لم أكن أعرف أن فضولي الذي اتسم به وحبي الشديد للمغامرة سيحيلون حياتي انا واصدقائي إلى جحيم!
اسمي هاني وانا في الخامسة والعشرين من العمر، شاب شديد الفضول ويغمرني حب الاستكشاف، إذ لا أستطيع التراجع بمجرد أن اكتشف شيئاً جديداً حتى اتوغل في أصله وفصله!
بدأت كل شيء حين اتفقت مع رفاقي بالذهاب إلى إحدى مصايف بورسعيد للاستجمام ، وأقبل اليوم الذي كنا بانتظاره إذ سافرنا بالسيارة إلى وجهتنا...
وبينما كنت اقود كنا نمزح مع بعضنا وأبدى أحد الرفاق حماسًا غير مسبوق بهذه الرحلة فقلت ضاحكاً وانا انظر له من المرآة الأمامية:
_ مازن احنا رايحين بورسعيد، اومال لو رحنا مطروح كنت عملت ايه؟
فلوح مازن بيديه ممازحاً والابتسامة لا تفارقه، ناظراً إلى انعكاسي:
_ يا عم ان شاء الله نكون رايحين بور حزين ، المهم نغير جو
وانفجرنا ضحكاً وقد أخذنا المزاح حتى قطعنا مسافة لا بأس بها في شارع تحده الغابات الشاهقة الكثيفة من الجانبين، واستوعبت انني سلكت طريقاً خاطئاً بالفعل، وبينما أمرر عيني من حولي متأملاً، صرخنا بصوت واحد ودعست الفرامل بقوة إثر ظهور مفاجئ لرجل غريب في الطريق...
التقطنا انفاسنا وبالاخص انا، اذ ضاق صدري بشدة، ماذا لو دهسته؟
كان يدير ظهره لنا، مرتدياً جلابية رجالية رمادية غامقة، وتعلو رأسه عمامة بيضاء لفت بشكل عشوائي، استدار فجأة نحونا فارتعبنا من شكله وساد الصمت بيننا!
بشرة سمراء قاتمة، وعيون جاحظة زجاجية اصفر بياضها، وذقن افسده الشيب بدل ان يزينه، وقد تساقطت لحيته عند بعض المواضع!
تقدم باتجاهنا فأمسكت بالمقود استعداداً للإفلات منه في اية لحظة، لكنه تساءل بنبرة بدت متهالكة لا تتلائم ونظرته الثاقبة:
_ رايحين على فين يبني؟
أكاد اجزم انني سمعت اصدقائي يبتلعون خوفهم، فأجبته بثبات
_ رايحين بور سعيد، بس يظهر كده اني تهت، هي الطريق دي بتودي لفين؟
فوجدته يمرر بصره متفحصاً وجوه كل منا حتى نهرني وقد استحالت نبرته للعدائية
_ لف وارجع من مكان ما جيت، الي في آخر السكة دي أورانيج، وانا منصحكش تكمل، لو دخلت مش هتعرف تخرج يبني!
شكرته وأبديت له عزمي على التراجع إذ أعدت السيارة للوراء قليلاً، وغادر العجوز متوغلاً بين الأشجار حتى اختفى من مساحة رؤيتي تماماً
فنبست بإسم ( أورانيج ) وقد ازدان وجهي بابتسامة ماكرة فهمها مازن الذي رأى انعكاسها في المرآة قائلاً بحذر
_ هاني، أنا فاهم كويس اللي بيدور في دماغك، إرجع بينا حالاً!
نظرت إليه وقد اكتسى الحماس حدقتي وقلت
_ يا جماعة، وجهتنا ما بقتش بورسعيد، بقت أورانيج!
ولا أصف لكم أمارات الاعتراض وهتافات الحث على التراجع، وسحنتهم التي انقلبت من السعادة للخوف، لكن قلبي كان ثابتاً لا يتزعزع عن موقفه....
وبعد حوالي ربع ساعة من المشادات الكلامية بيننا، استطعت اخماد نارهم واقناعهم بالعدول عن الاسترخاء الذي لا طائل منه في مصيف ما، والخوض في هذه المغامرة، او على الاقل بالنسبة لي هي كذلك، فعيني مازن ما زالت تتفرس في ملامحي بحثاً عن نقطة تراجع...ولكن هيهات!
وفي النهاية رمى ظهره على الكرسي ولم يعبأ بما سنقرر، وقد رأى التأييد من الأغلبية ضده، وانطلقت أخيراً أسير في الطريق،
ولم تمر سوى دقائق حتى اظلمت الدنيا فجأة، وكأن الليل قد حل قبل أوانه، إذ أن الساعة لا تزال حوالي الثانية ظهراً!!!
وبعد عشرين دقيقة، أوقفني الذهول أمام بوابة حديدية عملاقة وكأنها مدخل قصرٍ ضخم، والبدر يبرز من خلفها ساطعاً في وجوهنا....
ما حثنا جميعاً على النزول من السيارة هي الدهشة والفضول، وما ألجم أقدام رفاقي عن السير خطوة بعد هو صوت عواء الذئب من مسافة بعيدة جداً، تبعه صوت زئير خافت لما ظننت أنه أسد!
إلا أن قلبي لم يتردد للحظة واحدة للتقدم باتجاه البوابة ودفعها قليلاً حتى فتحت، فنظرت إلى أصدقائي الذين تجمدت سيقانهم ووجوههم من هذا المنظر العجيب....
_ يا جماعة...هتسيبوني ادخل لوحدي؟
انزلت ابصارهم من البدر إلى وجهي المتسائل فاندفعت فيهم رغبة كما هي رغبتي بالدخول إلى هنا....
سرنا بخطوات بطيئة، مترددة، خائفة، ثابتة، متوترة ، كل واحد منا حسب وتيرة نبض قلبه....
وفجأة جمدت عروقنا جملة قالها أحدهم بصوت، كان صداه جهوري وثقيل وعميق، جعلتنا نلتفت فوراً إليه_ خطت أقدامكم أرض أورانيج، فتحملوا أعباء النتيجة الوخيمة!
أجبرتنا الكلمات والصوت على الالتفات فوجدنا أنفسنا بمواجهة عدد لا بأس به من البشر الذين يرتدون عبائات غامقة وتعلو رؤوسهم قلنسوات قد أخفت وجوههم المظلمة بالكامل، وعندها أدركت أننا وقعنا في فخ عظيم!
.
.
.
يتبع
إعادة كتابة/أزل الكوردي
أنت تقرأ
أورانيج
Kinh dịيا ترا هتعمل إي لو انتَ شاب فضولي جداً و مغامر و شجاع ، بس شجاعتك هتوديك في ستين داهية ، يا ترا هتعمل إي لما تكون تورط في جحيم أبدي ...مش هتتخلص منه أبداً، خايف من الموت ، بيقرب ليك خطوة بخطوة ، و كل خطوة بيمشيها ، موتنا قرب ، يا ترا هتعمل إي لما...