''قلوب عابرة''
الساعة 7:45 صباحاً، أيقظني ذلك المنبه اللعين ليسرق أجمل لحظاتي كعادته، من ليلة لم تكاد تغفو فيها عيوني. كان يزعجني ذلك الحلم، كابوس الحنين والذكرى. يبدو أن الأقدار قد كتبت سطورها واستثنت قلوبنا، لتعتنق قدراً خاصاً بها. نخرج بأجسادنا من ماضينا، لكن قلوبنا تأبى أن تغادر، إذ يعيدها الحنين مراراً وتكراراً.
نهضت من سريري لأغسل وجهي، ثم ذهبت إلى المطبخ لصنع مشروبي المفضل لعل مزاجي يتحسن. أخذت قهوتي متجهاً إلى جانب النافذة، وضعتها على الطاولة وفتحت النافذة. ربما كنت أرغب في خروج الحزن من هذا البيت، لكن يبدو أن الحزن قد بنى مسكنه في داخلي ويأبى الخروج.
جلست على كرسيي وقررت الاستماع إلى صوت فيروز الذي أحبه. أمسكت بفنجان قهوتي وبدأت أرتشف منه، أحاول الهروب من ما مضى، لكنني أراها في حلمي وخيالي. أشعر أنها بقربي دائماً، يصعب عليها مفارقتي. ما زال طيفها يظهر في كل زاوية، في كل مكان، وحين كانت تحضر لي قهوتنا وتجلس بجانبي وتغازلني.
مضت ثلاث ساعات أو أكثر، ذاكرتي تاهت في النسيان فلا أذكر كم مضى وأنا جالس. قررت الخروج من البيت، فقد ضاق صدري. مشيت في الشارع، أحاول الهروب من عبء الذكريات الثقيلة والبحث عن نسمة تهدئ من اضطرابي.
مشيت في ذلك الشارع الحزين حتى وصلت إلى ماركت، لا أدري ماذا أريد. بدأت أنظر في كل الأطراف، سألني صاحب المحل: "ماذا تريده؟" نظرت إليه بخوف واستغراب، ثم سألته: "هل لديك دخان؟" أجابني: "نعم، أي نوع تريد؟" أجبته: "لا أعلم، أعطني الأفضل."
أخذت علبة السجائر وخرجت مستعجباً مما فعلت، أنا لا أدخن، ما الذي أريده؟ أريد الخروج من الماضي أو النسيان، الطريقة لم تعد مهمة.
تابعت المشي في ذلك الطريق إلى شارع المحبين، مكان أول لقاء كان لنا. قلبي يعتصر شوقاً لما مضى. أمشي متمايلاً لا أستطيع الثبات، لقد أنهكني الشوق والحنين. أمضي في طريقي.
حين دخلت في ذلك الشارع وعلى يميني كافيتيريا، نظرت إلى داخلها من خلف الزجاج. نظرت إلى طاولتنا حيث تعارفنا وبدأت قصتنا هناك. ارتبكت من الحزن ولكن قررت الدخول لأرى ماذا حل في ما تركناه من ذكرى. مشيت إلى الداخل وضعت ما في يدي على الطاولة وجلست. نظرت إلى مكان جلوسها، ما زلت أراها. أرى نظراتها وأرى ابتسامتها الساحرة التي رسمت على خديها. مدت يدي على يديها وقلت بصوت عالٍ بعض الشيء: "اشتقت لكِ". ثم سألتها: "أين أنتِ؟" لم تجب، كانت تنظر إليّ وتبتسم. بدأ من كان في المكان ينظر إليّ، اعتقدوا أنني مجنون. لم يعد شيء كما كان في سابقه، حتى موسيقى ذلك اليوم غيرها الزمان.
كان على الطاولة القريبة مني فتاة تذرف دمعها. يبدو أن الحنين قد غلب على أمرها، تنتظر شخصاً ولكنه لم يأتِ. فضولي دفعني أن أقترب منها وأجلس بقربها. نظرت إليها باستغراب أو نظرت شفقة على حالها، لا أدري. ردت إليّ بنظرات من عينيها المليئتين بالحزن واليأس. سألتها: "ما الذي بكِ؟ أراكِ حزينة." أجابتني بصوت خافض كأن قلبها يرد على سؤالي: "لم يأتِ... كان قد وعدني وقال انتظريني، لن يطول غيابي. لم يأتِ، لم يأتِ..." تعاتب حبيبها. "إلى أين ذهبت وتركتني؟ هل خنتني أم أخلفت ما وعدتني؟ ألم يحن اللقاء لنلتقي؟ أم اكتفيت بعداً وهجراً؟ إني اكتفيت شوقاً وفاض قلبي حنيناً إليك."
تبلكمت شفتاي، ماذا أقول لها؟ حالها كحالي، لم يبقَ في قلبي فسحة لتتقبل المزيد من الحزن وخيبات الأمل. نهضت مسرعاً ومشيت إلى الباب، لكنني شعرت أن الهروب لم يعد ممكنًا.
في زحام هذا العالم، بات الحب كالسلاح في أيدي الجهلة، يقتل من لم يحسن استعماله. لم يعد الحب مجرد شعور نقي، بل تحول إلى أداة تستخدم بلا وعي، تصيب القلوب وتدمي الأرواح. وفي زمن تصادم فيه القلوب وتباعدت الأرواح، أصبح الحب عبئًا على من لا يعرفون قيمته الحقيقية. أدركت أن الهروب من الماضي والبحث عن نسيان قد يكون مستحيلاً في عالم يغرق في سوء فهم الحب، لكنه أيضًا دعوة للبحث عن معنى أعمق لتجاربنا وعلاقاتنا.
لم أنتهي.. يتبع....
أتمنى أن ينال إعجابكم 🙏💜
#محمد_سليمان 📝
أنت تقرأ
"قلوب عابرة"
General Fictionعندما يصبح الفراق أمراً محتوماً، ولا يمكنك الاعتراض، يبقى أمامك خيار وحيد: أن تعيش على أمل اللقاء، رغم علمك بأنه لم يعد هناك لقاء. تبحث في كل مكان، تحول كل شيء إلى ذكرى، وتظل تنتظر ذلك الشخص، على أمل أن يأتي. ويعود بك الحنين والذكرى كلما حاولت النسي...