المشهد الرابع

53 2 0
                                    


خرج آسر إلى الحديقة التي تم إعدادها للحفل ساحبًا وراءه فهد الذي شد ذراعه منه بحسم ثم قال بصوت ساخر :
" في إيه يا عمنا قافشني قفشه المخبرين دي ليه ؟! "
رمقه آسر من الأسفل إلى الأعلى ثم قال بصوت جاد :
" اسمع يا فهد .. اللي إحنا فيه ده فيلم مش حقيقة "
" لا يا شيخ ! "
هدر به آسر ردًا على استخفافه :
" مش وقت ظرف ، إياك شيطانك يوزك وتقرب من حسناء كده ولا كده .. مش عايزين بلاوي جديدة الله يسترك "
ضحك فهد بخفة ثم قال بعنجهية وحمق :
" الكلام ده تقوله لها هي "
رفع آسر حاجبه وردد بسخرية :
" دا على أساس إن هي اللي كانت هتاكلك بعينيها جوه ! "
هز فهد كتفه بلا مبالاة ثم قال ببساطة :
" لا بلاش أنت دماغك تاخدك لحته تانية .. أنا واحد بيقدر الجمال مش أكتر ، وهي طلعت عايزة تتسنفر بس عشان تبان حلاوتها "
" ملكش دعوه بحلاوتها ولا سنفرتها "
غمغم بها آسر من بين أسنانه بحدة مقصودة فزفر فهد بملل ثم هز رأسه بطاعة وهو يسأله بسخرية :
" أي أوامر تانية يا بيه ؟! "
سبه آسر بخفوت ثم تركه وعاد إلى الداخل فضرب فهد كفًا بالآخر ثم انتبه على وصول أول المدعوين فدخل بسرعة حتى يجلب حسناء ليبدئا العرض 
بعد وقت تعالت أصوات الموسيقى و تضاعف عدد الحضور بشكل كبير وضج المكان بالرقص والاحتفال بينما عدسات المصورين تحاوطهم من كل جانب ..
ترك فهد أصدقاءه ثم ذهب ووقف جوار حسناء التي كانت تتمايل بشكل غير ملحوظ بالمرة وهي تدندن بانسجام مع الهضبة ..

( أنا لو تبقي معايا بيترج القلب ويتهز
أنا لو تاخد عيني يا نور عيني عيني ما تتعز
ده أنا خايف من العين يا حبيبي اللي يغير واللي يجز يجز
عارف أنت الحظ .. أهو أنت الحظ يا حظ يا حظ )

مال عليها فهد وهتف جوار أذنها دون أن يبالي بتحذيرات آسر السابقة :
" بقولك إيه .. ما تيجي أرقصّك بدل وقفتك دي "
رمقته حسناء التي وأخيرًا قد أصبح لها من اسمها نصيب ثم قالت ببساطة :
" أنا لو بعرف أهزها والله ما أعزها "
نظر لها فهد قليلًا دون فهم إلى أن استوعب ما قالته بالتدريج ثم ضحك بصوت مرتفع فيما يعقب :
" إيه جو التكاتك ده !! .. سنفروا وشك بس نسيوا لسانك "
هزت حسناء كتفها بلا مبالاة ثم اعتدلا حينما اقتربت منهم مجموعة من الشباب والفتيات وبدئوا  في طرح التساؤلات الفضولية حول علاقتهما لكنهما كانا قد استعدا جيدًا للأمر وبدت إجاباتهم مقنعة ومتطابقة بشكلٍ كبير إلى أن هتفت إحداهن بكيد مقصود وهي تنظر للاتجاه الآخر حيث عديلة ذات العباءة السوداء البسيطة رغم أناقتها :
" أنا مش مصدقة إن بعد مغامراتك دي كلها تقع الواقعة دي يا دودي "
نظرا سويًا حيث أشارت الفتاة ثم احتدت نظراتهما معًا وقبل أن تتفوه حسناء بحرف تكلم فهد بنبرة شديدة التهذيب والجدية وقد اختفى هزله تمامًا :
" أحلى واقعة في الدنيا يا نور .. نورتي الحفلة "
قالها وهو يشير ناحية باب الفيلا فاشتعلت عينا نور من رده وطرده لها علنًا ثم كادت أن تتحرك ليوقفها كف حسناء الذي التصق بذراعها فيما تقول من بين أسنانها بنبرة شرسة :
" استني بس يا بتاعة دودي .. السّت اللي واقفة هناك دي ستك وتاج راسك انتي وكل اللي واقفين هنا وأولكم أنا ... وانتي غلطتي فيها يبقى إيه .... لازم تتعاقبي  "
حاول فهد تهدئة الموقف فنادى حسناء بخفة وهو يخلص ذراع نور من كفها الغاضب كصاحبته ثم كرر بصوت هادئ لكنه حاد :
" مع السلامة يا نور "
وبالفعل غادرت نور بينما نظرت له حسناء بغضب شديد ثم تركته وسط ضيوفه ودخلت إلى الفيلا بخطوات نارية جذبت بعض الأنظار ..
تبعها فهد بسرعة بعد أن اعتذر من رفاقه فوجدها في غرفة الصالون تجوبها جيئة وذهابًا بعد أن خلعت حذائها !
اقترب منها ببطء ثم قال بصوت مهادن :
" حسناء ، حسناااااء .. أنا عارف إاتضايقتي بس لازم نرجع للضيوف "
هدرت حسناء بغضب :
" مش هرجع لحد ، ارجع أنت لأصحابك يا عم دودي .. بقى دي أخرتها يهينوا أمي قدامي ! .. إيه الوقاحة دي ؟!! "
اقترب فهد إلى أن وقف أمامها ثم قال بمهادنة :
" اللي حاولت تهينها رديت لها الإهانة في ساعتها وطردتها "
ثم عاد وغمغم بضيق :
" يلا بقى مينفعش إننا نختفي بالشكل ده "
رمقته حسناء بمقلتين مقلوبتين ثم قالت بخفوت شديد وعيناها تبرق بالغضب :
" أنت بجد أكتر بني آدم اناني شوفته في حياتي .. ميهمكش إلا مصلحتك وبس ، مش من حقي حتى أتضايق عشان أمي والمفروض أفضل فريش وعاملة مبسوطة عشان خاطر تمثيليتك الغبية "
اقترب فهد بسرعة وكمم فاهها بكفه فيما يهدر من بين أسنانه بخفوت حاد :
" وطي صوتك انتي اتجننتي ؟!! .. كده هتفضحينا "
حاربت حسناء كفه بغضب شديد تجلى في نظراتها ليهمس فهد باسترضاء :
" يا ستي قوليلي إيه اللي يرضيكي وأنا هعمله "
غمغمت حسناء بشيء لم يفهمه فقطب قليلًا فعادت وغمغمت من جديد وهي تضربه على كفه الذي يغطي فمها بغضب فابتعد عنها معتذرًا وهي تهتف به من بين أسنانها وقد اتضحت حروفها أخيرًا :
" شيل إيدك يا غبي هتمسح الروچ "
كز فهد على أسنانه بغضب كتمه رغمًا عنه ثم أشار لها بصمت أن تتقدمه فيما يمسح كفه بضيق فرمقته حسناء بسخط ثم ارتدت حذائها من جديد وخرجت تدب الأرض بنعليها وهي تعد الدقائق للتخلص من ذلك الحذاء الذي كسر ظهرها .
ابتسم الجميع في وجوههم فور أن خرجوا وأولهم آسر الذي اقترب من حسناء يسألها عما حدث فعبست في وجهه ولم ترد عليه بينما تحرك فهد نحو منسق الموسيقى وهمس له بشيء لتتسع عيناها بترقب ممتزج بالاستنفار وهي تراه قادمًا نحوها فبدأت تستعيد بسرعة خطوات الرقص التي شاهدتها في الأفلام على مدار عمرها بأكمله وهي تؤكد على نفسها أن عليها التمنع عليه قبل موافقتها على الرقص معه ..
خطوة للأمام منه تقابلها خطوة للخلف منها ثم خطوة جانبيـ.....
" إيه ده ؟!! "
خرجت منها بغباء منقطع النظير حين مر بها فهد ثم تخطاها فالتفتت للوراء لتجده طلب والدتها للرقص وفي عينيه تلمع ابتسامة شقية جعلت وجه عديلة يتورد وكأنها عادت شابة في مقتبل العمر بينما أطلق الشباب الصافرات والتهليلات يحثونها على وضع كفها في كف فهد إلى أن تمت المهمة بنجاح فلانت نظرة حسناء واعتلت ابتسامة حقيقية ملامح وجهها وهي تشاهد ضحكات عديلة المستمتعة بحياء وطفولية بينما كان فهد يضحك بدوره وهو يلفها حول نفسها بحرص شديد .. !
" شكلك حلو النهاردة  "
سمعتها بصوت آسر فالتفتت نحوه بمفاجأة ماتت في مهدها وهي تراه يسحب يد الصحفية سالي التي لا تعلم متى ظهرت ثم انضم لصاحبه بدوره
للحظة تقابلت نظراتهما فابتسم لها آسر بما يشبه المؤازرة في الوقت الذي همس فيه فهد بشيء ما إلى عديلة فربتت على كتفه بمحبة حقيقية بينما قبل هو كفها بحركة مسرحية ثم تحرك نحو حسناء قائلًا :
" تسمحِ لي يا هانم ؟! "
من جديد تعالت الأصوات المشجعة حولهما فارتبكت حسناء بعض الشيء لكنه اومئ لها محاولًا بث الطمأنينة في قلبها فأمسكت بيده ثم بدأت تراقصه بحذر شديد في البداية ثم انخرطت بعدها في الأمر فصار أكثر سهولة عليها ، لتضحك بعدها باستمتاع حينما أبعدها عنه بطول ذراعه دون أن يفلتها ثم عاد قربها إليه عدة مرات ليلفها حول نفسها ثم يجذبها إليه فيصطدم ظهرها بصدره مما جعلها تتوتر وتنظر إلى أمها بتشتت وخوف كانا في محلهما إذ وجدت عديلة تبادلها النظر بحاجب مرتفع بترهيب تدرك جيدًا ما وراءه ..
حاولت حسناء السيطرة على حركاتها أكثر حتى لا تصطدم بفهد لتجد سالي تقول لها بعد لحظات وهي تترك كف آسر :
" بعد إذنك يا حسناء شوية بقى "
لم تفهم حسناء غرضها لوهلة لكن فهد أفلت يده منها وتخطاها حتى يراقص سالي وهو يقول بمرح :
" أحلى رقصة دي ولا إيه "
شعرت حسناء بالحرج مما حدث وكادت أن تتراجع لكن آسر أوقفها يسألها بابتسامته التي تملك من اسمه نصيب :
" تحبي ترقصي معايا ؟! "
ألقت حسناء نظرة سريعة حيث تقف والدتها فلم تجدها فاستنتجت أنها جلست ترتاح لبعض الوقت ثم عادت بنظرها الى آسر مرة أخرى وهزت كتفها بجهل وهي تسأل بعدم فهم حقيقي لوسطهم :
" هو ينفع ؟! "
ضحك آسر مستوعبًا اختلافها عنهم وعدم تقبلها الكامل لوسطهم ثم قال ممازحًا :
" آه عادي .. بتحصل "
ابتسمت حسناء بخجل وإحراج فرفع إليها آسر كفه يحثها على الموافقة وقد تبدلت الموسيقى لأخرى أكثر حماسًا فانضم لهم الشباب بحماس شديد
وضعت حسناء كفها في كفه وبدأت تتقافز أمامه ضاحكة على أنغام الأغنية السريعة ..

أحلى واحدة في المكان قدامي
ترقص وأتوه من الجمال
كل ما أجي أقول يا ليل يا عيني
أتلخبط وأنسى أنا الكلام

يردد آسر كلمات الأغنية ضاحكًا على جنون حسناء وجواره فهد وسالي يرقصان بمرح بدورهما

إنتي مين واسمك إيه؟
ماشية ليه رايحة فين؟
إرجعي، إرجعي
ده الغنا والكلام
مش مكفي اللي أنا حاسس بيه
دي بتحصل مرة في مية سنة
مش شايف غير انتي وأنا

انتهت الرقصة بتصفيق وصافرات عالية من الجميع فابتعد عنها آسر بخفة بينما أخرج فهد من جيبه علبة قطيفة سوداء وأخرج منها عقدًا ماسيًا جعل الأعين تتسع من فخامته والبسها إياه وسط تصفيق الحضور ليمسك بعدها برأسها بين كفيه ويقبلها باعتزاز مدروس فتزداد التهليلات ويعلو صوت الكاميرات حولهما فيبتسمان دون توقف بينما يقف آسر في نقطة بعيدة يراقب ما يحدث بعينين غائمتين بالرضا مدركًا أنهما وصلا إلى ما أرادا بالضبط .
_______

بعد انتهاء الحفل وبعد مغادرة الجميع بما فيهم حسناء ووالدتها وقد تبرع آسر بإيصالهن خلع فهد معطف بذلته وألقاه على أحد المقاعد ثم فك أول أزرار قميصه وجلس مسترخيًا ينظر إلى الفوضى حوله بلا مبالاة ثم بدأ يستعيد أحداث اليوم بابتسامة راضية
الآن الكل أصبح في صفه
فقد تبرأت صورته أمام الإعلام وظهر كعاشق لا تهمه المظاهر ، يحارب من أجل حبه
آسر كان على حق حين أصر على إتمام هذه اللعبة !
فتح هاتفه ينظر إلى آخر الأخبار مبتسمًا بزهو وهو يرى اسمه متصدرًا كافة مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار وصور الخطبة منتشرة في كل مكان وتعليقات المتابعين وتهانيهم تنهال كالمطر حتى أن هناك من كانوا يغازلون حسناء !
ضحك فهد بخفة وغمغم بصوت مسموع :
" والله وبقى لها معجبين بتاعة الصحافة الصفرا "
تابع فهد تصفحه لبعض الوقت إلى أن شعر بالملل فنهض حتى يبدل ملابسه ليقطب بعد لحظات حين جذب شيئًا ما مُلقى فوق المنضدة المقابلة له نظراته فتحرك نحوه ببطء وأمسك به يحدق فيه بتعجب طفيف وابتسامة حقيقية شقت طريقها بين شفتيه باقتدار ..
الحمقاء !
لقد تركت عقدًا من الماس يساوي ثروة طائلة ملقى على منضدة دون اهتمام .. !
هز رأسه بيأس منها دون أن تغادر الابتسامة شفتيه ثم وضع العقد في جيب بنطاله ببساطة وصعد إلى غرفته يصفر ببال رائق وعقله يستعيد أحداث الحفل من جديد فتزيده انتعاشًا ورضا .
____________

( بعد عدة أيام / يوم الجمعة )

" افردي وشك لوجه الله بقى ، قربنا نوصل خلاص "
تمتم بها فهد للمرة العاشرة ربما منذ أن بدءا الطريق فصرخت به حسناء بوجه شديد العبوس وعينين مغمضتين من فرط النعاس :
" مهما كانت الأسباب مش من حقك أبدًا تصحيني يوم أجازتي وتجرجرني وراك كدة زي المعيز على الصبح ولا كأني موظفة بستنى يوم الجمعة من الأسبوع للأسبوع عشان أرتاح "
رمقها فهد بحنق ظهر في نبرته :
" الساعة ١٠ .. عايزاني أصحي الكونتيسة الساعة كام ؟!! "
" متصحينيش ، لو الدنيا بتولع وفي زلزال وبراكين محدش يصحيني يوم الجمعة يا ناس "
كاد فهد أن يتحدث لكنها سبقته توبخه بغضب وقد بدأت تستفيق أخيرًا :
" ثم تعالى هنا .. أنت بأي حق أصلًا تحدد مواعيد باسمي من غير ما أنا أعرف "
نظر لها فهد باستهانة وهي تعيش دور الشخص المهم باقتدار لتخرج حروفه حاملة استهزاء واضح :
" معلش يا سّت الهوانم المرة الجاية هقولك عشان تراجعي جدول مواعيدك وتفضي لي مكان "
تطلعت إليه حسناء بشراسة لكن ما أسكتها كان وصولهم إلى دار الأيتام التي تمت دعوته إلى حفل افتتاحها كضيف شرف لإسعاد الأطفال وبالطبع لم يكن آسر ليضيع مثل هذه الفرصة من بين أيديهم دون أن يحشر حسناء معه في الصورة كنوع من أنواع التأكيد على جدية علاقتهما .. !
زفرت حسناء بعمق شديد وكأنها تجلي ذهنها المشوش ثم تكفلت بأمر ابتسامة عريضة وجهتها إلى القائمين على العمل لتتحول إلى أخرى حقيقية شديدة الصدق حينما ركض الأطفال نحو فهد لالتقاط الصور معه ..
ومضت عيناها بالتقدير حين نزل فهد على عقبيه وحمل أحد الأطفال وبدأ بممازحتهم ومشاكستهم ثم دار حول سيارته الضخمة وأخرج منها الكثير من الصناديق الملونة والألعاب فهلل الأطفال بحماس شديد فأشار لها فهد حتى تساعده وبالفعل تحركت نحوه وأخذت منه بعض الصناديق وبدأت بتوزيعها على الصغار دون أن تفارقها ابتسامتها ولا كأنها نفس ذات المدفع الرشاش الذي كان يجلس جواره في السيارة منذ قليل وعلى استعداد تام لقتله حتى يتركها تنام .. !
مر بعض الوقت جلس فيه فهد مع مدير الدار ثم أخرج صك تبرع إلى الدار فشكره الرجل وانهمكا في بعض المحادثات ليشعر بعدها فهد بالفراغ فينظر حوله ويجدها اختفت عن ناظريه في ظروف غامضة ..
اعتذر من محدثه ثم خرج من المكتب يبحث عنها بقلق منها لا عليها ليصله أصوات صرخات مرحة فتتبعها إلى أن وصل إلى حديقة خلفية وهناك وجد حسناء تركض بين الأطفال وكأنها واحدة منهم بينما يركض أحد الأطفال خلفها حاملًا خرطوم مياه فتصرخ وتضحك ببلاهة وهي تركض هنا وهناك غير عابئة بشيء ..
اعتلت ابتسامة خفيفة شفتي فهد ثم قرر أن ينضم إليهم لكن مزاجه الرائق طار أدراج الرياح حينما لاحظ وجود أحد العاملين يقف مراقبًا حسناء بنظرات لم تعجبه .
تجهم وجهه ثم تحرك بخطوات سريعة ووقف أمام حسناء بوجه عابس ليلتفت بعدها برأسه نحو الرجل بنظرات زاجرة أجبرت الآخر على التراجع والاختفاء بين أروقة الدار تجنبًا للصدام معه ..
أما حسناء فكانت بملكوت آخر وهي تهلل وسط الصغار وتدور حول فهد تحتمي به دون انتباه حقيقي لما يدور معه بينما يتبعها الصغير حاملًا خرطوم المياه فعادت ابتسامته تغزو شفتيه من جديد ثم غمز للصغير وسحب منه الخرطوم وبدأ هو بمطاردتهم جميعًا واولهم حسناء بينما تراقبنه بعض العاملات بابتسامات ولهة وعيون تكاد تنفجر منها القلوب الحمراء بينما كانت الأخريات يحتفظن بالحدث على هواتفهن المحمولة ثم تجرأت إحداهن وانضمت إلى اللعبة كمحاولة منها لجذب انتباه فهد الذي كان كل تركيزه مع الشقية ذات القميص الصيفي الأصفر التي تدور حوله ببلاهة تجبره على عدم الاشاحة بعينيه عنها !
أخيرًا أمسك بها فهد فشد ذراعها نحوه وأنهى اللعبة بأن رفع الخرطوم نحو الأعلى فتساقطت القطرات كالمطر فوق رؤوس الجميع وسط تهليل الصغار وضحكات حسناء التي اكتشف لأول مرة أنها حمقاء وجميلة بشكل استثنائي مختلف .
دقائق أخرى وودعا الجميع مع وعد بالعودة مرة أخرى في أقرب وقت ممكن ثم عادا إلى السيارة واستقرا داخلها ليسألها فهد بحماس :
" تتغدي إيه ؟!! .. ماك ولا كنتاكي ؟! "
رتبت حسناء شعرها ومسحت وجهها الذي تبلل ثم أجابته بعفوية دون أن تنظر نحوه وهي منهمكة فيما تفعل :
" اطلع على تيفود بتاع الكبدة "
اتسعت عينا فهد بارتياع ثم ردد ورائها :
" تيفود ! "
نظرت إليه باستغراب ظهر في سؤالها :
" أنت متعرفوش ؟! "
هز رأسه نفيًا فيما يتمتم بسخرية واضحة :
" محصليش الشرف "
كادت حسناء أن تصف له الطريق فتمتم فهد من بين أسنانه يقاطعها متعمدًا :
" أنا مش هاكل من عند واحد اسمه تيفود يا حسناء "
نظرت له حسناء بوجه ممتعض ثم قالت بعناد :
" وأنا مش هاكل لا في ماك ولا كنتاكي "
" طب نروح مكان تاني "
يغمغم بها محاولًا الوصول معها إلى حل وسط ثم عرض عليها أكثر من مكان ليستقرا بعدها على الذهاب الى أحد المطاعم الشهيرة فوافقت على مضض بينما تتمتم كل دقيقتين بتقريع :
" مش عاجبك تيفود بتاع الكبدة ؟! .. والله أنت ما بتعرف تاكل "
_____________

ونهاية اليوم كانت مختلفة تمامًا ..
إذ وضع آسر لمسته الخاصة فأرسل بعض الصحفيين ورائهما إلى المطعم وكأن انتشار مقاطع لهوهما مع الاطفال في دار الأيتام لم تكفيه !
كانت حسناء تقطع جزءًا أخيرًا صغيرًا من الحلوى بتركيز دقيق قبل أن تضعها في فمها وتغمض عينيها باستمتاع مريب وكأنها لم ترى مثلها من قبل حتى أنها كانت تغازل كل قطعة قبل أن تضعها في فمها مما جعل فهد ينظر حوله عدة مرات بحذر وقلق من أن يكون هناك من يترصدهم بعدسته فيلتقط حسناء في موجة الحرمان ويدمر له كل ما حققه الأيام السابقة
أصدرت صوتًا آخر مستمتعًا فلكزها فهد بقدمه في ساقها زاجرًا إياها
فتحت عينيها تنظر له بضيق بعد أن أفسد سيمفونيتها المعاقة مثلها فأشار بعينيه على رواد المطعم الفاخر الذي صحبها إليه ثم قال من بين أسنانه بابتسامة شديدة الزيف والتكلف :
" كفاية عزف منفرد بقى وكلي من سكات وفي الإنجاز عشان أروحك بيتك "
وردًا على سخافته غرزت حسناء شوكتها في قطعة الحلوى بغل ثم وضعتها في فمها وأصدرت صوتًا متلذذًا نكاية به وهي تنظر لعينيه بتحدي فكز فهد على أسنانه ثم رن هاتفه برقم آسر فاستقبل المكالمة قائلًا بغضب مكبوت من الفضيحة المتحركة التي تجلس أمامه :
" عايز إيه أنت التاني ؟! "
" الصحافة قدام باب المطعم اللي انتوا فيه ، عايز سهوكة "
يتمتم بها آسر بنبرة ساخرة فشتمه فهد ثم قال بسخط :
" صحافة إيه أنت اتجننت ! .. إحنا بمناظرنا دي مينفعش نطلع في أي وسيلة إعلام نهائي "
" اتكلم عن نفسك "
همهمت بها حسناء بترفع وثقة ستصيبه بجلطة فسحب فهد الطبق من أمامها وهو يزجرها بعينيه حتى تصمت ثم أنهى المكالمة قائلًا بعصبية مكتومة :
" طب اقفل دلوقت وأنا هحاول أتصرف "
حاولت حسناء استعادة طبقها فأبعده فهد عنها قائلًا من بين أسنانه :
" كفاية لغ بقى ، خليني اشوف حل للي إحنا فيه "
رفعت حاجبيها ثم سألته بتعجب حقيقي :
" مالنا ؟! .. ما إحنا زي الفل أهو ، أنت مكبر الموضوع كده ليه ؟! "
رمق فهد شعرها المشعث من الأمام وبعض الخصلات التي تهدلت من ذيل الفرس خاصتها ثم نظر بعدها إلى وجهها الخالي تمامًا من مساحيق التجميل ليس حبًا منها في الهيئة العفوية ولكن لأنها غسلته أكثر من عشر مرات منذ بداية اليوم
لينهي تفحصه بقميصها الأصفر الذي تلطخ من اللعب وسروالها الجينز ذو اللون الأزرق الباهت فيشتم في سره ثم يسألها بصوت خشن :
" شنطتك فيها مكياج ؟! "
" ها ! "
فيكرر بعصبية مكتومة :
" مكيااااااج .. إيه متعرفيهوش ؟! "
لوت حسناء شفتيها باستهانة ثم غمغمت بعد لحظات :
" أعرفه ، ولو إني مش محتاجة يعني "
رمقها فهد بشرر فهو لا يطيق أن يُوضع أمام الأمر الواقع
فنظرت له حسناء ثم مسحت فمها من لطخات الشكولاتة بأناقة زائفة لتسحب بعدها حقيبتها ثم تنهض أمام عينيه المحدقتين فيها بارتياب لتختفي بعدها في دورة المياه لوقت لا بأس به قضاه فهد في سبها وسب آسر وسب حظه العاثر الذي اوقعه في هذه المصيبة ثم نهض بدوره ليهندم نفسه قليلًا بعد مجهود اليوم الطويل .
حين عاد إلى الطاولة توقف قليلًا متعجبًا من هيئة حسناء المختلفة تمامًا وقد استطاعت مسح الغبار عن نفسها وجمعت شعرها في ذيل فرس أنيق وجذاب بينما ارتدت قرطين كبيري الحجم لا يعلم من أين حصلت عليهما كما لا يعلم من أين حصلت على السترة المنتفخة من الجينز التي ترتديها فوق قميصها الصيفي الأصفر فأخفت اتساخه !
أما وجهها فقد أعادت تزيينه بمهارة لم يكن يدري أنها تملكها .. !
" جبتي الجاكيت والحلق منين ؟! "
سألها بتعجب واضح وهو يسحب الكرسي ليجلس أمامها فنظرت له بعنجهية لا يدرك حتى الآن مصدرها ولا سببها ثم تمتمت بعد لحظات :
" الحلق اشتريته إمبارح وأنا راجعة من الشغل ونسيت أطلعه من الشنطة ودا من حظك الحلو "
" والجاكيت ؟! "
يسألها فهد محاولًا تجاهل رغبته المتزايدة في لكمها :
" بتاع واحدة من اللي شغالين هنا ووعدتها هرجعه لها بكره "
هتف مصعوقًا :
" يخرب بيتك .... شحتاه ! "
" استلفته يا فنان "
صححت له بفم ملتوي وهي تنظر يمينًا ويسارًا بضيق من صوته الذي ارتفع بينما كز فهد على أسنانه ثم نهض زافرًا بقنوط :
" يلا يا حسناء ، يلا خليني أوصلك وربنا يعدي الليلة دي على خير "
تعجبت من ضيقه واستنكرته ، فهو حتى لم يُثني على مجهودها الجبار في تزيين وجهها من أجل أن تُشرفه أمام الصحافة والإعلام !
ومع ذلك نهضت وهي تتمتم من بين أسنانها :
" إلا ما هان عليك تشتري لي حاجة أتعشى بيها في البيت ، صحيح على رأي عدوية ما بيقول جينا نبعد قالولنا نقعد .. و جينا نقعد شدوا الكراسي "
سمعت صوته يحسبن عليها هي وآسر بزفرة يائسة فصمتت تمامًا ثم خرجا من المطعم لتستقبلهما عدسات المصورين فيشير لهم فهد بابتسامة جذابة مدروسة جعلت فك حسناء يتدلى للحظات قبل أن تتمالك نفسها وتشتمه سرًا وهي تراقب ردوده الدبلوماسية على أسئلة الصحافيين لتعترف لنفسها في لحظة صدق مع النفس أن فهد العدوي يمتلك ثلث احتياطي العالم من الجاذبية
اتسعت عيناها من مسار أفكارها ثم وبخت نفسها سرًا :
( اتعدلي يا بت .. ابن بارم ديله هياكل عقلك ولا إيه ! )
لتعود وتكمل حديث عقلها أحادي الجانب فتسأل بخفة :
( وأما هو واخد التلت يا سنسن أمال مين اللي مستحوذ على التلتين التانيين ؟!! )
تتسع ابتسامتها الحمقاء وتجيب نفسها وقد احتجبت تمامًا عن ما يحدث حولها :
( وهو في غيره عنتيل الكاريزما أبو ضحكة شايله اسمه )

" قولي لنا يا آنسة حسناء .. امتى أول مرة قابلتوا فيها بعض ؟ "
انتبهت لهم حسناء ثم غمغمت بأول ما جاء ببالها :
" يوم عرض الفيلم "
ليأتيها بعدها السؤال الثاني كقذيفة اطارتها :
" نفهم من كدة إن حضرتك كنتي تقصدي فهد العدوي بالبوست اللي نزل على صفحتك الشخصية يومها ؟!! "
ضاقت عيناها أول الأمر ثم اتسعت بصدمة وقد نسيت تمامًا أمر هذا المنشور الذي أهانت فيه فهد دون ذكر اسمه بشكل صريح ولكنها وبذكائها أعلنت أنها تحضر حفل افتتاح فيلمه فاستنتج الجميع أنه هو !
رمقها فهد بجهل حقيقي بينما تبرعت الصحفية فأخرجت هاتفها وقرأت المنشور بصوت مرتفع لتتسع عينا فهد بالتدريج ثم ينغلق وجهه تمامًا ليهمهم بعد لحظات بهدوء اخافها :
" شكرًا يا جماعة على اهتمامكم .. بعد إذنكم "
ليستقلا بعد ذلك السيارة وينطلقا سويًا بصمت دام للحظات قطعته حسناء وهي تتمتم بذنب :
" أنا نسيت خالص موضوع البوست ده "
لم يجيبها فهد بشيء وعيناه لا تنزل من على الطريق متجاهلًا إياها تمامًا فتهمس بخفوت بعد لحظات وهي تُخرج هاتفها من حقيبتها :
" أنا همسحه حالًا "
ثم تحاول تلطيف الأجواء فتمازحه أثناء حذفها للمنشور :
" ويا سيدي متزعلش نفسك .. نبقى نقول إني كنتـ..... "
لكنها لم تتمكن إتمام مزحتها حينما سحب منها الهاتف بعنف والقاه بغضب ما بعده غضب من نافذة السيارة فيما يهدر :
" تمسحيه ! .. بعد ما مصر كلها قرأته جايه تقوليلي همسحه ! "
صرخت حسناء غضبًا حين ألقى هاتفها وقالت بغضب شديد :
" أنت اتجننت ! .. بترمي الفون ليه ما قلت لك مكنش قصدي "
رمقها فهد بغضب أعمى قد تمكن منه ثم همس بنبرة خفيضة لكنها وصلتها فنحرت كبريائها نحرًا :
" أنا اتجننت فعلًا يوم ما طاوعت آسر وعملت لواحدة زيك سعر، والنتيجة أهي .. فضيحة عمرها ما هتتلم "
وكأنه أسقط دلوًا من الثلج عليها إذ جحظت عيناها بصدمة وتجمع بهما دمع مهانة أوجعتها ثم تحولت شفتيها إلى خط مستقيم فخرجت حروفها مهتزة بألم وهي تردد حديثه :
" عملت سعر لواحدة زيي !! "
لتعود وتهمس بكبرياء جريح :
" وقف العربية "
تجاهلها فهد فكررت بنفس النبرة وقد تحولت إلى أخرى تنظر إليه بغضب ونفور :
" بقولك وقف العربية "
" هرجعك بيتك واعملي اللي تعمليه "
تمتم بها فهد بضيق شديد وقد استشعر قوة ما تفوه به فتبدل حالهما معًا بينما صمتت حسناء للحظة واحدة قبل أن تُعيد بصوت أعلى :
" بقولك وقف العربية دي حالًا "
وحاله لم يكن أفضل منها فهتف وهو يوقف السيارة بالفعل غاضبًا من كل ما يحدث :
" يوووووووووه .. اعملي اللي تعمليه "
فتحت حسناء الباب ثم نزلت تتمتم بجفاف شديد وملامح صخرية لم يتعرف عليها للحظة بل لم يكن يدرك أنها تملكها من الأساس :
" اعتبر لعبتنا الخايبة انتهت "
وأتبعت قولها بقذف دبلتها في وجهه .
__________________

نهاية المشهد الرابع

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 25 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

فصول العشق الأربعة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن