خلافته
ما إن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان ونفض الناس أيديهم من دفنه حتى سارعوا إلى علي يريدون مبايعته بالخلافة، وقد أراد رضي الله عنه التملص من الأمر، ولما لم يجد بدًّا أحال أمر البيعة إلى أهل السابقة من المهاجرين والأنصار، فدفعوه إلى ذلك، غير أنه اشترط أن تكون في المسجد النبوي على رؤوس أهل المدينة، فقدِم المسجد وبايعه الناس، وكان ذلك في 18 من ذي الحجة عام 35 هـ. وقد كان ابن عباس يريد أن تكون البيعة في مكان خاص مخافة أن يَشْغَب على الحدث الثائرون على عثمان، وكانوا منتشرين في أزقة المدينة لا يبرحونها.استلم علي مقاليد الخلافة وهي مثقلة بالأعباء، وفي خضم فتنة من أكبر الفتن التي واجهت المسلمين، فقد واجه رفضَ بيعة بعض المسلمين في الأمصار التي أرسل إليها الولاة لأخذ البيعة، حيث كان هؤلاء الرافضون -الذين رأى ابن حزم أن عددهم يساوي عدد من بايع وقدّرهم بـ100 ألف مسلم- يرون ضرورة المسارعة بأخذ الثأر من قتلة عثمان قبل أخذ البيعة لعلي.
وبهذا فإن عليا كان أول خليفة لا يجتمع عليه المسلمون كما اجتمعوا على سابقيه الثلاثة، أبي بكر وعمر وعثمان، يقول ابن تيمية: "كان الناس على عهد علي 3 أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف لا قاتلوه ولا قاتلوا معه".
وقد فاقم من هذه الأزمة عوامل منها أن قتلة عثمان كانوا قوةً ولهم شوكة، خصوصا بعد أن انتقل علي بعاصمة الدولة إلى الكوفة، حيث أضحت هذه الفئات في معقلها وبين قبائلها، وتغلغلت في صفوف مؤيدي علي، وصار لها تأثير بالغ في القرار السياسي، فصار من العصي على علي وغيره أن يكسر شوكتهم.
وقد أسفر هذا الخلاف عن تهتك أصاب النسيج الاجتماعي في المدينة وما حولها، وزاد من تفاقم الأمر اعتزال كبار الصحابة العملَ السياسي الذي وصفوه بالفتنة، ومن هؤلاء سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وأبو موسى الأشعري.
وقد أدى هذا الانشعاب الحاصل في وحدة المسلمين والصدع الكبير الذي فرّق الرأي إلى تفرّق المقاتلين في الأمصار، مما أضعف القوة العسكرية الإسلامية التي كانت قادرة على حسم الخلاف لو بقيت مجتمعة.
كما كان من نتيجة هذه الفتن المستعرة أن تقلصت مساحة سلطة أمير المؤمنين على الولايات واحدة إثر أخرى، بعد أن اضطربت عليه الشام واليمن والحجاز ومصر، وخرجت البصرة وخراسان من قبضته، فانحصر حكمه في الكوفة وما حولها بعد انتقاله إليها.
الفتن في فترة خلافته
مِن نار فتنة مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان استطار شرر الفتن التي استعرت واستغرقت خلافة علي بن أبي طالب بكاملها، وقد انشعب الصحابة وتفرّق رأيهم تحت وطأة آثارها الثقيلة، ففريق أراد المسارعة إلى أخذ الثأر من قتلة عثمان رغم مبايعتهم عليا، وكان الخلاف بينهم وبين علي على توقيت الثأر، فالخليفة يريد أن يبسط سلطانه على الدولة ويحكم أمره فيها قبل مباشرته أخذَ الثأر، وهم يرون أنه لن يستطيع ذلك حتى يبدأ بالقضاء على القتلة وإنهاء وجودهم في المدينة وتهدئة نفوس المسلمين وأولياء الدم من بني أمية بإنفاذ القصاص.