رِسَالْةَ.

184 31 39
                                    

فرنسا، كليرمون.
١٨٣٣.

إلى أي يدٍ تنطال رسالتي، إلى كل غريب يقرأ رسالتي..

يا مُسترق النظر، ليس وكأنني أكتب هذه الرسالة لك...إطلاقًا.

لكن لن أدع نفسك الضئيلة بالذهاب عارية، لا تقلق سألحفها لأجلك وبما سيرقى لفضولك. 

وأنا سأكتب ما في خاطري، وما عليّ منك؟ أنت من إختار أن تقرأ..

أردتُ من دُنياي أن تعاتبني عتابًا لا لطمي..لكن يجيئكَ مَالا تشتهي، وتُقابلك بالأمر وأنت مَن إِختار.. 

فَحين تبقى طويلا سيستوجب عليك البقاء منخمدًا، ليس لصالحك أن تُبدي إعجابك في أوج جذوته، حذاري يا من تشابه النِعال، حياتك ليست بطويلة وستبقى متحسفًا طيلة عمرك إن أضعت فرائصك، فالحياة كالنوادسُ تندق على الودج فيوهطُ وهنانًا، فتابع وقاتل ولو إستُمع نعابك يصدح متقزحًا كل فرنسا...كانف وبادر 

وامشي متهلل الوجه لا بليدَ، فإن قابلك إنسانٌ قَشْمَرْ وشدخك، امسك سنحته الكريهة وافرك الأرض بها. فهاذا ما يناله كل عُرّةٍ متبجح.

ولكن تأتيك أيام تبعث في صدرك شعور عارم يكون جوابًا مقنعًا بانك ما عدت صالحًا لمجاراة كل شيئٍ يحدث، تأتيك رغبتة في البقاء وحيدًا، تُساكن نفسك وهوائك..،مُستَهلِك، لم يبقى شيئ في محياك إلا الشحوب والخذلان..

كنت اتمنى وصولي لمدرك مختلف عن كل الذي ادركه، تمنيت البقاء قويًا راسخا متصلبا ومنتصبا، شامخا.  لكن كل ذلك غاص واضمحل..رغبتي في لُقيا المنايا فاض علي قسرًا، يرغمني بوقف كل ما فعلته لأجل نفسي..

رغبتي الجديدة طُمست بمجرد أن دحمست بحنكتها على نفسي، تسطو على كل أفكاري، هُزمت أمامها واستسلمت لرغبتي القديمة.

وكأن جُل ما أفعلُه اُعتُمِل ليندثر!، فلم ينجح معي شيئًا، ولم تَرقُ لي عيشتي.

وكأن الدنيا ضدي، وكل جمادٍ ضدي فيعذبني بما أهوى بعد أن أعطتهُ لي وامسكتهُ ومسستهُ بيدي، فكان مُلكي.

وكأن الحياة تكرهني؟، ولكرهها أنا استسلمت..فقد عاثت في قلبي المكلوم فسادًا ما بعدهُ فساد. ألا ترحمي أيتها النادس؟وددت لو تُغرقيني وأرتاح..علقتني بحُبي وعزيزتي، وسمحتُ لك بأخذها على مضض حين فعلتِ، مؤمنًا بأن الأقدار بيد الحكيم المقتدر.

وحين وددت الإنغلاق والوجوم عما يحدث لي..، رسمتي نقوشًا جديدة مفادها الوحدة والإنعزال...حرمت نفسي من كل ملذاتك المُغلفة، فما خلف القماش التي تزيني بها تلك اللذات شفرات تجرح ولا يدوي تلك الجروح الزمن.  

ولكن ماذا؟ أعطيتني أملًا جديدًا، يُشبهني...أعطيتني ماثياس وكان سكير شديد الذكاء.

ولكنك أخذته أيضا، سلبتِ مني ماثياس.

قبل يومين من الآن، كان من المفترض أن ألقاه يتكئ بظهره على الكرسي ويجلس في الطاولة التي تقبع في زاوية المقهى..متمسك بزجاجة خمر وكأنها بصيص أمله للإستمرار في الحياة، وهو باح لي ذلك بنفسه!

قال بأنه مخمورٌ كل يوم وهو يتعمد ذلك، حتى أنه لا يفرق بين الطبيعي والخيالي لشدة سكره، لكن لم يؤذي أحدًا، كان هادئًا ولا يسهب في الحديث..حتى سلامنا كان صمتًا، حديثنا كان الوجوم لساعات...لأننا يائسين..وبشدة، فلم نحاول التغير إلا في أواخر أيامه لكنه لم يستمر بذلك.

عوضًا عن ذلك كتب لي رسالة وغادر..

فلهذا سأرد على الوثير  بما سيُشابه كلامه القبيح الذي خطه على الورق مُرتعِشًا..


- عزيزي الجبان والوغد ماثياس.

 أذكر أول مرة رأيتك فيها، كنت تشبهني..رجلًا بائس، يشرب حتى شدة السكر ... بمقلتان تلتهم كل من يمر أمامها..لا يعجبك شيء، تكره عيش حياتك..

تتوق للذة الموت...لكنك تخاف وترتجف حين يأتيك.
كنت ترفض في داخلك فكرة ان تموت هكذا.. لقد أخبرتني بذلك.

لكنك قتلت نفسك بطريقة بشعة، ومؤذية.

أكرهك.
أكرهك.
أكرهك.
أكرهك وكل مافيك،
أكره جبنك..
أكره إستسلامك..
أكره تسليمك نفسُكَ القذِرَة ليأسِّك..
أكره رؤية وجهك المقيت...

الذي دُنَس ورحل.


اشتقت إليك، لما لا تجب على رسائلي؟

وعدتني بكأسٍ على حسابك، أين أنت؟

أنا وحيدٌ بدونك.
تنهشني ديدان الوحدة.

والذنب ينخر عظامي المتراخية.

نمْ بسلام.
دينالسي. صديقك الذي سيفي بوعوده لأجلك، وسيموت معك لأجلك.

جوزا أرجوك لا تُخبر أحدًا بما سيحدث، اخرس ولو مرةً واحدة..أُريد راحتي 

أعلم بأنك حقير وستفتش في أغراضي حين لا أكون متواجدًا في الجوار، لكن أرجوك إبقي هذا اللسان الأعوج معوجًا ولا تتحدث ولو كان على طرف لسانك..

___________________

السطور الأخيرة كانت حروفا متباعدة وغليظة خطتها أناملٌ ترتجف، غريبٌ أنت أيها الغوغائي..هل تهذي بكلامٍ لست قده؟ فما بعد ان رشقت بكلماتك التي تستقوى بها.

في حين بدت السطور الأولى تُحاكي مُمسك الرسالة، لكن الكلمات التي خطها الرجل...كان يُخاطبُ بها نفسه.. 

نوادسُ: النادس مِن الرِماح، الطاعن.

قَشْمَرْ: الانسان ذي المدارك المتواضعة الساذجة

شدخ: اقسم او كسر

 عُرّةٍ: القذر، الفضيحة


______________

هل كانت بداية مُشرفة؟ أكانت بروعة ماتتصور؟ 

أم أنها تفتقر لشيءٍ ما؟

دينالسي دوتافيك. Denalci Dutavic.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن