الجزء الاول

812 12 3
                                    

عاد مهيمن هذه المرة باكراً من عمله، بسبب شعوره بالإعياء، بعد أن إستأذن من مديره في العمل.
وهو يعمل كمهندس ميكانيكي بإحدی المصانع.
وصل منزله وفتح بابه بنسخة المفتاح التي بحوزته.
كانت خطواته متثاقلة وبدی عليه التعب.
رمی بجسده علی احد الأرائك وصاح بإسم زوجته. ،ولم تجب، فكرر مناداته بصوت اعلى ،
ولم يدرِ إنها ترقد بين أحضان رجل آخر وعلی سريره!
سمعت هي وعشيقها صياحه. فتملكهما الخوف .
وقالت بفزع تحدث عشقيها بخفوت:
ــ إنه مهيمن..لقد عاد باكراً.. مالعمل الآن؟! سيقتلنا لامحال !
همّ عشيقها بلملمة أشيائه الملقاة بأرجاء الغرفة
وهو يقول:
ــ إذهبي إليه وأمني لي طريق الخروج..أطلبي
منه أن يذهب للحمام ليغتسل وسأخرج أنا.
ــ ماذا لو قرر النوم قبل الاغتسال؟أنها نهايتنا !
ــ إذهبي إليه الآن قبل أن يصعد.. وسأتدبر الأمر.
ــ كيف ستتدبر الأمر؟ هل ستنط من النافذة؟
ــ النافذة عالية لايمكنني القفز..سأختبأ بغرفة
الأطفال وانتِ إشغليه عني.
توترت اكثر وهي تسمع مناداة مهيمن عليها.
رتبت شعرها ومسحت وجهها ونزلت بعد أن
تأكدت من دخول عشيقها غرفة الأطفال.
وصلت قربه وحيته فقال:
ــ أكنتِ نائمة؟ ناديتكِ كثيراً!
ــ أ..نعم لقد..لقد شعرت بالنعاس فأخذت غفوة
صغيرة.
لاحظ إرتباكها وإصفرار وجهها برغم مساحيق
التجميل التي تغطيه .فسألها:
ــ مابكِ؟ تبدين متوترة؟
ــ أنا؟ لا أبداً..لستُ متوترة..أعتقد إن أثر النعاس
لازال عالقاً بي.
وقف وإقترب منها وراح يتفحصها ويشمها. وبدأ
قلبه بالإنكماش وقال:
ــ ماهذا العطر الذي يفوح منكِ؟
ــ ماذا؟ إنه عطر..لقد وضعته لأجلكَ عندما علمت بعودتك.
ــ أهاا..وضعتيه لأجلي ! لكنه عطر رجالي !
ــ أجل..يبدو إنني وضعت من عطورك بالخطأ.
ــ هذا ليس من عطوري..أكره هذا النوع من العطور!
أزداد توترها وشحوبها فتيقن من وجود خطب ما
فيها.
قبض علی شعرها فجأةً وقال:
ــ هل أدخلتي رجلاً عليكِ؟
ــ مالذي تقوله؟
ــ أشعر بوجود رائحة نتنة في المنزل.
رمی بها علی الارض وصعد درجات السلم بسرعة
وغضب. فيما نهضت هي وأسرعت للمطبخ
وتناولت بيدها سكيناً ولحقته.
دخل غرفة نومه فوجدها تمتلیء بذاك العطر
المقيت.
وثارت ثائرته وراح يفتش في دولاب الملابس
وتحت السرير. وخرج من الغرفة ليبحث بأرجاء
البيت الأخری.
وكانت هي تهم بأخراج عشيقها من غرفة الأطفال.
فيصدم مهيمن لرؤية صديقه المقرب إيهاب.فيقول:
ــ إيهاب؟! أتطعنني بظهري ؟ أنت؟! صديقي المقرب؟!
ويثب عليه بكل غضب وهو يردف:
ــ إيها الخسيس !
ويبدأ بلكمه عدة لكمات، حتی ينتاب الاخير الغضب فيجر السكين من يد معشوقته. ويطعن مهيمن
بعدة طعنات بخاصرته وبطنه، وسط صدمة الخائنة.
يقع مهيمن غارقاً بدمه، ويلوذ العشيقان بالفرار !
............................................................
كان مهيمن يصارع للبقاء ومد يده لجيب بنطاله
ليخرج هاتفه ويتصل بأحدهم .
تمكن بعد جهد جهيد أن يتصل بصهره المدعو
إسحاق.
أجابه الأخير، فقال بأنفاسٍ متقطعة:
ــ إسحاق..تعال منزلي..أنا أموت..
ــ مابكَ؟! مالذي حدث لكَ؟
ــ تعرضت للغدر..أنا أنزف..سيغمی علي..تعال..
بسرعة..ولا تخبر غيداء ..أطلب منها أن تذهب
لجلب الأولاد من المدرسة..فلتأخذهما لمنزلكم.
ــ سأكون عندكَ حالاً !
ــ إسحاق..قد لا تلحق علي..مروة وإيهاب ..
غدرا بي..
ــ مروة؟!
ــ أجل.. الخائنة!..إسحاق..أوصيكَ بديما وسيف..
وما أن تلفظ بتلك الكلمات حتی سقط الهاتف
من يده وأغمض عينيه.
وظل إسحاق ينادي عليه وما من إستجابة.
فواصل طريقه لسيارته وإستقلها وقاد بكل سرعته
نحو منزل صهره المغدور.
إتصل بزوجته غيداء وطلب منها إحضار أطفال
أخيها وأخذهم عندها. فإستغربت وقالت:
ــ ولماذا أخذهم؟ أين أمهم ؟ أليست بالمنزل؟
ــ قلت لكِ إن مهيمن طلب أخذهم لمنزلنا..نفذي
فقط وسأشرح لكِ فيما بعد.
ــ إسحاق..أنتَ تخيفني..أحدث شيء لأخي؟
أم لمروة؟
ــ خذي الاطفال فقط وكفاكِ لغواً !
وأغلق الهاتف وراح يتنفس الصعداء وهو يدعو
الله أن يكون مهيمن حي.وإتصل بالإسعاف والشرطة.
...........................................................
وصل إسحاق أولاً وبحث عن مهيمن ، فوجده في
الطابق الأعلی غارقاً بدمه ولا حياة فيه.
إحتضنه وراح يحاول إيقاظه وهو يصرخ :
ــ أفتح عينيك مهيمن ! لاتترك ولديك..وغيداء
ستجن لو فقدتك ! مهيمن !!
لكن ما من إستجابة.
..............................
وصل أفراد الشرطة ودخلوا المنزل بعد أن نزل
إسحاق ليشير لهم لمكان الجريمة.
وتم نقل مهيمن للمشفی وكان لازال علی قيد الحياة.
وتم إعتقال إسحاق لتواجده بموقع الجريمة، حتی
يتم التحقيق بالأمر.
...................................
شرح إسحاق للشرطة كل مادار بينه وبين مهيمن.
وطلب أن يتصل بزوجته فسمح له الضابط بذلك.
وإتصل بها وأخبرها إن أخوها مهيمن يرقد بالمشفی
وعليها أن تتصل بعمها ليكون حاضراً وشاهداً عند
تطور الأمور.
صرخت بهلع وتوسلته أن يخبرها الحقيقة إن كان
مهين قد مات. لكنه طمأنها وأقسم لها إنه بخير
وذكر لها إسم المشفی.
...............................................
قال الضابط لإسحاق:
ــ حالما يصحو نسيبكَ سنأخذ أقواله وستخرج
إن برأك من محاولة قتله.
ــ إن شاء الله.
...................................................
كانت غيداء قد جاءت بطفلي أخيها من مدرستهم
وهما ديما ذات الثمانية أعوام و سيف ذات الستة
أعوام. وكانت قد غدتهما مع أطفالها الأثنين يزن
و كيان.
بعدها أخذتهم جميعاً وطلبت من أهل زوجها الذين يسكنوا بالقرب منهم أن يعتنوا بالأطفال ريثما تذهب للإطمئنان علی أخيها.
وكانت أم إسحاق تروم الذهاب معها . لكن غيداء
طلبت منها البقاء قرب الصغار..فعمتهم زينة
لاتستطيع الاعتناء بهم وحدها وهي متزوجة
ولديها طفل صغير هي الأخری.
فإستسلمت لرغبتها وبقيت لتهتم بالصغار.
وأسرعت غيداء بعد أن سلمتها الأطفال وأخبرتها
إن إسحاق موجود قرب مهيمن، وهذا كان ظنها.
......................................................
وصلت المشفی وسألت عن غرفة أخيها. فأبلغوها
إنه خرج قبل قليل من غرفة العمليات وذكروا لها
رقم الردهة التي يرقد فيها.
أسرعت الخطا وقلبها يخفق بعنف لخوفها من أن
تكون حالته خطرة.
وصلت الردهة فوجدت بعض رجال الشرطة فإزداد خوفها. وإقتربت لتبحث عن أخيها بين الغرف ولم
تجده فخمنت أن يكون بالغرفة التي يحرسها شرطيان.
أقتربت منهما وسألت إن كان إسم المريض مهيمن .
فأكدا لها وجوده ومنعاها من الدخول عليه حتی .
فقالت وهي تبكي:
ــ أرجوكما..إنه أخي الوحيد..فقط أود رؤيته
والإطمئنان عليه .حباً بالله دعوني أراه !
فأجابها أحدهما:
ــ ممنوع..هو حالياً فاقد الوعي.وممنوع دخول
أي شخص حتی يحضر ظابط التحقيق.
ــ تحقيق؟ مالذي حدث له؟ أهو حادث أم جريمة؟
ــ ألم يخبركِ أحد؟
ــ إتصل بي زوجي وأخبرني أن أخي بالمشفی
ولكن لم يخبرني التفاصيل..صحيح أين هو إسحاق؟
وراحت تتلفت حولها ثم وجهت سؤالها للشرطي:
ــ ألم يكن معه أحد؟ أين زوجي؟ لقد كان معه !
ــ سيدتي.. نحن لا علم لنا بتفاصيل الجريمة..ولكن
أظنني سمعت إن الضابط أمر بحبس الرجل الذي
كان معه حتی يتم التحقيق .
فراحت تجهش بالبكاء وتقول:
ــ جريمة؟! هل تعرض أخي للقتل؟! دعوني أراه
فقط نظرة صغيرة..أتوسل إليكما !
إستسلم الشرطيان لتوسلاتها وقال أحدهما:
ــ حسناً..نظرة سريعة ورجاءاً لاتسببي لنا المشاكل.
ــ حاضر..فقط أراه من بعيد.
وفتح لها الباب. ونظرت لأخيها وهو علی السرير
محاط ببعض الأجهزة الطبية والمحاليل المغذية.
وكان مغمض العينين.
كتمت صرختها وراحت تجهش بالبكاء وحاولت
الاقتراب منه، لكن الشرطي منعها وأخرجها من
الغرفة وأغلق الباب.
لم تعِ ماحدث وماتراه . فأخيها يرقد بين الحياةو
الموت وزوجها خلف القضبان متهم بمحاولة قتله!
ثم تذكرت مروة فقررت أن تتصل بها فوجدت إن
هاتفها مغلق.
ووسط ضياعها وحيرتها قررت أن تنفذ طلب زوجها
منها أن تتصل بعمها الوحيد الذي يسكن في الريف.
..............................................................
في أحد الأرياف..
كان الشيخ فالح يجلس بأحضان منزله الكبير الذي تحيطه البساتين من كل جانب بشكل يشرح النفس.
وكان يحتسي الشاي مع زوجته ذات الوجه البشوش
ويتجاذبا أطراف الحديث بحب وراحة بال.
جاؤه الأتصال من غيداء فإستغرب وقال:
ــ إنها غيداء..واخيراً تذكرت إن لها عماً تسأل عنه!
وأجابها فردت :
ــ الو عمي..كيف حالك؟
ــ بخير يا أبنتي ..كيف حالكِ أنتِ..ماخطب
صوتكِ ؟أأنتِ يخير؟
أجهشت بالبكاء وقالت بهلع:
ــ كلا عمي.. أنا بحاجة إليكَ..مهيمن في المشفی بين الحياة والموت..وإسحاق في السجن ولا أحد قربي!
ــ إهدأي يا أبنتي..أخبريني مابه مهيمن؟ ولماذا
زوجكِ بالسجن؟ هل تعاركا؟
ــ لا أدري ..هاتفه مغلق وهاتف زوجة أخي مغلق
أيضاً..أرجوك عمي تعال بسرعة !
ــ هدأي من روعكِ ياأبنتي..مسافة الطريق وسأكون عندكم.
أغلق الهاتف ومسح وجهه ببده وهو يقول:
ــ لاحول ولاقوة إلا بالله.
فتسآلت زوجته:
ــ خير؟ مالذي حدث؟ ماذا قالت غيداء؟
قال وهو يهم بالتوجه لغرفته لتجهيز نفسه للسفر:
ــ لم أفهم شيء..كانت منهارة وتبكي ..تقول أن
مهيمن بحالة خطرة في المشفی ..يجب ن أسرع
بالذهاب إليه.
ــ هل ستذهب وحدك؟
ــ يستحسن أن أذهب وحدي..فلا نعرف مالذي
حدث هناك..ولانريد الفضائح.
ــ فضائح؟ اللهم أستر !
.................................
كانت الأبنتان الوحيدتان للشيخ فالح ، الشابتين
نور وحور ،تجلسان ببهو المنزل ، عندما دخل
والدهما ودلف غرفته بتجهم.
أرتعبت الفتاتان لرؤيته بهذا الصورة وأسرعت
نور لتسأل أمها عن الأمر.
فقالت لها وهي تحاول اللحاق بفالح لمساعدته
بتجهيز ملابسه:
ــ كل ماعرفته أن غيداء أتصلت به وأخبرته أن
أخوها مهيمن بين الحياة والموت وهو الآن في
المشفی.
وأسرعت خلف زوجها.
فعادت نور وألتفتت لأختها لتجدها متحجرة
وتكاد تنفجر بالبكاء ، فتقول لها:
ــ أسمعتِ؟ مهيمن بين الحياة والموت !
ــ مستحيل ! ليس مهيمن ! وكتمت صرختها بيديها
وأجهشت بالبكاء .
فقالت نور متعجبة من ردة فعل أختها:
ــ مابكِ حور؟ ألهذه الدرجة يهمك مهيمن؟
نظرت حور بعيني أختها وأحست أنها ستفقد
سيطرتها علی نفسها وأنفعالاتها وولت هاربة
لغرفتها وأغلقت بابها وجلست علی طرف السرير
تعصر قلبها وتبكي بصمت.
وهربت بها ذاكرتها لزمن بعيد قبل قبل سنوات
كثيرة، حيث كان هناك أبن عمها الشاب الوسيم
الذي كنّت له مشاعر الحب منذ صغرها.
يظهر في الذكری أنها كانت أزغر بعشرة أعوام
من الآن .وكانت تستمع لوالدها وهو يتحدث
لمهيمن ويحاول إقناعه بالبقاء قربهم في الريف.
وكان مهيمن مصراً أن يغادر ليستقر في المدينة
بعد حصوله علی عمل هناك.
وتظهر حور وهي تنظر إليه بعيون متلألأة وقلب
معصور. تتمنی بداخلها أن يبقی معهم أو يأخذها
معه.
لكنه يتجاهل تلك العيون المغرمة والقلب الكسير.
ويودعهم ويغادر.
ينادي عليه عمه قائلاً:
ــ بالسلامة يا ولدي..وسيبقی منزلنا مفتوحاً لكَ
متی ما أردت ..ونور وحور بين يديكَ إن أردت
أن تتزوج أحداهما.
يبتسم له مهيمن ويقول:
ــ تسلم عمي..أنه منزلي بالتأكيد..ونور وحور هما
أختاي الصغيرتان..لكن غيداء لوحدها هناك وهي
تحتاج لوجودي قربها.
ــ صدقت..المهم ألا تقطع وصلنا.
ــ ماهذا الكلام عمي..أنتم أهلي ولاغنی لي عنكم.
ــ فليحفظك الله.
وتنتهي الذكری فيزداد بكاء حور وترتمي بأحضان سريرها.
..........................................
يصل فالح للمدينة مساءاً ويتصل بغيداء ليستدل
مكانها.
وتلتقي به المشفی .حيث لم تغادره أبداً بإنتظار
قدومه.
وبما أن الشرطة تمنع زيارة مهيمن . قرر فالح
الذهاب لمركز الشرطة والأستفهام عن الأمر
ورافقته غيداء.
وصلا المركز وطلب مقابلة الضابط المسؤول.
أستقبلهما الضابط بمكتبه. وبعد تبادل التحية
بينهم وتقديم نفسهما للضابط.
سأل فالح:
ــ سيادة الضابط..هلا شرحت لنا الأمر فأنا وأبنة
أخي نجهل كل شيء.
أجابه الضابط :
ــ القصة أن نسيبكَ المدعو أسحاق أتصل بنا وقال
أن جريمة وقعت بالمكان الفلاني..وأن أبن أخيك
قد تعرض لمحاولة قتل..وحسب إدعائاته فأن
المجنی عليه أتصل به وطلب نجدته وأخبره أن
زوجته المدعوة (مروة...)وعشيقها المدعو( إيهاب)
قد قاما بطعنه بالسكين وولا هاربين.
شهقت غيداء وقالت:
ــ ماذا؟! مروة.! عشيق؟! لا لا ..مستحيل !
وقال فالح : لاحول ولاقوة إلا بالله.
التفت الضابط إليها وقال:
ــ ولماذا مستحيل؟ أوتظنين إنها لن تفعل شيئاً
كهذا؟
ــ لا أدري.. هي كانت ..
ــ كانت ماذا؟ تحدثي وقولي الحقيقية لتنقذي
زوجك..الحقيقة فقط !
ــ هي كانت من النوع الجريء والمندفع ولكن...
لا أستطيع تصورها بهكذا فعل شنيع !
ثم إن إسحاق بريء ..هو يعز مهيمن جداً وصديقه المقرب..لايمكن أن تتهموه هكذا لانه حاول إنقاذه!
ــ علی أية حال..نحن بصدد البحث عن المتهمين
وبأنتظار أن يفيق مهيمن لأخذ أقواله.
وقال فالح:
ــ ألا يمكن أن يخرج إسحاق حتی يتم التحقيق؟
ــ يمكن ذلك..بكفالة مالية.
ــ وأنا حاضر سيادة الضابط.
وبهذا خرج أسحقاق بعد أن كفله فالح .
وقد طلب فالح من الضابط أن يتصل بهم
عندما يصحو مهيمن ويسمحوا لهم برؤيته،
بعد أن أعطاه رقم هاتفه وشكره لتعاونه معهم.
.......................................................
عاد الجميع لمنزل ام أسحاق، وأستقبلهم الأطفال
بلهفة.
وبعد أن جلس الجميع ، تقدم الأخوان ديما ويزن
من عمتهما وسألاها عن أمهما وأبيهما.
فأختنقت غيداء بعبرتها ولم تقدر أن تجيب.
فجرهما فالح من يديهما وأحتضنهما وقال:
ــ إذاً..أنتما أبنا مهيمن؟ أنا أكون جدكما..أبوكما
تعب قليلاً وهو في المشفی..لكنه سيكون بخير
بإذن الله.
فقالت ديما:
ــ وأين ماما؟ لمَ لاتأتي لأخذنا؟
لم تحتمل غيداء الوضع أكثر واسرعت بالهرب
لغرفتها واجهشت بالبكاء. تنهد فالح وقال:
ــ أمكما بقيت قرب والدكما ..لاتنسوا الدعاء
لأبيكما بالشفاء.
أومأا برأسيهما وجاءت أخت أسحاق وأخذتهما
ليتعشيا مع بقية الصغار.
بعدها طلب أسحاق من عمه أن يغتسل ويرتاح
ريثما يجهزوا له العشاء.
ورغم أخباره أن لاشهية له للطعام ،إلا إن أسحاق ووالدته أصرا علی تناوله العشاء .
..........................................
تواصل فالح مع زوجته وطمأنها، لكنه لم يخبرها
بكل التفاصيل.
........................................
بعد أطمأنانها علی حال مهيمن، أعدت هي وأبنتها
نور العشاء،وطلبت منها أن تنادي أختها لتتعشی
معهما.
فذهبت نور وطرقت باب غرفة أختها وقالت:
ــ حور..هيا لتتعشي..أفتحي الباب وأخرجي هيا..
مهيمن بخير صدقيني..لو لم يكن بخير لماكان
بإستطاعتنا الأكل..أخرجي قبل أن تكتشف أمي
سركِ!
ظهرت حور فجأة من خلف الباب وقالت:
ــ أي سرٍ هذا؟ مالذي تقصدينه؟
ــ تعرفين ما أقصده جيداً..أنت لازلتِ مغرمة
بمهيمن رغم كل تلك السنين من الفراق..
ولاتنكري..لقد بدا عليكِ ذلك واضحاً !
ــ إنه أبن عمنا..وعزيز علينا..ولايمكن تقبل
فكرة فقدانه!
ــ أجل صدقتِ..لكنك بالغت بردة فعلكِ..ربما
لم تشعري..لكنكِ بالغتِ !
ــ المهم..هل هو حقاً بخير؟
ــ نعم بخير..أتصل أبي وطمأننا..هيا لنتعشی
خالي موجود هنا..كوني فتاة قوية حتی لاتكوني
أضحوكة أمامه !
وراحت تضحك ، فقالت حور بإمتعاظ:
ــ كفی نور !
وسارت خلفها ووجدتا أمهما وخالهما بأنتظارهما
علی طاولة الطعام.
قال الخال:
ــ وأخيراً أطلت حور..تعالي تعالي..لدي الكثير
من النكات لأحكيها..ولكن بعد العشاء كي لا يقف
الطعام بحلقنا !
إنزعجت لتفاهة خالها الذي يضحك وقلبها منكسر.
فقالت نور:
_ حور اليوم لامزاج لها للضحك.
ووضحت امهما لأخيها:
_ تعرف..البنت حساسة وعاطفية وهي حزينة لاجل
ابن عمها المنكوب.
اطرق الخال قائلا:
_ اعتذر يا عزيزاتي..نسيت امر مهيمن..الله يشفيه.
....................................................
كان الشرطيان الحارسان لغرفة مهيمن يتناوبان
مراقبته. ولاحظ الشرطي أن هناك أصواتاً صادرةً
من جهة مهيمن، فأسرع يلقي نظرة عليه وإذا به
يراه يرتجف ويأن بشدة ويهذي ببعض الكلمات.
فأيقظ رفيقه لمراقبته وأسرع يبحث عن أحد
الممرضين أو الممرضات.
حتی جاء بهم وأحاطوا مهيمن من كل جانب
وبدؤا بمعاينته.فكانوا هلعين بسبب شدة أرتفاع
درجة حرارته.
فقرر الشرطي الأتصال بضابطه المسؤول وابلاغه
بأمر تلفظ مهيمن ببعض الكلمات.
وبدوره فقد أتصل الضابط بفالح وأبلغه بالأمر.
ورغم إنه كان يغط بنوم عميق بعد تعب السفر
والتوتر.إلا إنه نهض وأتصل بإسحاق ليذهبا للمشفی.
..................................................
في المنزل الريفي..
ينام الجميع بهدوء. عدا حور ، فقد كانت تتقلب
بنومها وتشعر كمن يريد الخروج من أعماق البحار
بسبب كابوس راودها حول مهيمن.
.....
في الرؤيا..تری أنها تقف قرب مهيمن وهو يصارع
الألم الذي تفشی بأنحاء جسده، وتنهار لرؤيته بهذا الشكل وتبكي وتمد يدها إليه لكنه يتجاهلها. ويضل
حاضناً نفسه وهو ممدد علی الارض ويأن بشدة.
تفز من الرؤيا مذعورة وينتابها الخوف والقلق على
حال مهيمن، فتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
وتدعو أن تكون الرؤيا خيراً.
ثم تسمع صوت آذان الفجر فتقوم لتتوضأ وتفترش سجادتهاوتصلي صلاتها وتدعو الله كثيراً أن ينجيه
ويحفظه.
......................................................
في المشفی..بعد وصول الجميع..
كان مهيمن يتآوه من الألم ، لكنه كان منتبهاً
وحاول ضابط التحقيق أخذ أقواله فسأله:
ــ مهيمن..أعرف أنك متعب وتتألم لكن يجب
أن تتحدث لنمسك بالمتهم ويأخذ جزاؤه.
فتدخل فالح قائلاً:
ــ عفواً سيادة النقيب..لكن الولد ينازع الألمين..
ونخشی أن نفقده بسبب الضغط النفسي.
إلتفت إليه النقيب وقال:
ــ يجب أن نسحب أقواله قبل فوات الأوان..
فحالته خطرة وسيضيع دمه إن فقدناه قبل
أن يتكلم.
ــ لاحول ولاقوة إلا بالله..أعتذر سيادة النقيب.
وعاد النقيب ليتحدث لمهيمن وسأله:
ــ هل بأمكانك التحدث عن الأمر؟ هل تعرفت
علی المجرم الذي حاول قتلك؟
قال مهيمن بصوت متقطع ونفس يصعد ويهبط
بقوة:
ــ إنها مروة..و..عشيقها إيهاب..كان.. بمنزلي..
تضاربنا فأخذ السكين من ..يد ..الخائنة..وطعنني
بها..ثم هربا..وأتصلت ب..بإسحاق لينجدني.
ــ ولماذا لم تتصل بالشرطة أو الأسعاف؟ لماذا
إسحاق؟
ــ لأن همي..كان..طفلاي..أردت أن أوصيه بهما..
قبل موتي..وتركت الباقي..عليه.
ــ همم حسناً..إذا إسحاق بريء من دمك؟
ــ إسحاق أخي وصديقي.
ــ إذاً تتهم زوجتك وعشيقها بمحاولة قتلك؟
ــ محاولة؟! بل أنهما.. قتلاني وأنتيهت !
ــ هل تعرفت علی المتهم؟
إختنق بعبرته ثم إزدرق ريقه وقال:
ــ إسمه إيهاب محمد..كنت أعتبره صديقي المقرب.
ــ تمام..كن قوياً وقم علی حيلك حتی نكمل
الإجراءات وتأخذ حقك .
بعدها إستأذنهم النقيب. وواصل الممرض عمله
بفحص درجة حرارة مهيمن وقال بعد دقائق:
ــ الحمد لله لقد إنخفضت حراته قليلاً.أعطيته
مسكناً وسينام..بالشفاء.
وغادر الغرفة. فتقدم فالح من إبن أخيه وأمسك
بكفه وقال:
ــ الحمد لله علی سلامتكَ ياولدي.. قلبي معك..
الله يعينك.
ــ الله يسلمك ..عمي.
وقال إسحاق :
ــ الحمد لله علی سلامتكَ..شدة وتزول إن شاءالله.
تنهد مهيمن وأكتفی بالصمت وفي عينيه ألف مشهدٍ
للغدر والقهر والوجع والخذلان.
بعد دقائق..بدأ تأثير العلاج..وتثاقل جفناه وأخيراً
أغمض عينيه.
فقال فالح لإسحاق:
ــ إذهب أنت للمنزل..وسأبقی برفقته دام النقيب
سمح لنا بالبقاء قربه وكذلك الطبيب.
ــ بل سأبقی أنا..فأنت متعب ولم تنم جيداً.
ــ لابأس ..سأنام هنا..إذهب فعائلتك تحتاجك.
إستسلم إسحاق و غادر .وبقي فالح قرب إبن
أخيه المنكوب.
..................................................
كانت حور قد بكت كثيراً وهي تدعو الله أن
يحفظ إبن عمها. حتی غفت علی سجادتها.
.........................................
أما مهيمن، فقد أنتقل لعالم الرؤيا ورأی إنه
يسقط عميقاً في الظلام وكان هناك بصيص من
نور يقترب منه قبل أن يصل إلی القاع وفجأة
يظهر من ذلك النور يد تمسك به وتنقذه..جلس
جاذباً أنفاسه ويری جده المتوفی فيقول:
ــ جدي؟ خذني معك..فلا قدرة لي علی العيش
بعد الذي حدث معي..ليس بأمكاني تقبل مرارة
الخيانة..ولست قادراً علی رؤية طفلاي..فهما
من تلك الخائنة!
ويقول الجد:
ــ كلا لن أخذكَ معي..ستبقی وتواجه مصيرك..
ستأتيك هدية وعوض من الله.فكن صابراً محتسباً..
وحافظ علی الهدية فتسعد.
ــ أية هدية جدي؟ ماذا تقصد؟
ــ ملاك يدعو لكَ ويأخذ بيدك..فلا تفلته أبداً.
ــ ملاك؟
وأنتهت الرؤيا. وفتح مهيمن عينيه ليجد عمه ينام
علی المقعد الموجود بالغرفة.
فيحدث نفسه قائلاً:
ــ أكنت تقصد عمي؟ أم ماذا؟!
ثم اغمض عينيه وعاد إلى النوم مجدداً.
.....................................................
بعد أيام . يتم القبض علی مروة وعشقيها القاتل.
وبعد التحقيق معهما وأخذ أقوال مهيمن وبعض
الشهود، يتم الحكم عليهما بالسجن خمسة عشر عاماً.
وتم أخذ القصاص العشائري بحضور بعض الوجهاء
وعلی رأسهم فالح. الذي ظل مرابطاً لأبن أخيه حتی تشافی،تاركاً عائلته في الريف بعهدته نسيبه عوف
الذي يسكن قريباً منهم.
.............................................................
وبعد مدة..يتماثل مهيمن للشفاء ويعود لمنزله.
لكنه يعود شخصاً آخر !
دخل منزله لأول مرة منذ الحادث المشؤوم .
وكان معه إسحاق وعمه فالح .
إستقبلتهم غيداء التي كانت قد نظفت المنزل
وأعدت لهم وجبةطعام. وحيتهم وعانقت أخيها
وقبلته وهي تتحمد السلامة له.
فقال إسحاق:
ــ علی مهلكِ عزيزتي..فأخوكِ لازال متعباً.
أبعدت نفسها عنه وراحت تنظر إليه متعجبة من
مظهره وهدوءه الغريب، فقد كان يقف متحجراً
وعيناه شاخصتين باللامكان.
لاحظ الجميع ذلك، فأقترب منه فالح وربت علی
كتفه وقال:
ــ الحمد لله علی عودتكَ للمنزل ولطفليكَ
سالماً..وكل شيء آخر يمكن تعويضه.
أنتبه مهيمن من شروده وجلس علی أحد الأرائك
وقال:
ــ مالذي يمكن أن يتعوض؟ شعوري بالغدر ؟
إحتقاري لنفسي؟ ثقتي العمياء بصديقي؟ أم
حيرتي لتقبل طفلّي؟!
قال إسحاق:
ــ مالذي تقوله؟ إنهما طفلاك ومن صلبك..فلا
تظلمهما!
فصاح مهيمن بأنفعال:
ــ ومن قال أنهما من صلبي؟ من يدري منذ متی
وهي تخونني؟!
ــ لاتنسی إنهما يشبهانكَ وهذا خير دليل ! كما
يمكننا أن نجري فحص دم لتتأكد.
تمتم فالح بقول: لاحول ولاقوة إلا بالله.
وقالت غيداء وهي تبكي:
ــ مهما يكن من الأمر..فأنتَ لايمكنك أن تكرهما
وتظلمهما !
وقف مهيمن وقال بيأس :
ــ أرجوكم..قدروا حالتي.. لا أريد رؤيتهم حالياً..
وعن أذنكم سأنام فأنا أشعر بالوهن.
وأتجه لأحد الغرف. فقالت غيداء:
ــ هل ستنام هنا؟
رفع نظره للطابق الأعلی،حيث وقع الحادث، ثم قال:
ــ لم يكن يجدر بي دخول هذا المنزل !
ــ أنه منزلكَ وعليك أن تواجه مشاعرك !
تنهد مهيمن ثم قال:
ــ تصبحون علی خير.
فقال إسحاق:
ــ ألن تتعشی معنا؟ العم فالح بضيافتكَ اليوم.
ــ علی راسي..لكن أرجوكم أعذروني..لاقدرة لي
علی المواصلة..أحتاج للنوم الآن.
فقال فالح:
ــ لاعليكَ ياولدي..خذ راحتكَ فأنا مقدر وضعكَ
وحالتكَ..سأبيت الليلة هنا وسأغادر في الصباح
فالبنات وأمهم لوحدهن هناك.
ــ لقد أتعبتك معي عمي.
ــ تعبك راحة ياولدي..المهم أن تعود مهيمن الذي
أعرفه..قوياً وحكيماً.
ــ إن شاء الله..عن أذنكم.
وسار بخطیً متثاقلة لأحد الغرف وأغلق بابها.
فألتفتت غيداء لعمها وقالت:
ــ أرجوكَ عمي أن تعذره..فأنت تری حاله!
ــ مالذي تقوليه يا أبنتي..فليعينه الله علی
مصيبته..لا يمكننا لومه أو معاتبته علی شيء.
وقال إسحاق:
ــ هيا جهزي العشاء فالعم فالح أكيد جائع الآن.
ثم وجه كلامه لفالح وقال:
ــ أترغب بالإستحمام عمي؟
ــ كلا ..سآكل لقمة وأنام ..وسأغتسل في الصباح
بإذن الله لأغادر للريف.
ــ كما تشاء عمي.
وجهزت غيداء سفرة الطعام. وقالت لزوجها الذي يساعدها بتجهيزها:
ــ حمداً لله إن الطفلين نائمان بمنزلنا..أخشی أن
لا يستقبلهم مهيمن كما يجب !
ــ الله كريم..بإذن الله يحن قلبه عليهم.
ــ آمين !

في قبضة المهيمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن