت توقيف آي سيارة تسير في إتجاهها، بين وقوفي، أتأمل المكان، تشعر كأنك رجعت ستون سنة إلى الوراء، منازل مبنية بالتراب، رجال اغلبهم يرتدي جلباب، نساء يرتدون ملابس محتشمة وملامح الحياء على وجوههم، رغم حزني على بنيتهم التحتية السيئة، سعدت لتلك الحياة التي يعيشونها، حياة بسيطة.
لاحضت الناس ينضرون الي، ويتأملون ملابسي، كنت أرتدي سروال قصير وقميص قصير، هم أناس محافظين، يشعرون بالغرابة عندما يرون شخص يرتدي هكذا، اعتقدت ان المكان سياحي، لكنه ليس كذلك، لم يتعودو على رؤية الغرباء، تعبت من الوقوف وتعبت من نضرات الناس...إلى الجحيم لهذه الرحلة، سأعود.
عدت للمحطة، سألت عن الطاكسي المتجه للمدينة، قال لي أحدهم : ساخذك لقرية امزري مقابل خمس مئة درهم، لن أعطيه ذلك الثمن حتى لو سيأخذني بطيارة خاصة، قلت لا، وأخذت تذكرة للمدينة، انا الراكب الاول، جلست في مقهى، أمام المحطة لانتضر باقي الركاب، طلبت عصير ليمون، نضرات الناس مرة أخرى ، في لحضة، وقف امامي أحمق ، ينضر إلي ، أخد كأس العصير وشربه دفعة واحدة ثم ضرب الكأس بقوة على الطاولة وينضر الي بوجه صارم، خالي من اي مشاعر ثم رحل، ماذا سأفعل مع رجل أحمق، نضرت حولي، لا آحد لاحض ما حدث، تعودو وجود حمقى داخل وخارج المقهى، تجاهلت الامر، كل ما اردته في تلك اللحضة هو الرحيل.
أثناء إنتضاري، أفكر في العام الماضي، كان كالجحيم، منذ البداية، في مثل هذا اليوم و المشاكل تطاردني، ابدأ هذا العام بالحض السيء أيضًا، هل هذا يعني ان أيامي القادمة كلها ستكون بمثل هذا الحض، هل عندما نبدأ شي ما بالمشاكل والحض السيء يعني ان النهاية ستكون سيئة أيضًا؟
مرت ساعة، مازلت الراكب الوحيد، شعرت بالملل، دخلت لتطبيق Lingbe، فتحت غرفة الدردشة ، المسؤولة عن الغرفة فتاة، بعدما انهينا اسئلة التعارف سألتني.
- كيف يومك.
اخبرتها ان اليوم ذكرى ميلادي، واخبرتها عن كل ما حدث، شعرت بالاسف تجاهي، وقالت :
- ليتني هناك، سأخدك لمكان ما، ونحتفل بميلادك.
شكرتها عن لطافتها، تحدثنا لنصف ساعة، ليست من عادتي، لا أتجاوز عشر دقائق في الحديث، لكن شعرت بالألفة معها، غرقت في الحديث حتى سمعت سائق الطاكسي يناديني، أخيرًا سأغادر هذا المكان، ودعت الفتاة، وركبت الطاكسي عائد الى المدينة.
في طريق العودة وصلتني رسالة من تلك الفتاة، منذ تلك اللحضة، منذ ذلك اليوم وانا احدثها الى الان، أصبحت جزء من تفاصيل يومي، انقذتني من نفسي، كيف، لا اعرف، أشعر أني أصبحت أفضل معها، أكتب هذه الحروف في شهر ابريل، سبع شهور مرت منذ سبتمبر، هل ايامي سيئة كالبداية، بعضها كان سيء وبعضها جيد والبعض الاخر بدون اي شعور، ذلك اليوم، لم احضى بيوم جيد كما اردت لم اصل لتلك القرية لكن لو لم اذهب لو لم اجد طاكسي توصلني، لو لم أجلس في تلك المقهى لن ادخل لذلك التطبيق، لن اتعرف على تلك الفتاة التي تعني لي الكثير الآن ...الحياة تخبطنا في مشاعر مختلفة ونحن البشر في الغالب نختار ان نرى الالم والحزن والحض السيء بين تلك المشاعر، وننكر او ننسى الفرح وكل الاشياء الجميلة الاخرى ونقول الحياة ليس عادلة...