الفصل الرابع

146 5 45
                                    

أَبْلَجَ فَلَقٌ الصبح الشاحب خال من بهاء الشمس لامعة، و ثَبُتَت الضباب متكردسة على السماء لُوندَرَس تبعث بريق الكآبة بين غيومها. تَكَدَّسَتِ الأنام و هي تنزل من السفينة إلى الرَّصَّة، حينها كان راؤول يتمشى بتريث بين الحشود بمعالم مكروبة شجية تكشف عما خاضه من متاهات داخل عقله، متاهات قد أتاهت فكره و شتت دهنه، لكن فور ما سمى بنظره إلى الأفق و على حين غفلة حتى إستبدلت محياه إلى معالم مبتهجة و أسارير مطلعه قد ٱنبسطت و مقلتيه ذابلتين قد ومضت بلمعان التهلل و الإنشراح و ثغره قد وسع وسعة فارح ببسمة مغتبطة

سار بهوادة عابرا الإزداحام دون أن يبطئ أو أن يسرع خطواته، و مع كل خطوة يتقدمها تتسع بسمته أكثر و أكثر

ضروب من الجذل و الطُوبَى قد عصفت بكيانه لتنغلق متاهات عقله الذي قادته في ليلته إلى الجنون من التفكير، و تنفتح أبواب الطرب و الإبتهاج على روحه تنبثقه من جحر أحزانه إلى فجوة أفراحه

توقفت خطاه و إنتصب بمكانه يطالع بتَوَقُّد و وهج الفتاة الذي كانت تقابله بملامح هادئة كهدوء الفجر الشاحب و بسمة هزؤ تتقمص ثغرها مصطبخ بلون نبيذي

خصلات شعرها حالكة كظلمة الليل قد كانت تتطاير بتناغم على نسمات العراء، بينما جسدها فتان كان يكسوه ثوبا أرجوانيا من أخمص قدميها إلى جيدها، و يديها تحتضن قبعتها أدعجة نقيضة بشرتها ناصعة البياض

و بالرغم من سكون معالمها و تهازؤ بسمتها إلا أن عيونها كحلية قد أفشت مسرتها و حبورها الذي أغمر قلبها

قهقهة قد فرت من جحر راؤول و هو يطلع على ملامحها يتأمل كل إنش يقبع على أديمها، و مرت هنيهات طويلة قد رَسَبَ بها الحبر جوف معالمها يناظرها بنظرات إشتياق و لهفة، و لم يدرك على نفسه حتى تقلصت بسمته إلى بسمة هادئة و أنامله تسير بتباطؤ و رَوِيَّة على مَلْمَحها، و كأنه رسام يتَبَصَّر لوحته مفضلة، سارت أصابعه من أعلى جبهتها إلى منتصف حنكها و أعينه هائمة بها، بدى كالمسجون يلتمس الحرية بعد سنين، علت شفتيه في إبتسامة طنز و هو يلمح السخرية في صورتها و النزعة و الحنين على مقلتيها متوقدة بسطوع

آنَسَ إليها و لم يفقه على ذاته إلا و هو يحاوطها بذراعيه محتضنا إياها بود و صبوة، و يديه تشد على خاصرتها و كأنه يود لو يدخلها بين أضلعه من شدة شوقه لها، مقبلا قمة رأسها بوَجْد و صبابة، بينما هي إكتفت بمبادلته عناقه مرخية رأسها على صدره بشوق و توق، و لبثوا معتكفين مكانهم حاضنين بعضهم بكل ما إجتاحهم من تلهف و إشتياق

و مرت هنيهات طويلة قد غاصوا في أحضان بعضهم غارقين في دفئهم، حتى مسك راؤول بكتفيها مبعدا إياها قليلا عن حضنه ناظرا لحسن مِنْوالها ثم نبس قائلا بخفوت و يُمناه تحتضن خذها «لقد أصبحت جميلة جدا، جميلة بشكل يخطف الأنفاس»

لأجليOù les histoires vivent. Découvrez maintenant