الفصل الثاني 🇵🇸❤️

21 5 0
                                    

مــوطــنــي، مــوطــنــي
الجـلال والجـمال والســناء والبهاء
فـــي ربــاك، فــي ربـــاك
والحـياة والنـجاة والهـناء والرجـاء
فــي هـــواك، فــي هـــواك
هـــــل أراك، هـــــل أراك
سالما مـنعما و غانما مكرما
سالما منعما و غانما مكرما
هـــــل أراك فـي عـــلاك
تبـلـغ السـمـاك، تبـلـغ السـماك
مــوطــنــي، مــوطــنــي
_____________________________________________
عندما عدنا إلى غزة بعد فترة العلاج الطويلة في مصر، كانت شوارع المدينة ما زالت تعاني من آثار الدمار، وكان المشهد كئيبًا ومؤلمًا، لكننا وجدنا أنفسنا أمام فرصة جديدة للبدء من جديد. أقدارنا قادتنا إلى معلم طيب القلب يدعى حسن، والذي  استضافنا في منزله مع أولاده الثلاثة.

الأستاذ حسن كان رجلًا متقدمًا في العمر، ذو وجه ظاهره الجد والحزم وباطنه الطيبة والحنان.
كانت زوجته معلمة بمدرسة في الجوار ولكنها قتلت منذ زمن بعيد على يد الإحتلال.. عندما شنوا هجمة على تلك المدرسة، كانت آلامنا تتشابه.. فـوالله ما ترك الاحتلال قلبًا إلا وترك فيه جرحًا نازفًا

كان لديه ثلاثة أبناء، كل واحد منهم يمثل جزءًا مختلفًا من هذه العائلة الجميلة. عمر، الابن الأكبر، كان في السابعة عشرة من عمره. كان يتميز بالحكمة ورجاحة العقل، وكان دائمًا يحاول أن يكون مصدر قوة وإلهام لنا. كان يعاملنا كأخوة صغار له، ويُحيطنا بكل العناية والاهتمام.

ريان، الابن الأوسط، كان في الرابعة عشرة من عمره. كان يتسم بالذكاء، ولكنه كان أيضًا هادئًا ومائلًا للتأمل. كان شغوفًا بكل ما يتعلق بالعلم، وكان يحب تبادل الأفكار حول كل شيء ... كان يشاركنا دائمًا رؤيته عن مستقبل أفضل، وكان يحمل في داخله طموحات كبيرة.

أما علي، الأصغر بين الأبناء، فكان في العاشرة من عمره. كان مليئًا بالحيوية والطاقة، وكان يملأ البيت بالضحك والحيوية. كان دائمًا يبحث عن طرق لإسعادنا، وكان يلعب معنا ويشاركنا في كل ما نفعله.

استاذ حسن لم يكتفِ فقط بتوفير مأوى لنا، بل كان أيضًا مربيًا حكيمًا. كان يؤمن أن التعليم هو مفتاح النهوض، وبدأ يعلّمنا بأقصى ما يستطيع. كان يعلمنا اللغة العربية، ليس فقط لتسريع تعلمنا، بل لنعيد الاتصال بجذورنا وللحفاظ على هويتنا العربية.

كانت الدروس التي نتلقاها من المعلم ليست مجرد مواد دراسية، بل كانت دروسًا في الحياة. كان يقضي الوقت معنا في القراءة، ويشجعنا على اكتشاف عالم الكتب والثقافة.

كل صباح، كنا نبدأ اليوم بدرس جديد، وكان يتناول كل موضوع بعمق، ويشاركنا معرفته وحكمته. تعلمنا كتابة قصصنا الخاصة، وكان يشجعنا على التعبير عن أنفسنا من خلال الكلمات.

أول كلمة قرأناها أنا وروح كانت "فلسطين".كانت كلمة صغيرة، لكنها كانت تحمل معها مشاعر كبيرة، ذكرى للأرض التي نعيش عليها في ونفقدها في آن واحد، وللأمل في العودة إليها يومًا ما. كانت تلك الكلمة تعيد لنا الإحساس بالانتماء، وتذكرنا بما كنا نكافح من أجله.

المعلم لم يكن فقط يزرع فينا حب العلم، بل كان يزرع أيضًا قيم حب الوطن. كان يعلمنا أن الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو جزء من هويتنا ووجودنا. كان يروي لنا قصصًا عن فلسطين، عن الأبطال الذين قاوموا من أجل الحرية، وكيف أن الحب والاعتزاز بالوطن يمكن أن يكونا منبعين للقوة والإلهام. كان يؤكد لنا أن النضال من أجل الوطن لا يفنى مهما طالت الحرب ومهما مرت السنوات، وأن كل جهد نقوم به يعزز من قيمة وطننا.

بدأنا نشعر بالانتماء إلى عائلة الأستاذ حسن، وكانت الروابط التي نشأت بيننا قوية. أصبحنا نرى في عمر، ريان وعلي أكثر من مجرد أصدقاء؛ كانوا أشقاء لنا في رحلة جديدة. كانوا يشكلون جزءًا مهمًا من حياتنا، وكانت العلاقات التي بنيناها معهم تمنحنا القوة والإلهام في مواجهة التحديات.

خلال السنوات الخمس التالية، استمرت حياتنا في منزل المعلم مع أولاده الثلاثة، وبدأت كل لحظة من تلك الفترة تشكل جزءًا من قصتنا الجديدة. كانت تلك السنوات مليئة بالتحولات، والآمال، والأحلام.

كانت الأيام تتوالى، وكل يوم جديد كان يحمل معه فرصة جديدة للنمو والتعلم. كنا نعيش تحت سقف واحد، وتعلمنا كيف نتشارك الحياة بكل تفاصيلها، من الأوقات الصعبة إلى اللحظات السعيدة. أصبحنا جزءًا من العائلة الكبيرة، وكانت الروابط التي تجمعنا بها أقوى من أي وقت مضى.

ليصبح العام هو العام ٢٠٣٠
تغيرت أحوالنا كثيرًا ...
عمر، الذي كان في السابعة عشرة عندما التقينا به، أصبح الآن في الثانية والعشرين. نضج ليصبح شابًا متألقًا، يسعى لتحقيق طموحاته. لقد عمل بجد ليواصل تعليمه، وبدأ يخطط لمستقبله بشكل جاد. كان دائمًا يسعى لدعم عائلته الجديدة، ويشاركنا نصائحه وتوجيهاته، ويلعب دور الأخ الكبير الذي يرشدنا ويعزز قوتنا.

ريان، الذي كان في الرابعة عشرة، أصبح الآن في التاسعة عشرة. استمر في تطوير اهتماماته الأكاديمية، وركز على دراسة العلوم والرياضيات بشغف. كان دائمًا يشاركنا أفكاره وطموحاته، وقد أصبح لديه مشاريع بحثية صغيرة يقدمها بانتظام. شغفه بالتعلم كان مصدر إلهام لنا جميعًا.

أما علي، الأصغر بين الأبناء، فقد أصبح في الخامسة عشرة من عمره. نضج ليصبح شابًا مليئًا بالحيوية والإبداع. كان دائمًا يشارك في الأنشطة الاجتماعية، ويحب أن يكون جزءًا من المشاريع المجتمعية.

أما أنا، فكنت أبلغ حينها عشرين عام ... وروح، فكانت تبلغ حينها ستة عشر عام .
كنا نتعلم وننمو على مدار السنوات، أصبحنا نتحلى بالقوة والشجاعة التي تعلمناها من المعلم وعائلته. كنا نواصل دراستنا، ونتعلم كل يوم شيئًا جديدًا. كانت أيامنا مليئة بالعمل والجد والاجتهاد، ولكنها كانت أيضًا مليئة بالفرح والحب.

في تلك الفترة، أصبحت القراءة جزءًا أساسيًا من حياتنا. كنا نقرأ الكتب التي كان يختارها لنا استاذ حسن، ونتحدث عن مواضيعها ونناقش الأفكار التي تحتويها.

تعلمنا عن فلسطين وتاريخها، عن الأبطال والشهداء، وازداد ارتباطنا بالوطن الذي فقدناه.

خلال تلك السنوات، كنا نشعر بأننا قد وجدنا مكاننا في العالم، وأننا أصبحنا جزءًا من قصة أكبر. تعلمنا أن الحياة لا بد أن تستمر...

وأثــمر الزيـــتونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن