اللقاء

154 39 35
                                    

محمد سليمان📝:
"قلوب عابرة" 2
صرخت تلك الفتاة إليّ من بعيد تقول: "إلى أين، حتى أنت لا تريد الحديث؟ لماذا لا أحد يريدني؟ ما الذي فعلته لكم؟ لماذا قست قلوبكم؟"

التفتُّ إليها وأجبتها: "لأن قلبي قد أعلن اكتفاءه من الحزن."

رغم أحزاني، لم يرق لي قلبي المغادرة. قررت العودة إليها، لعل وجودي بجانبها يؤنسها قليلاً. خطوت إليها ببطء حتى وصلت إلى الطاولة وجلست على الكرسي بجانبها. سألتني: "هل أنت عاشق؟"

صمتُّ قليلاً ثم أجبتها بنبرة حزن: "أنا غارقٌ في الحنين والذكرى. يمكنكِ تسميتي عاشقاً متعباً قد أتعبه الشوق."

مسحت دموعها بيديها وهي تنظر إلي، ثم سألتني: "وأين هي الآن؟ لم أنت حزين؟"

أجبتها: "حزينٌ على فراقها، لأنها تركتني وحيداً بدونها. ولكن ما يبعث الأمل في قلبي أن ذلك الفراق لم يكن بإرادتها، إنها مشيئة القدر، لم تكن مشيئتها ولا حتى مشيئتي. ما زلت أذكر آخر لحظاتنا حين قالت لي: لن أعود حتماً، لكنك في قلبي لأنك وتينه. سنلتقي بعيدًا عن هذا العالم ولن يفرقنا شيء."

ابتسمتُ ابتسامة حزن وقلت لها: "في وقتٍ لاحق سأحكي لكِ." لم تتوقف عن إصرارها وإلحاحها. قلت: "نلتقي هنا في هذا المكان غدًا أو بعد غد. متعبًا، لم أعد أحتمل المزيد."

نهضتُ من على ذلك الكرسي وقلت لها: "سررتُ بمعرفتك." أجابتني: "ولكن لم نتعرف بعد." فأجبتها: "إذن في لقائنا الثاني."

خرجتُ من هناك وأكملتُ طريقي بين ضجيج المدينة وأصوات الباعة. كنت أمشي بتثاقل، فلم أعد أجيد المقاومة. وكان فصل الخريف قد بدأ، أوراق الأشجار تتساقط، وبين الحين والآخر تأتي غيمة من بعيد لتهطل أمطارها وتسقي الأرض لتحيا. أتساءل: قلوبنا ما الذي يسقيها لتعيش حياتها؟ كم أتمنى أن يكون لدينا فصل في السنة مثل فصل الخريف، تتساقط فيه أحزان قلوبنا وتلبس ثوب فرح، هل يمكن ذلك؟

وفي تلك اللحظات مررت بجانب مطعم فلافل صغير وبدأتُ أشعر بالجوع. معدتي بدأت تصرخ كي أطعمها. أردت أن أكمل طريقي ولكنني لم أستطع، فعدت إلى الوراء ودخلت إلى ذلك المطعم. طلبتُ ساندويش فلافل ومددت يدي إلى جيبي لأخرج النقود، لكنني لم أجد محفظتي. أين أسقطتها؟ لا أدري. خرجت من المطعم، صرخ لي البائع: "أين ذاهب؟ لم تأخذ طعامك!" لم ألتفت إليه، ولم أبحث عن محفظتي، قررت أن أمضي في طريقي دون التفات إلى الوراء.

ما زال يأخذني الحنين ويمضي بي، لا أدري إلى أين أذهب. إلى أين تأخذني أقدامي وتجري بي؟ أمضي دون توقف، أصبحت المسافة بعيدة بعض الشيء. لم يتعبني السير، فقد فتكت في قلبي حرب الذكرى والواقع. "إنني على أطراف المدينة، أنظر إليها من بعيد. أرى الحزن الذي يملأها حتى جدرانها. أشعر أنها تصرخ لمن عبروا من هناك وكتبوا أسماءهم: أين أنتم؟ ماذا حل بذلك العشق؟"

كنا كالروح الواحدة في جسدين. حين تشعر روحنا بالتعب، نمشي مسافات، يدي بيدها، تضع رأسها على كتفي. لا نحسب كم مشينا، كلٌ منا وطن للآخر. أكتفي بقربها وتكتفي بذراعي، وطن تلجأ إليه.

وها أنا الآن قد وصلت إلى المكان الذي تسكنه نصف روحي، أجل، حيث دفنت فقيدة قلبي. وقفتُ أمام قبرها منهارًا، دمع عيوني يحاول الخروج، أحاول منعه بكل كبرياء. أقول: "لا، لن أبكي، لا." ثم أسألها: "أين أنتِ؟ لماذا ذهبتِ؟ هان عليكِ فراق قلبي؟ أريد أن أكون معكِ، سأأتي إليكِ، لن يطول هذا الفراق، أجل، لن يطول." أنهار باكيًا وأقبل مكان رقودها وأقول لها: "سنلتقي يومًا بعيدًا عن هذا العالم كما وعدتني، ولن يفرقنا شيء ولن تبقى نهاية." ثم غادرتُ المكان.

قررت الذهاب إلى المنزل لأول مرة أعلم وجهتي، أجل، لم ألتقِ بها ولكنني شعرتُ بوجودها. وضعتُ يدي على قلبي وقلت: "أجل، وأنا أحبكِ كثيرًا."

أمضيتُ طريقي حتى وصلت إلى البيت. فتحتُ الباب ودخلت، أشعر بجوع شديد وكأنه جوع شهرين أو أكثر. دخلت إلى المطبخ وأحضرت ما وجدت من طعام في البراد. أنهيتُ طعامي وكان الوقت قد أصبح متأخرًا وحان وقت نومي بعد يومٍ حزين ككل أيامي بعد فراقنا. أشعر أنني سأنام، سأستطيع النوم لليلة واحدة لن يزعجني ذلك الكابوس. لا أدري لماذا هذا الشعور. هل يملك أحد منكم الإجابة على سؤالي؟

لم أستطع مقاومة النعاس لأول ليلة، حتى أنني لم أدخل إلى غرفتي. أخذني النوم عميقًا حين استلقيت على تلك الأريكة. أصبحت الساعة الثانية وعشرون دقيقة وأنا ما زلت غارقًا في نومي. ذلك المنبه اللعين ليس بجانبي ليوقظني. لسوء حظي، رن هاتفي. في المرة الأولى لم أجب، في المرة الثانية قررت النظر من المتصل، فوجدته رقمًا غير مألوف بالنسبة لي. فتحت المكالمة، صوتٌ رقيق، إنها فتاة. قالت لي: "مرحبًا." أجبتها باستعجاب: "أجل، مرحبًا." قالت: "لم تذكرني؟" أجبتها: "لا أذكر صوتك، من المتكلم؟" أجابتني: "أنا فتاة الكافيتيريا، تلك الفتاة التي وعدتها بلقاء غدًا!" قلت: "تذكرتك، أجل، ولكنني لا أذكر أنني أعطيتكِ رقمي." أجابت: "لم تعطني إياه ولم تعطني اسمك. وجدته في محفظتك التي نسيتها على الطاولة.

في البداية لم أحاول فتحها، ترددتُ، ولكنني ظننت أنك لا تريد مقابلتي، قررت البحث عن وسيلة لتواصلي معك. وجدت ورقة كتب عليها رقمك في محفظتك. والآن، هل ستقابلني وتحكي لي تلك القصة؟" ابتسمت وأجبتها: "حسنًا، لنلتقي." سألتني: "في أي ساعة؟" أجبتها: "في أي وقتٍ تحبين." قالت: "في الساعة السادسة مساءً." قلت لها: "حسنًا، إلى اللقاء." وأغلقت الهاتف.

---قلوب عابرة
لم تنتهي يكمل .....يتبع ....
أتمني أن ينال إعجابكم 💜
#محمدـسليمان📝

"قلوب عابرة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن