الخالة المدعية

14 2 3
                                    



جلست السيدة "بتلة" على مقعد المائدة بعد أن قدمه لها السيد العمدة، ثم انبرت شارحةً:

لقد تفشى مرضٌ غريبٌ، وغامضٌ في جميع سواحل البحر الأبيض.. خشي جداكم من الإصابة بالعدوى؛ فقررا الفرار عبر السفن الموبوؤة أصلًا بهذا المرض؛ فالتقطا -وللأسف- هذه العدوى المقلقة.. وكان والدكم قد صعد إلى سطح السفينة؛ للاطمئنان عليهما مخالفًا بذلك تعليمات الربان، فأُدخل توًا إلى محجر الميناء بمجرد نزوله من السفينة، وبسبب إصرار والدتكم على لقائه، فقد غامرت بدخول ذلك المحجر ، ولن تتمكن من مغادرته حاليًا قبل مضي الأربعين يومًا المقررة من قبل السلطات. لقد أرسلتْ لي هذه البرقية؛ لأنني القريبة الوحيدة لها على قيد الحياة.

ثم تفرست في وجوه الجيران الملتفين حولها سائلة:

- أين هو العمدة؟ فنحن لدينا مشكلة هنا؟

- تقدم السيد العمدة إليها معرفًا عن نفسه.

-في عهدة من سنضع هذا الصبي؟ قالت مشيرةً إلى "كافور": لأن البرقية كانت واضحةً؛ فأنا سآخذ الفتاتين فقط.

- وماذا عن الصبي؟

- إن والدته لم تخبرني شيئًا بشأنه.

تدخلت إحدى الجارات معترضة: هل يعقل أن تتذكر الفتيات، وتنسى طفلها؟.. إن السيدة "سنديان" يستحيل أن تفعلها.

أحاط "كافور" بشقيقتيه مدافعًا: أنت لست خالتنا.

التفتت الخالة المزيفة للجميع شارحة: أنا، وزوجي لدينا ثلاثة أبناء، ولسنا في حاجةٍ إلى صبيٍ آخر. قالت مشيرةً إلى "كافور": وقد تفهمتْ أمهم دوافعي.

- أرجوكم لا تدعوها تأخذهما. صاح "كافور" مستنجدًا.

قالت إحدى الجارات: نحن بإمكاننا أيضًا رعاية الأطفال الثلاثة دون تفرقتهم عن بعضهم البعض.

أومأت الجارات مؤكداتٍ على حديثها.

شعر العمدة بالحيرة مغمغمًا: ولكنها وصية السيدة "سنديان". قال ملوحًا بالبرقية في راحته، ثم التفت إلى "كافور":

- "كافور" يا بني.. ستظل في عهدتي إن شئت، أو في عهدة أيٍ من عماتك الموجودات هنا حتى يعود والديك بالسلامة.

- لن أسمح لها باختطاف شقيقتيّ.

كانت قوة "كافور" لا تكفي للتمسك بشقيقتيه عندما وضع الحمال الحقائب في العربة.. فيما تولى العمدة إركاب الفتاتين الباكيتين على عربة السيدة "بتلة" بجوار أمتعتهما، فيما تلوح "كيدا"، و"ليبا" له مستغيثتين، بينما ذراعا العمدة القويتان تقيدان حركته حتى اختفت عربة السيدة "بتلة" عن الأنظار.

ركض "كافور" خلفهما صائحًا: "كيدا".. "ليبا".

طلبت السيدة "بتلة" من السائس زيادة سرعة العربة؛ لمنعه من اللحاق بهم.

ركض لأميالٍ خلف العربة حتى كاد قلبه أن يتوقف، ثم سقط فاقدًا للوعي.. غير قادرٍ على مواصلة المسير . عندما استيقظ "كافور" وجد الظلام حالًّا، ولم يعرف بتاتًا أين يمكن أن يكون.


الضاحك على قدر الألمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن