٠١

274 26 75
                                    

استمتِعوا، وتفاعَلوا.

-

قلقٌ كَبير، واسِع المدى، وارِفٌ مُترامي الأطراف، يتركني في معمعةٍ، معمعة نحتها القلق على عجل، فتُيبِّس وتترك في لُجّة.

ساقاي تخدّرتا، لكنّي كنت أتحرّك، بل أسعى خلف كيان كبير، مُخيف، يجرّني معه إلى ما لا تعرفه ساقاي ولا البصر، يجرُّ بعنفٍ، لكن كفّه فوق رُسغي ليّنة.

لم يبدُ -رُغم أني لم أرَ وجهه سِوى مرّة- مُسترخيا، بل عقد حاجبيه وقد امتُصّ رضاه كلّه فصارَ شاحبا، على الأرجح هو ساخطٌ عليّ، لكنّ الألم كان يشتعل فيّ فلم أفكّر كثيرا.

ارتدّت أنفاسي الدّافئة حولي تُطبّبني من صليل البرد وخدر أطرافي حتّى أستمر في السّعي لإدراك خُطوات هذا الرّجل المُهيب، على الأرجح كان سريعًا لأنّه طويل.

ناظرَني بطرفِ عينه، وفي لحظةٍ كان يسحبني بقوّة لم أُدركها فسقطتُ أسعل أرضا، فأحرقني بنظراتٍ تعترض، نظرات مُهيبة مُشفّرة، لم أفهم، ولم أسع لأفهم، بل استقمتُ مُدركا سرعة سحبه لي.

قدماي كانتا تؤلماني بردًا، قرًّا بل صقيعًا، وأدركتني أحقدُ على كل شخصٍ يلتحفُ جوربًا أو تعانقه بطّانية في هذا الزمهرير.

لم أكن صبيّا عاملا، أو غُلاما يهوى الغناء ليشتريني رجُل فخم الطّراز كإياه، بل ويقيّد معصمي بكفّه كأني سأتبخّر من بين يديه، كأنّه يريدني، أو يحتاجني، وهذا جعلني أُراجع مظهري، الفُستان الورديّ المُمزق الّذي لا يقي بردًا ولا يستر إلا عورة، والدّماء العالِقة على ما ظهر من أديم بشرتي، ودُكنة ما ظهر وما بطن منها، كلّ هذا جعلني أتزعزع، وتنحرف أفكاري عن مسارها الصّحيح، والظّن بنوايا النّاس إثما.

أفقتُ عمّا لوّث أفكاري عند إلقائه لي في سيّارة مُبهرة بخُشونة، لكنّ خُشونته كان فيها من الرّفق شيء، فاحتضنني دفء مُباغت فور وُلوجي لهذه السيّارة المُعطّرة، زحفتُ لرُكن السيّارة وضممتُ فخذيّ لصدري أعانق رُكبتيّ في بردٍ وشيء من الألم، أستغل الدفء الذي غزا رُبوع بدني المكشوف.

كان العِطر بالسيّارة مُبالغ به، حتّى أني سعلتُ، لكنّي نقّيت أنفاسي باستنشاق هذه الرّائحة العطِرة، وجفلتُ فورما وطأت أقدام الرّجل المُهيب - ومالِكي المُستحدث - للسيّارة، بل وجُلوسه قُربي يستشعرُ فيّ رجفة وشُحوبا، وتحرّكت السيّارة بسائقها الّذي جهلته.

ناظرته في إضاءة السيّارة الباهتة، كان عابسا، غاضبا، ساخطا على شيء لم أعرفه، لكنّه أخافني، كان أدعجًا، داكنا، مُهيبا، يحرّك ساقه اليُسرى اهتزازا في وتيرة مُنتظمة وتّرتني وبعثرت تركيزي.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 03 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

بَين كفّين.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن