المشهد الثالث

54 3 0
                                    



تخطو بحذر نحو بوابة الجريدة وهي تنسج في عقلها ألف سيناريو لينقذها من لسان فكري ترهلات الذي مؤكد سيسلخ جلدها عن لحمها بعد غيابها دون إذن وعدم ردها على الهاتف اللعين ..
يا الله ، لقد انقلبت حياتها رأسًا على عقب منذ أن طالتها تلك الفضيحة التي ربطت اسمها باسمه !
لم يفلح أي حدث آخر في زحزحة اسمها عن المواقع والصحف ولم تتوقف طلبات الصداقة عن الانهمار عليها وحتى عدد متابعيها أصبح مرعب في وقت قياسي ..
تنهدت ثم شدت جسدها بصلابة مفاجئة حينما رآها الاستاذ فكري عِرضًا وتحرك نحوها واستعدت نفسيًا لتلقي التوبيخ اليومي لترفع أحد حاجبيها وتضيق عينيها بنظرة حذرة حينما رأت ابتسامة عريضة تعلو محياه لتتسع عيناها بصدمة حينما هتف بترحيب :
" ألف حمد لله على السلامة ، أشرقت الانوار "
بحركة عفوية التفتت حسناء برأسها للوراء تتأكد من وجود آخر خلفها يرحب به فكري ترهلات لتعود بأنظارها نحوه وهو الذي استطرد بحرارة وكأنه ممسوس :
" الأستاذة حسناء ظهرت أخيرًا يا شباب ، قلقتينا عليكي يا استاذة "
رمشت حسناء عدة مرات ثم سألته بتعجب واضح :
" انت كويس يا استاذ فكري ؟! "
تجمع زملائها وفكري يضحك ضحكة مريبة تشبهه ثم يجيبها بتملق :
" طبعا كويس يا استاذة عشان شوفتك "
" يا راجل ! .. سبحانه "
خرجت كلماتها بشكل تلقائي لكن فكري اعتبر نفسه لم يسمع شيء ثم قال بابتسامة لا تنحسر ولو انشًا واحدًا :
" رئيس التحرير موصيني اوصلك له اول ما توصلي "
" رئيس التحرير عايزني انا ؟!! "
تسأله بذهول فيرد عليها ممازحًا وهو يصحبها بالفعل نحو مكتب رئيس التحرير :
" أمال هيعوزني انا يعني ؟!! "
ثم يعود ويغمغم بتملق صرف وهو يُدخلها إلى المكتب :
" نورتي يا استاذة والله "
فجأة وجدت حسناء نفسها أمام رئيس التحرير الذي لم يختلف ترحيبه بها كثيراً عن ترحيب الاستاذ فكري وإن كان بشكل أكثر وقارًا .. !
( سبحان الله ! .. دا انت عمرك ما بصيت في وش واحد فينا )
همهمت بها حسناء لنفسها بينما تصدّر كل ملامح التركيز على وجهها ورئيس التحرير يتمتم بابتسامة هادئة :
" واكيد انتي مش هتبخلي على بيتك بسبق زي ده "
" بيتي ! "
خرجت منها بعدم فهم حقيقي ليضحك رئيس التحرير قائلًا بعفوية شديدة ( الزيف ) :
" طبعا بيتك .. زي ما الجريدة بيتنا كلنا واحنا أسرة مع بعضنا "
( آه يا أسرة وا***** )
انقطعت السبة الشهيرة داخلها حينما دخل الاستاذ فكري بابتسامته التي يبدو أنها التصقت بشفتيه وهو يحمل بيده كأسًا من العصير لترفع حاجبيها بذهول ثم تقرر أن تلعب الدور الذي من الواضح أنه أصبح مقررًا عليها فوضعت ساقًا فوق الأخرى وخرجت حروفها بخيلاء وهي تأخذ كأس العصير من فكري دون النظر إليه :
" طبعا يا افندم الجريدة بيتي وانتوا عيلتي لكن اسمح لي .. موضوع زي ده انا مقدرش اخد فيه قرار لوحدي ، لازم استشير ابن بارمـ.... اقصد لازم استشير فهد الاول "
" هو أنتوا بتحبوا بعض بجد ؟!! "
خرج السؤال الفضولي من فم فكري وعيناه يمر بها طيف عدم تصديق لتعبس حسناء في وجهه ثم ترد عليه بعنجهية :
" طبعًا بنحب بعض مش بس كده دا احنا هنعلن خطوبتنا للعالم كله كمان كام يوم علشان محدش يتجرأ علينا تاني "
تدخل رئيس التحرير قائلًا بلهفة حاول التحكم بها :
" يبقى الإعلان ينطلق من عندنا "
التوت شفتيها ببؤس وهي تجيبه بحزن مصطنع :
" للأسف يا ريس فهد اتفق مع الصحفية سالي عادل وعملنا معاها الانترفيو الصبح "
انغلقت ملامح رئيس التحرير فأسرعت بالقول :
" لكن وعد مني هحاول أحدد ميعاد مع فهد علشان الجريدة هنا مخصوص "
لتنظر بعدها إلى فكري وتهمهم بسخرية خفية :
" دا انتوا اهلي "
ابتسم لها فكري بينما سألها رئيس التحرير :
" والخطوبة امتى إن شاء الله ؟؟ "
اتسعت ابتسامة حسناء ثم ردت بثقة :
" كمان كام يوم ، اول ما نثبت على يوم محدد هعزم الجريدة كلها "
ابتسم لها الرجلين بحبور فنهضت حسناء قائلة بهدوء ورزانة :
" بعد اذنكم .. اروح بقى اشوف شغلي "
أشار رئيس التحرير لفكري فهتف قائلًا بسعادة كبيرة وكأنه هو من ستتم خطبته :
" شغل ايه بس يا عروسة ؟! .. انتي تروّحي ترتاحي وتجهزي لخطوبتك وبعد الخطوبة ما تتم بأمر الله ابقي فكري في الشغل وتعبه "
اتسعت عينا حسناء بلهفة وسعادة مفرطة ثم سألته لتتأكد منه :
" اروّح ؟! "
" طبعا روّحي "
ضحكت حسناء وكأنها سجينة قد اُطلق سراحها ثم كررت بفرحة غامرة :
" بجد ؟!! "
ضحك لها فكري ضحكة لزجة ثم قال بتأييد :
" ايوه طبعا ارتاحي يا عروسة ومتنسيش بقى تأكدي علينا ميعاد الخطوبة "
التفتت له حسناء ثم غمغمت مرة أخرى قبل أن ترحل :
" انسى ايه بس يا استاذ فكري .. دا انتوا اهلي " 
__________________

( قبل حفل الخطبة بيومين )

" مش حلو لا "
رمقت حسناء فهد بطرف عينيها فتجاهلها بغطرسة أجبرتها أن تغمغم بغرور مضحك موجهة حديثها إلى المرأة التي تولت مهمة تحضيرها للحفل :
" بس عاجبني "
لتنظر إليها بعد ذلك وتستطرد بسماجة :
" هو ده "
" بس يا هانم ..... "
قاطعها صوت فهد الذي قال بابتسامة لبقة :
" بعد اذنك يا مدام بيري .. ممكن تسيبينا شويه ؟! "
اومأت المرأة بتهذيب تاركةً له مهمة إقناع خطيبته بما يرغب بعيدًا عن رأسها ..
أما حسناء فنظرت له بوجه ممتعض فتمتم فهد بهدوء :
" لفي "
" نعم يا اخويا ؟! "
اتبعت سؤالها بحاجب مرتفع بشراسة فاحتدت نظرات فهد قائلًا بعدوانية :
" وطي صوتك ونزلي حاجبك واحترمي نفسك ولفي زي ما بقول "
لم تهتز حسناء وبقيت على وقفتها فصعد فهد يقف جوارها على الدرجة الخشبية المستديرة ثم شد قماش الفستان من على الجانبين فيما يقول بقرف :
" الفستان اخضر ومبين كرشك .. بصي "
تلقائيًا شفطت بطنها للداخل ونظراتها المقابلة له في المرآة تكفلت بالرد عليه ليترك فهد الفستان قائلًا بأمر لا نقاش فيه :
" البسي فستان سهره اسود "
ليتبع حديثه بخبث مقصود :
" الاسود بيلم "
" يلموك من كل سجن شوية "
تمتمت بها حسناء بصوت مسموع فنظر لها فهد وقال بسخرية مغيظًا إياها أكثر :
" انا وانتي في يوم واحد يا حسناء الربيع .. يلا روحي اختاري واحد تاني وانجزي ، انا مش فاضيلك "
هتفت به من بين اسنانها بنبرة خافتة حتى لا يصل الصوت للآخرين :
" والله محدش طلب منك تفرض نفسك عليا وانا بختار الفستان "
رمقها فهد من الأسفل للأعلى ثم أجابها بنفس الطريقة :
" مش من حبي فيكي يا اختي ، كل الحكاية إن انا مضمنكيش .. خصوصا أن ذوقك في اللبس العادي مش مبشر ، كان لازم اجي معاكي "
كادت أن تجيبه بما يستحق لكنه دعى بيري مرة أخرى قائلًا بلطف بالغ :
" هنتعبك معانا يا مدام ، شوفي موديل تاني "
وكأن المرأة كانت مدركة لكونه سيقنعها أشارت لإحدى العاملات والتي أتت تحمل بعض الاثواب الأخرى ثم قالت بابتسامة عملية :
" انا فعلا جهزت كولكشن فساتين هيعجبوها اوي ، اتفضلي يا حسناء هانم علشان تختاري اللي يعجبك "
تبعتها حسناء بتأفف بينما أخرج فهد هاتفه ينظر إلى آخر الأخبار فوجد نفسه لا يزال محتلًا كافة العناوين الرئيسية وخبر خطبته المرتقب في كل مكان
لوى شفتيه بامتعاض ثم تفحص بريده فوجد عدة رسائل من زيزي تهدده فيها بفضحه كما العادة فقام بحظرها ليرفع عينيه بشكل تلقائي حينما خرجت حسناء وقد ارتدت الثوب الآخر ..
للحظة واحدة فقط ثبتت عيناه عليها ثم عاد من جديد إلى هاتفه بتركيز أكبر ليجبر نفسه على الانتباه حينما غمغمت بيري بحبور :
" ده تحفه عليكي ، كأنه اتعمل مخصوص علشانك ولا ايه رأيك يا فهد بيه ؟!! "
نهض فهد من مكانه قائلًا بنبرة تمثيلية :
" رأيي أن القمر نزل من السما وجاني "
ابتسمت له حسناء ورمشت عدة مرات فتمنى لو يلطمها على عينيها حتى تتوقف عن تلك الحركة الغبية بينما أشارت بيري لمساعدتها ثم خرجتا تاركين إياهم بمفردهم ليتمتم فهد وهو يدقق في الثوب الذي صدقت بيري حين قالت إنه صُمم لأجل تلك الحمقاء بلونه النبيذي الذي يضفي القًا مثاليًا على بشرتها ولم يتمالك نفسه فشاكسها مغمغمًا بمثل قديم كان يسمعه من جدته فيما مضى :
" حقيقي .. لبس البوصه تبقى عروسه "
فيأتيه الرد كالقذيفة في وجهه :
" عرسه لما تبقى تلدعك "
كتم فهد ضحكته وللمرة الأولى أعطى لنفسه الفرصة في تأمل ملامحها ..
عيونها السوداء واسعة واهدابها كثيفة وبشرتها بيضاء بحمرة خفيفة ..
أما جسدها فهو بحاجة إلى مدرب رياضة يُعيد ضبطه وتقسيمه !
إنها ممتلئة بعض الشيء وفي مناطق غير مستحبة
رفع عينيه نحو شعرها المجعد فهاله ما رأى ..
اقترب منها فهد بخطوات متمهلة مستغلًا انهماكها بتعديل الثوب على جسدها وعيناه تلمع بالفضول والترقب ثم مد يده داخل تلك المتاهة المسماة شعر وأخرج منها ....... قلمًا !
انتبهت له حسناء فهتفت وهي تزيحه عنها بعنف :
" انت بتعمل ايه في شعري ؟!! "
" ايه ده ؟!! "
نظرت حسناء الى ما بيده ثم اتسعت عيناها وقالت ببساطة وهي تأخذ منه القلم :
" ايه ده ؟!! .. ده انا عماله ادور عليه من الصبح ، هو شبك في شعري ؟!! "
نظر لها فهد مصعوقًا لكنه تمالك نفسه حتى لا يتسبب في فضيحة واكتفى بسخرية بسيطة :
" هو شعرك شبكة بتصطادي بيها ؟!! "
رمقته حسناء بابتسامة صفراء ثم بدأت تتلوى بضيق وهي تغمغم بصوت خافت :
" الفستان ده قافش عليا اوي "
كاد فهد أن يتحدث لكنها أكملت حديثها أحادي الجانب وهي تعود إلى غرفة تبديل الملابس :
" بس مش مهم .. اي حاجة خلينا نلحق نروح نتغدى قبل ما عديلة تفجرني "
هز رأسه بيأس ثم رن هاتفه فاستقبل المكالمة قائلًا بنبرة ساخرة :
" تحت امرك يا آسر باشا "
ضحك آسر بخفة ثم سأله :
" ايه الاخبار ؟؟! .. سترت معاك ولا فضحتونا ؟! "
لوى فهد شفتيه بنزق ثم رد عليه :
" ربنا سترها المرة دي وعدت على خير "
ضحك آسر ثم قال بشماتة :
" لا يا نجم ، عدت على خير دي تقولها لما ترجع one piece من عند حماتك "
قطب فهد ثم سأله بسخرية مترقبة :
" هي خطر ؟!! "
فيأتيه الرد الضاحك :
" شايف النسخة اللي معاك دي ؟! .. حاجة اقوى بقى و آه اوعى تتضرب في لسانك وتقولها يا هانم "
عبس فهد ثم سأله بجهل حقيقي :
" أمال اناديها اقولها ايه ؟!! "
" قولها يا حجة "
في تلك اللحظة خرجت حسناء من غرفة تبديل الملابس فنظر لها فهد بريبة وهو يتخيل النسخة الاقوى بينما عقله يُحضر نفسه ويستعد لملاقاة حماته ( الحجة ) .

____________

ضربات سريعة متتابعة على الباب جعلت عديلة تهرول بقلق بالغ وتفتحه بغير هدى لتنقلب ملامحها فور أن وقعت عيناها على ابنتها ثم تهدر بغضب :
" هو انتي ؟! .. منك لله وقعتي قلبي ، بتخبطي ليه يا اختي انتي مش معاكي مفتاح ؟!! "
أبعدتها حسناء عن الطريق ثم التفتت نحو فهد وقالت بتآمر مريب :
" يلا ادخل بسرعة قبل ما حد يتعرف عليك "
عبست عديلة للحظات ثم انتبهت إلى فهد الذي دلف إلى المنزل بسرعة وكأنه مُطارد ثم خلع القبعة والنظارة السوداء ثم تبعهم بقناع الوجه الذي كان يخفي ملامحه بالكامل فغمغمت بمزاح دون أن تنفرج ملامحها :
" هو عليه حُكم ؟! .. انت ملثم ليه ؟!! "
" مش وقته يا ماما "
هتفت بها حسناء بتأفف بينما ظل فهد على صمته مجبرًا نفسه على لعب دور المهذب رغم رغبته الشديدة في لكم تلك الغبية التي تتعامل معه على أنه فضيحة تمشي على قدمين فسألته عديلة وهي تنظر له بتفحص بينما تكتم ضحكتها :
" مالك يا ابني هو انت مش بتتكلم بره التلفزيون ولا ايه ؟!! "
رمقها فهد بترفع ثم قال بهدوء ساخر :
" لا يا طنط عندي لسان الحمد لله "
" واحد هانم والتاني طنط .. اسم الله على الرجالة "
تمتمت بها عديلة بخفوت ثم أشارت له نحو غرفة الاستقبال وقالت بتهذيب متأخر :
" اتفضل ارتاح اكيد السلم قطع نفسك "
أدخلته حسناء إلى الغرفة فرمق فهد المكان حوله بتفحص لتعلو ابتسامة خفيفة جدًا شفتيه حين وقعت عيناه على مفرش الأريكة المطرز وغمغم لنفسه بشرود :
" شبه كنبة جدتي الله يرحمها "
ترحمت عليها كلًا من حسناء وعديلة ليجلس فهد على المقعد البسيط فتسأله عديلة بلا مقدمات :
" بس انت شكلك غير ما بتطلع التلفزيون ليه ؟! "
خبئت حسناء وجهها بخجل بينما تطلع لها فهد بعدم فهم ظهر في سؤاله الحائر :
" قصدك ايه يا طنط ؟؟! "
" قولي يا حجة "
أومأ لها بطاعة متذكرًا نصيحة آسر فعقبت وهي تقيمه بعينيها بلا حرج :
" انت اقصر في الحقيقة واسمر كمان "
" الغدا على النار يا ماما "
تمتمت بها حسناء من بين اسنانها فتجاهلتها عديلة تمامًا ثم قالت بثرثرة مفاجئة وصراحة مفرطة :
" انت عارف انا اتفرجت على مسلسلك بتاع رمضان اللي عملت فيه دور ظابط .. كانت البت حسناء مش بترضى تتفرج معايا عليه وتقولي نهايته محروقة وفعلا طلع معاها حق .. يعني هو خلاص لازم البطل يبقى عم الشهيد في آخر حلقة ، بتتعبوا قلبنا وتخلونا نتفرج ونتابع ليه لما انتوا هتموتوا ف الآخر ؟! "
ارتفع حاجبي فهد مذهولًا من الشبه بينها وبين ابنتها ثم قال بابتسامة متكلفة :
" معلش يا حجة .. المخرج عايز كدة "
هزت رأسها بعدم رضا ثم انتفضت مرة واحدة فأجفلته ثم هرولت وهي تولول :
" يا مصيبتي الملوخية "
تابعها فهد بعينيه المتسعتين ليعود بانتباهه إلى حسناء حين ضحكت بيأس وعلقت ببساطة :
" معلش .. بكرة تتعود عليها "
لم يرد فهد بشيء وظل على تجهمه فزفرت حسناء بامتعاض لتمر عدة دقائق من الصمت قبل أن تهتف عديلة من المطبخ بصوت مرتفع :
" حضري السفرة يا حسناء "
نهضت حسناء وبدأت بتحضير المائدة ليلتف حولها ثلاثتهم فتغمغم عديلة وهي تنظر نحو فهد الذي كان ينظر إلى الطعام بريبة :
" مالك يا ابني ؟! .. انت متعرفش الاصناف دي ولا ايه ؟! .. شكلك من بتوع الموشي "
ضيق عينيه محاولًا استيعاب حديثها لتصحح لها حسناء ضاحكة بعفوية :
" اسمه سوشي يا ماما "
لوحت بكفها في الهواء بلا مبالاة وتمتمت بقرف :
" سوشي ولا موشي اهو كله تلوث ، لا وقال ايه بيقرفوا من الرنجة والفسيخ ما كله سمك ني ومعفن ... انت مش بتاكل ليه ؟! ..  انت قرفان ؟! "
ألقت عديلة سؤالها الاخير بجدية وملامح تشكلت بخطورة فتوتر فهد ومد يده نحو الطعام بسرعة فيما يقول :
" لا خالص .. انا بس كنت مركز مع حضرتك "
نظرت له ترفع حاجبها بعدم تصديق فقطع قطعة من الخبز ثم غمسها في طبق الملوخية بينما تهمهم عديلة مرة أخرى بخفوت شديد لكنه وصل له فزفر بقنوط :
" مركز مع حضرتي ايه هو انا بشرحلك درس فزياء ؟! "
لكن فور أن وضع اللقمة في فمه تبدلت ملامحه تمامًا وانفرجت ثم تبعها بأخرى وأخرى بتلذذ واضح لينتقل بعدها إلى الأرز ثم الدجاج ويتعامل كأنه في منزله تمامًا فنظرت له حسناء بطرف عينيها باستغراب ثم نظرت إلى امها التي كانت تتحكم في ضحكتها على شراهته الصادمة ليهتف فهد بفم ممتلئ :
" تسلم ايدك يا حجة ، الاكل ابداع "
" بالهنا والشفا على قلبك يا ابني "
ابتسم لها فهد وقد طار تعجرفه مع الرياح وعاد إلى طبيعته وعفويته ثم سألها بصوت متحمس :
" انتي عامله الرز بأيه ؟!! .. طعمه حلو اوي "
ضحكت عديلة وكأنها تلقت وسامًا ثم ردت عليه بفخر :
" السمن البلدي هو اللي بيخلي للأكل طعم وريحه "
اومأ فهد بتفهم واستحسان وبما أنه مدح عديلة وطعامها إذًا هو المفضل لديها من هذه اللحظة فلكزت ابنتها ثم امرتها بصرامة :
" قومي جهزي له الشاي لحد ما يخلص اكل "
اكفهرت ملامح حسناء ثم تمتمت بغضب خافت :
" ايه يا ماما انا باكل "
نظرت لها عديلة ثم قالت بلا تراجع :
" قلت جهزي الشاي .. الاكل مش هيطير "
تأففت حسناء بينما كان فهد ينظر لها بشماتة ثم نهضت وأوصلت سخان الماء لتعود بعدها وتجلس بغضب مكتوم في الوقت الذي كان أنهى فيه فهد طعامه تمامًا وعديلة تنظر له بسعادة وكأنه تحول إلى ابنها فقالت بمحبة بدأت تتولد تجاهه :
" مطرح ما يسري يمري "
ابتسم لها فهد وقد لمست قلبه بحنانها فرد عليها بوجه بشوش :
" الله يخليكي يا حجة .. تسلم ايدك "
رمقت حسناء الانسجام الذي بدأ يتولد بينهما بقرف وهي تهمهم داخلها بامتعاض ..
( اهو اكل عقلها بكلمتين ابن بارم ديله ! )
____________

( يوم الخطبة )

" ابعت حد يشوف لنا الست فاتنة المجرة خلصت ولا لسه ... الناس على وصول "
تمتم بها فهد بضيق وهو ينظر في ساعته ثم نظر إلى آسر مستطردًا بغل :
" انت اللي اصريت إنها تجهز عندي هنا في الفيلا .. خلاص الأماكن خلصت ! "
عدل آسر ياقته قائلًا بصبر :
" يعني بذكائك كده كانت هتعرف تجهز نفسها لوحدها في البيت ! .. انا هقولك كام مرة انها لازم تبقى تحت عينينا طول الوقت "
زفر فهد بثقل ثم كتف ذراعيه بوجه عابس انفرج قليلًا حين ظهر صوت عديلة الساخر :
" في عريس يبقى مبوز كده يوم خطوبته ؟!! .. دا انت ولا اللي بيقول الحقوني انا مغصوب "
عقب آسر على حديثها وهو ينظر لصاحبه :
" قولي له يا طنط "
لوحت عديلة بكفها في الهواء ثم قالت بصوت حانق وكأنهما ولديها :
" خليك انت في قميصك اللي بقالك ساعة بتعدل في ياقته .. وبعدين قلت لكم ١٠٠ مرة انا حجة مش طنط ولا هانم "
كتم فهد ضحكته على وجه صاحبه المصدوم من معاملة عديلة له حيث أنه وللمرة الأولى لا تستلطفه احداهن ولا حتى تتأثر بتهذيبه فقرر أن يصطاد بالماء العكر وهو يغمغم بتملق مفرط :
" انتي ست الكل يا حجة ، متشغليش بالك بيه "
ابتسمت له عديلة ثم اقتربت تعدل له رابطة عنقه بأمومة فيما توبخ آسر من جديد لكن بصوت خافت :
" واقف يعدل في ياقته ولا كأنه صاحب الفرح وسايب العريس بكراڤت معووجة "
صدرت ضحكة مكتومة من فهد بينما اقتربت منه عديلة وهمهمت بتحذير جعل عيناه تدمع من الضحك المكتوم :
" خلي بالك ، لا أخينا ده ياكل منك الجو وهو اسمر وحليوه كده "
هز فهد رأسه بطاعة ولم يتمالك نفسه فشاكسها وكأنه يعرفها منذ الأزل :
" والله ما حد حليوه وهياكل الجو مننا كلنا غيرك "
ضحكت عديلة بسعادة حقيقية ثم قالت بعفوية كارثية :
" دمك خفيف في الحقيقة ، متمثلش تاني بقى .. بيطلعوك معقد "
تعالت ضحكة فهد ثم بسط كفيه قائلًا بمسكنة :
" اكل عيشي يا حجة "
عوجت عديلة شفتيها بضيق انفرج تدريجيًا حينما دوى صوت كعب حذاء حسناء على الدرج فارتفعت رؤوسهم جميعًا بشكل تلقائي ثم يلمع الاعجاب والذهول في الأعين من الكائن المغاير لما يعرفون .. !
" مين دي ؟!! "
تمتمت بها عديلة وهي تحملق في ابنتها من الاسفل الى الاعلى دون تصديق ..
حذاء اسود لامع وثوب نبيتي ضيق قليلًا لكنه لا يناسب غيرها وزينة وجه متقنة وشعر ....
" عرفوا يفردولك شعرك !! "
خرج السؤال تلقائيًا من امها فعبست حسناء بحرج لكن عديلة كانت في عالم اخر فتلمست شعرها الذي جمعوه لها في ربطة أسفل رأسها بشكل أنيق بينما تركوا لها خصلتين كثيفتين حول وجهها فبدت شديدة الاغراء شديدة الحُسن ..
رمقها آسر بعينين دافئتين للحظات قبل أن يُنزل عينيه بتهذيب ثم ينظر إلى فهد ليعبس وهو يرى ذلك البريق في عينيه ..
اللعنة لقد ايقظت حسناء الجديدة روح كازانوفا التي تسكنه !
صيد جديد ، مغامرة جديدة ... وفضيحة جديدة
" فهد "
صرخ بها آسر بشكل مفاجئ فانتفض الواقفين جميعًا لتهتف به عديلة التي كاد قلبها أن يتوقف من الرعب :
" بسم الله الرحمن الرحيم .. بتصرخ كده ليه انت عليك عفريت ؟! "
تجاهلها آسر تمامًا ثم سحب صاحبه غير المستوعب لما يدور بعنف وأخرجه إلى الحديقة بسرعة فائقة بينما تنظر لهما كلًا من حسناء ووالدتها بتعجب وعبوس .
________

نهاية المشهد الثالث

فصول العشق الأربعة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن