الفصل الرابع

1 0 0
                                    

وصلت إلى القرية بواسطة تقنية GPS عبر الهاتف صففت السيارة أسفل شجرة تنبت على الطريق ذات ظل ونظرت إلى ذلك البيت البعيد بيت أبي مهد طفولتي تأملته طويلا استرجع أيام طفولتي واللعب فى فنائه الواسع بدي لي أنه تغير فخطر ببالي أن عمران أعاد طلائه قبل أن يتزوج أمي مهلا ما هذه الألوان زيتوني وبرتقالي كيف وافقت أمي لا أنا ولا هى نحب هذان اللونان يلا بشاعة ذوقه نزلت من سيارتي رفضت قدماي إطاعتي فتسمرت بالأرض أخشي أن أقترب فأري ما لا أريد.        
تراها معه الآن يتناولون وجبة الغداء مع أبنائهما الصغار؟ تراها تمازحه كما كانت تفعل مع أبي؟ تراه يجلس مكان أبي على الطاولة ويطعمها بيده؟ تراه يحمل بعض الأطباق إلى المطبخ حينما يذهب لغسل يده؟ تبا هذا كثير لن أتحمل أن اري كل هذا ما كان عليا أن أتي.
هززت رأس انفض هذه الفكرة منها لا أعتقد أن عمران من هذا النوع من الرجال الذين يساعدون ويدللون زوجاتهم.
نظرت إلى الجهة الأخرى المقابلة للمنزل والتي يفصل بينهم طريق ترابي نحو شجرة التوت العملاقة لازالت تقف شامخة وسط حقلنا خطوت نحوها كالمغيبة أشق الغلال شقا أبحث عن أبي كما كنت أفعل فى السابق استفقت من غيبوبتي وليتني لم أصل إليها.
رأيت ذكرى مقتل أبي كان يلتقط أنفاسه الأخيرة مختنقا بحبل ارجوحتي يرفس الأرض بقدميه فى محاولة بأسه لمقاومة الموت على يد قاتله جحظت عيناه وتهدلت ذراعه جواره بعد أن انقطاع أنفاسه.
رفعت بصري عاليا لذلك الغصن وبقايا حبل مقطوع يتدلى منه وبكيت شوهت ذكري طفولتي وساعات طويلة قضيتها فى اللعب على ارجوحتي ليت أبي لم يصنعها لي.
كان دور أبي فى ري حقلنا ظهر ذلك اليوم أرسلتني أمي لأناديه بعد أن انتهت من تحضير الغداء وكعادتي اتسلل واختبئ لأفزعه وهو دائما يتصنع الفزع ليوهمني أني نجحت فى أخافته كم كان حنونا ويدللني فى هذه المرة رأيت ما لا يجب ان أره.
رأيت عمران القاتل يجثم فوق جسد أبي ويشد حبل الأرجوحة حول عنقه ويتمتم بكلمات لم أفهمها بحقد ظاهر على خروج الأحرف من فمه.
وضعت يدي على فمي احبس صرخاتي وعدت للخلف أختبئ بين أعواد الذرة مذعورة لا أعلم ماذا أفعل.
بينما أنا أبحر فى أعماق ظلام ذكرياتي السوداء استمعت لصياحا وضجيج يصدر من ناحية الطريق الترابي فالتفت أنظر بفضول فرأيت أطفال ينعتون سيدة بالمجنونة ويقذفونها بالحجارة وأثناء محاولة السيدة الهروب منهم سقطت على الأرض بجوار إطارات سيارتي اتسعت عيناي عندما استوعبت الأمر أحجار تقذف؟ ركضت مسرعة اهتف :- ابتعدوا عن سيارتي أيها المشاغبون.
واذ بطفل يقفز من فوق حماره يعترض طريقهم لنجدة السيدة فتحول الصياح لتشابك بالأيدي وسب الطفل ونعته بابن المجنونة فزادت وحشيته وأصاب بعضهم بجروح حاولت الإمساك به لأوقف العراك لكنه دفعني بقوة كدت أن أسقط يلاه من قوي رغم صغر سنه أم أنا صرت ضعيفة لا أعلم!! حاوطت رقبته بذرعي وشددت عليه وبيدي الأخرى أخذت أدفع الصغار بعيداً عنه ولم يكف عن مقاومتي أمسك بذراعي ليفك أسر رقبته يصيح بشراسة :- لما تمسك بي؟ اتركني اقتلهم.
ارخيت ذراعي عنه وقلت :- وتقضي باقي سنين طفولتك فى إصلاحية الأحداث وتصبح بعدها منبوذ من المجتمع بدلا من الذهاب للمدرسة؟
تطلع إلي ثم أخفض بصره للأرض يشعر بالحرج كوني سيدة ثم التفت يدور حول نفسه كملسوع يقول :- أين أمي ؟
لما لم أتعجب عندما علمت أنها أمه ربما لأنه كان يدفع عنها أذى الأطفال باستماته ؟
بحثت بناظراي عنها واشرت إلى شجرة التوت :- أنها هناك.
شعرت بيأسه عندما قال :- مرة أخري أمي الم تملي.
ابتسمت أقول :- يبدو أنها معتادة على المجيء إلى هنا اذا!
فقال :- عندما تتمكن من الهروب من بيت خالي تأتي لتبحث عن أختي هنا.
فقلت ببلاهة :- لما لا تذهب بها إلى منزل أختك ؟
نقل بصره إلي وقال بحزن :- أختي توفيت من قبل أن أولد  وأمي على هذه الحالة من وقتها.
زاد فضولي لمعرفة المزيد عنهما فلحقت به بعدما ركض نحو والدته.
وحينما رأتني التصقت بجزع الشجرة وضمت ركبتاها إليها وأخذت ترمقني بنظرات غريبة عانقها الصغير وقال ليخفف من روعها :- لا تخافي هى من أبعدت عنا هؤلاء الحمقى.
فاطمأنت وارتخت ملامحها بعد كلماته وكأنها تثق به لحد كبير فسألته :- هل هى تدرك أنك ولدها؟
رفع رأسه ونظر إلي وقال بعد صمت أستمر لدقائق :- لا أعلم.
أوجعتني نظراته لا يزال طفل ويحمل هذا الكم من الألم الظاهر فى عينيه أردت جبر خاطره فقلت :- هى تحبك لذلك تستكين بين ذراعيك الآن.
حرك كتفيه بلامبالاة وأخذ نفض الغبار من فوق شعرها المجعد والمنكوش.
استدرت لأعود لسيارتي فسألني :- انتِ من المدينة أليس كذلك؟
ادرت رأسي ليكن ذقني بمحاذات كتفي وقلت :- أجل.
ثم التفت إليه بالكامل فى صدمة عندما قال ببراءة الأطفال :- خذينا معكِ فلا أحد يحبنا هنا.
عجز عقلي عن التفكير وألجم لساني عن الكلام من طلبه الغريب فتابع بعد أن طال صمتي دقائق :- أن عادت لبيت خالي سيضربها ويمنع عنها الطعام ليومان كعقاب لخروجها.
فقلت بأسي :- لن أستطيع مساعدتك أنت مازلت قاصرا ووالدتك مريضة عقليا تحتاجا لوصي من أحد أقاربكم.
ساعد والدته فى النهوض وقال قبل أن يهم بالمغادرة :- شكرا لكِ سأتدبر الأمر بدون مساعدة أحد.
أوقفته وقلت :- لن تستطيع الاعتناء بوالدتك وحدك هي تحتاج لعلاج فى مستشفى للأمراض العقلية خالك فقط من باستطاعته القيام به لأنه يتطلب أوراق خاصة كشهادة ميلاد وبطاقة إثبات هوية وغيرها.
بدي لي أنه اقتنع فوضعت يدي على كتفه واكملت :- بعيدا عن أهلك لن يرحمك أحد فالأقوياء يسحقون الضعفاء دون أن يشعرون بتأنيب الضمير.
اقتربت سيدة تصيح وتقول :- فعلتيها مرة أخرى يا صفيه أبي غاضب سيهدم المنزل فوق رؤوسنا.
رن الإسم فى أذني كالجرس حدقت فى السيدة التى تصيح اتفحص وجهها جيدا لأتأكد من صحة حدثي ثم انتقلت إلى والدت الطفل ودمعت عيناي أحدث نفسي كيف لم أعرفها اختلقت الأعذار لأخفي عجزي عن معرفتها ربما لأنها أصبحت هزيلة وضعيفة بعض الشيء أو لبعثرت شعرها واختلاف مظهرها عن ذي قبل ماذا فعلوا بكِ أمي لتصبحي هكذا؟
قطع حديثي مع نفسي سؤال السيدة التي عرفتها هى محاسن ابنة خالي كم لعبنا فى طفولتنا معا :- من أنتِ يا فتاة أول مرة اراكي فى قريتنا؟
أغمضت عيني وأخذت نفس عميق كمحاولة لاستيعاب الأمر وترتيب أفكاري ثم اشحت وجهي بعيدا عن نظرها خشيت أن تعرفني وقلت لأخفي حقيقتي :- رهف رأفت باحثه فى أحدي جمعيات حقوق الانسان. ...... هذا ما طرئ على بالي حينها
هزت رأسها لأعلى وأسفل وقالت للصغير :- خالك يبحث عنك وسيحطم رأسك أن تأخرت أكثر من ذلك.
أمسك يدي أمي فقالت محاسن :- دعها سآخذها معي.
فقال برجاء :- لا تذهبي بها إليه خُذيها لمنزلك.
وضعت يدها على وجنته وقالت :- خبئت لك الطعام فى مكانك المعتاد لا تنسي أن تأكل.
فسألته قبل ذهابه :- ما أسمك صغيري؟
أجابني :- عيسي.
افتعلت المزاح أقول :- عيسي فقط!!
فقال :- عيسي ناجي.
نظرت لأمي من خلف سحابة دموع غلفت عيني وذهبت الحق به لأسأله عن أشياء تصرخ فى عقلي تحتاج إلى توضيح وعندما وصلت إلى سيارتي قال :- أريد عناقك قبل أن ترحلي.
فعانقته عناق طويل أنا أسعد به منه وقلت :- سأعود لأراك قريبا.
لوح بيده ثم أبتعد.
شعرت بحاجة ملحه تدفعني لزيارة قبر أبي بعد أن ذهاب عيسي ساقتني قدماي دون إرادة مني نحو المقابر والتي أعلم مكانها جيدا ففيها دفن جدي وكلما اقتربت يخيل لي أن أبي يناديني ب:- ورد تعالي إلي صغيرتي؟
وقفت اللهث وأنا التقط أنفاسي وإصابتني رجفة عنيفة عندما قرأت أسمي على مقدمة القبر الملاصق لقبر أبي وردة ناجي سند ٢٢ابريل ٢٠٠٥هنا يرقد أسمي وروحي وهويتي وليست رفاتي هنا ترقد فتاة كل ذنبها أنها تعاطفت معي.
بدأت أخاطب أبي ببكاء أقول :- هل تعلم يأبي ما عنيناه بعد مقتلك ؟
جثيت على ركبتي بين القبرين وتابعت بقهر :- باعني خالي وابن عمك القاتل لرجل بلا رحمة كنت أخاف النظر إليه حتي أني لا أذكر ملامحه جيدا كان عنيفا دائم الصراخ فى وجهي كان يحبسني لأيام وحدي فى الشقة.
أمي وأخي أيضا لم يسلمون من إذيتهم يعيشون كالعبيد فى أملاكك أبي .. ليتني أستطيع أن أخبرها أني ابنتها التى تبحث عنها، ليتني أستطيع ضم أخي الي وأقول له أنا أختك.
انتفضت مفزوعة والتفت خلفي عندما وضعت ابنة خالي يدها فوق كتفي تقول :- ورد!!
نهضت سريعا وكففت دموعي أدور بعيني على الأرض مرتبكة أبحث عن كذبة لكن كيف وقوفي هنا أمام قبر أبي يثبت صدق حدثها.
رفعت ذقني بأطراف أصابعها وأطالت النظر فى وجهي ثم قالت :- تغير كل شيء بكِ إلا هاتين.
وأشارت إلى شامتي أسفل عيني والندبة فوق شفتي اليمني.
لم أستطع الصمود طويلا عانقتها بشدة وانهرت انتحب وكأن حياتي ستنتهي الآن أخيرا أحد يعرفني.
انسابت دموعها وقالت :- عرفتكِ لحظت أن وقعت عيني عليكِ وكان ينقصني اليقين لذا تبعتك إلى هنا.
ابعدتني عنها لتنظر إلي وتابعت :- لكن كيف؟ وأنا رأيت جنازتك بعيني واقمنا عزاءك؟
فقلت :-لا أعلم صدقيني ..
أمسكت بيدي تجرني خلفها وتقول بخوف :- اذهبي من هنا سريعا قبل أن يراكِ أحد سيقتلونك.
سحبت كفي من يدها وقلت بخوف :- من يريد قتلي؟ ولما؟
قالت :- عمي عمران بعد أن انتشار خبر هروبك من زوجك.
عاودت البكاء وقلت ساخرة :- بطبع عمران ومن غيره يستطيع فعل هذا ؟
قالت مرتابة :- أمرك يحيرني زواجك المفاجئ فى العاصمة ، موتك الغامض وظهورك المفاجئ ما كل هذا يا ورد ؟
نظرت نحو الشمس فقد أوشك أذان المغرب وقلت :- ليس لدي وقت لأشرح لكِ.
ثم أمسكت بكفها ارجوها بإصرار :- عديني قبل ان أذهب بانكِ لن تخبري أحد عن وجودي.
عانقتني وقالت :- حسنا أعدك لا تخافي.
وبعد أن قرأت الفاتحة لأبي وصديقتي عدت لسيارتي وداخلي إصرار على إنقاذ أمي وأخي من جحيم خالي وعمران وقفت أبحث عن سلسلة مفاتيحي فى جيبي فلم أجدها لا أعلم أين فقدتها أسفل الشجرة أم بين المقابر أطلقت تنهيدة أعبر فيها عن ضيقي ورفعت بصري لسماء أفكر كيف سأجدها وكيف سأعود وقد تلاش قرص الشمس خلف الأفق ودقائق قليلة ويحل الظلام ضربت سقف السيارة بيدي اسب نفسي وامسكت بمقبض الباب احركه بعصبيه فأذ به يفتح بسهولة لم يشغلني كيف تركتها مفتوحة وحمدت الله إني وجدت المفاتيح لا تزال بها يبدو إنني نسيت أن أخذها ، ادرتها وتحركت بها مسرعة قبل أن يحل الظلام وأنا في القرية فلا أعلم ما قد القاه أن بقيت بها تنفست الصعداء بعد أن ابتعدت عنها بمسافة آمنة حيث الطريق العام وحركة السيارات.
تعقدت الأمور وتشابكت برأسي أتيت إلى هنا وأنا على يقين أن أمي قد تزوجت لكنها بدلا عن ذلك جنت وذهب عقلها وأخي الذى علمت اليوم بوجوده ربما هذا ما كانت تعنيه بقولها "أحمل شيء غالي فلن أستطيع السفر معكم حتى لا يضيع مني أنه ذكري ابيكِ " كيف لي أن أتركهما انهمرت دموعي وحالت بيني وبين رؤية الطريق ليلا فصففت السيارة على الجانب ودخلت في نوبة بكاء أعنف نفسي كيف أستطيع العودة من دونهما بعد أن وجدتهما، قضيت السنوات الماضية أحاول التأقلم مع وحدتي وواقعي في جسدا ممزق وأشلاء روح تحترق أمورا تحدث دائما على حين غرة تصل بي إلى حد الموت ثم تنتهي ظاهريا وتبقى لتهلكني من الداخل لأعيش كالأموات بذكريات وآلام الماضي وكلما أعانق الموت يتركني ساخرا أن لا مكان لكِ بين الأموات فيرتفع وجوب قلبي ولا مكان لكِ بين الأحياء هذه هى حياتي باختصار طاعنات وصدمات اتلقاها وحيدة في ليالا طويلة اقضيها دون ونيس ولا سند اتكئ عليه وأشكو اليه مرارة الأيام وأنا أبكي بين ذراعيه.
وضعت رأسي على ساعدي فوق المقود أشعر بالعجز وصرخت أنادي أبي أين أنت لما رحلت وتركتني ؟.
صمت لثواني أستمع لهمس يأتي من المقعد الخلفي من السيارة فرفعت رأسي ببطئ مرتعبة وقد جحظت عيني أفكر هل أخبرتهم محاسن ابنة خالي عني وأتوا ليقتلوني؟ أم هم لصوص أتوا لسرقتي؟ هل سيلاحقونني أن فتحت باب السيارة لألوذ بالفرار؟
ساد صمت مخيف وسكون رهيب فاستدرت بحزر أخرج كلماتي المهزوزة من فمي :- من هنا؟
دون رد.. فأضأت المصباح الصغير الملتصق بسقف السيارة لاري من ورأي  ثم وضعت يدى على فمي اشهق وتحول خوفي لنوبة من الضحك الهستيري أسأل عيسي :- كيف دخلتما إلى هنا ؟
قال بخجل :- سرقت مفتاح السيارة عندما تعانقنا واختبائنا فيها لكن صفية خافت عندما صرختي.
قلت :- ماذا لو رآكم أحد وأمسك بكم؟
قال بإصرار :- كنت سأضرب واحبس ليوم أو إثنين وبعدها سأحاول الهروب مجددا فعلتها من قبل.
أبتسمت وقلت :- دعنا نبتعد عن هنا أولا ثم نبحث عن مطعم لنأكل سأموت جوعا ونتحدث بعدها.
وجود أخي وعودة أمي كانت بمثابة قبلة الحياة لي أصبح لدي هدف أعيش من أجله ومن أجلهما سأفعل أي شيء وسأحرص على أن يكونا بأمان لذلك سأجبر نفسي على كتمان حقيقتي عنهما.
أردت السيارة وقبل أن أبدأ فى الحركة قال عيسي :- تفضلي خالتي أحضرت معي هذا.
التفت إليه وامسكت بظرف كان يحمله أقول وأنا أضحك :- أولا لا تناديني بخالتي يمكنك مناداتي ب رهف دون القاب، ثانياً ما هذا يا صغيري ؟
قال متهكما :- أولا أنا لست صغيرا تجاوزت الحادية عشر من عمري ، أما ثانياً قلتي لاعتني بأمي يجب عليا الحصول على أوراق هويتها هذه جميع الأوراق التي وجدتها فى خزينة خالي.
أعجبني غضبه وهو يقول أنا لست صغيرا.
تصنعت الغضب وقلت :- أسرقت خالك أيضا!! عدني ألا تفعل أمورا كهذه مرة أخري.
قال :- حسنا لن أفعل بذلك هيا ابحثي فى الأوراق عن ما يلزم لوضع أمي فى المستشفى.
قلت أضحك من جديد على طفولته :- الأمور ليست بهذه السهولة لكني سأتدبر الأمر مع السيد رأفت.
قال :- من السيد رأفت؟
فكرت قليلا وقلت :- أبي.
نظر إلى والدتي وقال :- نامت صفية.
فقلت قبل أن ابدئي فى النظر إلى الأوراق تحت إضاءة السيارة الخافتة :- تعالي إلي جواري فى المقعد الأمامي.
شهادات ميلاد ووثائق وراثة وأوراق أخرى فغرت فاهي بصدمة وشهقت عندما وجدت وثيقة وفاتي وعقد زواج عرفي بأسمى فأخفيت دموعي عن الصبى حتى لا يلاحظ وهززت رأسي بالإيجاب عندما سألني :- هل وجدتي شيء مهم.
تلاحقت الأحداث ولم أخطط لها ماذا أفعل معهما؟ كيف أدخل إلى السيد رافت وأخبره عنهما؟ كيف سأعتني بهما؟ كل ما يحدث دربا من الخيال إحضار طفل وسيدة مجنونة إلى منزلي والتكفل بهما هذا أمر لا يبدو طبيعيا أدركت أن الصبى كف عن ثرثرته وحل الهدوء من حولي فنظرت إليه واذ به نائم هو الآخر ليتك تدرك ما أنت مقبلا عليه يا صغيري كيف تنام قرير العين ولا تفكر فيما قد يحدث لك ولامك بعد أن تركت أهلك وبيتك!! ألى هذا الحد تكرههم تري ماذا فعلوا لك لتفضل التيه فى أرض الله على أن تكون معهم حسنا ليكن مصيرنا واحد نحن الثلاث ويكن ما يكون.
كنت أقود بسرعة منخفضة بعض الشيء أرتب وأخطط لبعض الأمور التى تخصهما فى عقلي ولا أعلم كم من الوقت قضيت فى الطريق إلى ان استمعت لأذان الفجر وكنت قد اقتربت من منزلي فأيقظته أقول وأنا أداعب خصلات شعره :- عيسي أستيقظ يا صغيري قد وصلنا.
سأتركه يتعامل مع والدته فأنا أخشي أن أقترب منها فتثور ويحدث مالا يحمد عقبه أغلقت السيارة وحملت الحقائب والأشياء التي اشتريتها لهما أثناء نومهما فى الطريق وعيسي بدوره أمسك يد امنا ودلف خلفي إلى المنزل ملتزم بصمت كما اوصيته عند البوابة حتي لا يوقظ الجيران كنت أراقب ادق تفصيل وحركات أمي واتعجب.
هل هذه أمي التي كانت تملء منزلنا سعادة ونشاط هل هذه أمي التي كانت دائمة الصراخ علي عندما أفسد شيء أصبحت طفلة تبتسم ببلاه وتعبث بأزرار الإنارة تتلمس المرايا ثم شعرها المبعثر كطفلة صغيرة تتعرف على صورتها لأول مرة فى المرآه ،جسد إمرأة بلا عقل وإدراك هكذا أصبحت أمي ، نظرت للصغير الذى أمسك بيدي يقول :- لما تبكي يخاله.
كففت دموعي التي أدركت هطولها الآن وقلت :- هيا دعني أريك غرفتكما.
سأذهب لنوم الآن فقد كان يوما شاق وعندما أستيقظ سأتصل بدكتور وليد ليفحص حالة أمي وبعدها سأتحدث مع السيد رأفت بشأن البحث عن مدرسة ليلتحق بها عيسي.
ذهبت لسيد رأفت لاعتذر منه ولكم نلت من التوبيخ لأنني سافرت إلى القرية رغم تحذيراته الكثيرة لكنه استسلم بالأخير ونصحني إلا أضع أمي فى مستشفيي الأمراض العقلية حتى لا يكتشف أمرها أن قرر خالي البحث عنها والاكثر من ذلك إصراره على وضع طاقم حراسة على باب منزلي رغم أنني لم أري داعي لكل هذا القلق والخوف أثبت لي السيد رأفت أنه ليس كل الناس سيئين مثل هذا الرجل قليلين فى هذا الزمان.
أختلف مجرى حياتي عن ذي قبل أصبحت أعود من العمل للمنزل باكرا فلدي من أهتم لأمرهم لقد ألحقت عيسي بمدرسة خاصة لكنني لم أستطع وضع أمي فى مستشفيي للأمراض العقلية لذلك أخذها إلى عيادة الدكتور وليد الشامي مرتان بالأسبوع بُناء على جدول العلاج الذى وضعه وفقا لحالتها ، كما أنني اضطررت لحبسها فى غرفة خاصة وكم يؤلمني هذا بسبب محاولتها الهروب المتكرر .
أتعلمون؟ استغرقت وقتا لتتأقلم على وجودي كانت تقذفني دائما بأي شيء تطاله يدها وتصرخ فى وجهي وتحاول ضربي وفي كل مرة يحدث ذلك أصعد إلى غرفتي وأدخل فى نوبت بكاء حتى وهى معي لن احظي ببعض حنانها أتذكر آخر مرة حظيت بعناق كان حينما عانقتني فى محطة القطار عندما غادرت القرية.
حسنا لا بأس فبالأمس القريب كنت وحدي بلا هدف يأسه من الحياة أما الآن فلدي هم أصبح لحياتي معني.

**** أن اعجبك الفصل اترك تعليقاً****

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 23 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

سأكتفي بدمعي وحزني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن