اليواقيت الخمس

560 58 58
                                    

انتصبت اجسادنا المجمدة من رهبة الموقف، وبالتزامن مع بعضهم رفعوا القلنسوة عن رؤوسهم، فظهرت أشكالهم، وهنا أحسست بأن قلبي قد تعب من النبض حرفياً، واقسم انني سمعت صوت اصطكاك اسنان اصدقائي!

وجوههم بيضاء تماماً كمن أصيب بمرض البهاق، وشعرهم ابيض ناصع...
وما دس الرعب في أوصالنا هو عيونهم التي أحيط ببياضها هالة زرقاء وكانت بلا عدسات او بؤبؤ!!

اقترب أحدهم منا وقال بصوت ذو نبرة ثابتة لا يمكن سبر غورها:

_ من يقرب أرضنا ، يتمنى الموت ولا يجده!، أو ينفذ ما سنمليه عليه.

وفي زوبعة الخوف والقشعريرة، استطاع عقلي ان يتسائل " كيف لنا أن نفهم لغتهم هكذا ويفهمون لغتنا، رغم أنهم لا يتحدثون العربية أصلاً كما نفعل؟! "

لكن بطبيعة الحال، لساني معقود كلياً ليسأل الآن، فعقبت قوله بتلعثم:

_ وبما.....تأمرون؟

انتظروا للحظات ثم التفت أحدهم إلى من بدا لي أنه حاكمهم، فنطق بصوت ثقيل صداح هادئ النبرة، لكنه بالتأكيد ليس لطيفاً! :

_ اليواقيت الخمس، بحوزة شينيارا، أريدهم، اختاروا بأنفسكم، الموت أو إحضارهم!

ولحظتها سألتهم عمن يكون صاحب هذا الاسم الغريب، ولم أجد الوقت الكافي لسماع الجواب، فقد اقترب الجماعة منا ولحظتها سمعت همس عدي :

_ منك لله يا هاني!

وأحاطوا بنا من كل جانب ثم وضع حاكمهم زنبقة سوداء أمام أعيننا ولم نشعر بعدها سوى أننا استيقظنا في مكان مجهول.
شعرت بثقل شديد في رأسي وبألم لا يحتمل كما الحال مع الرفاق،

تسائلت عن مكاننا فسمعت رداً غاضباً وخائفًا من عدي:

_ وبتسأل كمان؟، بسببك هنروح في داهية، هنموت كلنا، ياريتنا ما سمعنا كلامك!

واستوعبت اننا لم نعد في أورانيج، نظرت خلفي فرأيت فاصلاً كبيراً بين المكان الذي نحن فيه وأورانيج، ما نجلس فيه نحن مقيدين، هو مكان ممتلئ بالضباب الدموي، وعندها حاولت الفكاك من قيودي والعبور للعودة إلى أورانيج لكن ضعفي والقوى التي تقيدني لم تسعفني في ذلك.

بحياتي لم أخش شيئاً، ولطالما عشقت المغامرات، لكن هذه ليست مغامرة، لم تعد كذلك، بل صارت كابوسًا يرعبني ويدب الخوف في أحشائي، فأحسست بانقباض شديد في معدتي التي هضمت كل شيء مرة واحدة!

وانا في بؤرة افكاري، انتشلني منها مازن الذي كان يجلس في ركن ما ويرشقني بنظرات امتزج بها اللوم والغضب كما هي نبرته حين قال:

_ عاجبك اللي احنا فيه ده؟، يارب تكون ارتحت انك وقعتنا كلنا بفخ عشان ترضي فضولك اللي مبيشبعش!

كدت أن اجيبه واندثرت هذه الشحنة بفعل باسم الذي قال:

_ مش وقته الكلام ده، احنا لازم نفكر هنعمل ايه معاهم عشان نخرج من الورطة دي.

وأخرسني ثباته بينما كان جالساً بيننا ويحيط ذراعيه بركبتيه المثنيتين، بدت عيناه غامضتان فيما يرمق بهما الأرض، وأدركت حينها أنه الأكثر ثباتـًا بيننا فعليـًا....

فجأة صدح صوت غليظ يخبرنا بمهمتنا قائلاً بهدوء وثبات:

_ أنتم الآن داخل أحلامكم، في اورانيج، مهمتكم إيجاد اليواقيت الخمس، كل ياقوتة لها وجهتها، واحذروا ان يمسك بكم شينيارا، وإلا سيموت في واقعه أيضاً، كلما وجدتم واحدة عليكم بلمسها، وآخر شخص منكم يلمسها، سيقتل في حلمه ويدخل في غيبوبة في واقعه.
اول وجهة لكم، هي المشرحة، الوقت ليس حليفكم.

نهضنا ونحن نتبادل النظرات الغير مفهومة، وفجأة صرخ باسم:

_ وراكم!

والتفتنا لحظتها حين رأينا رجلاً بقرون طويلة جداً، ومخيف لدرجة أنني نسيت شكله في نفس اللحظة التي استدرنا فيها لنهرب من ملاحقته لنا مرتعبين، وكلما التفت للخلف وجدته اسرع واقرب منا، لأول مرة ارتعب لهذا الحد، واظلمت الدنيا فجأة حتى اصطدم مازن بشجرة ما بقوة أوقعته منهكاً، ولم أكن استطيع تركه، وانا ما بين اللحاق بطوق النجاة او الموت هنا مع مازن!
.
.
.
اعادة كتابة: أزل الكوردي

يتبع

أورانيجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن