الفصل 10|قمريَّة!

2K 147 18
                                    

نظر هارولان خلفه مشيحًا عن أزواج الأعين التي تعلقت بطلته المهيبة، و مدَّ يده قائلاً بحزم:

"ستكتشف المزرعة في وضح نهار الغد، الآن... لندخل!".

إندست داخل قبضته الخشنة أصابع صغيرة، ثم برز وجه لطفل جميل لا يتجاوز سنه الرابعة و النصف، و كان ذلك إبن أخته الوحيد لِيونارد كينغ، أو كما يحلو لخاله مناداته تدليلاً «لِيو»...

و دون وعي منها، وجدت كاساندرا نفسها تبتسم لملامح الطفل البريئة، ملاحظة مدى الشبه الكبير بينه و بين خاله!

لم يكن أي منهما بحاجة للحديث عن علاقته بالآخر، فقد كانا بإختصار أبًا و إبنه، الشكل نفسه، و الحركات ذاتها، حتى شعرهما الأسود الحريري كان متطابقًا في التصفيفة بشكل يُعجَبُ له!

علاوة عن ذلك، أكدت لغة جسديهما أن كلا منهما يعني للآخر و يعتني به، فرغم جمود وجه هارولان و عدم إبتسامه مُذ حضر، إلا أن الإهتمام بإبن ٱخته كان يقفز من عينيه الداكنتين، و هو يتابع تحركاته عن كثب! كما أن لِيو لم يكف عن مدح خاله في كل عبارة، كأن كل الدنيا تقف على رمشه الأسود، و إن هو حرَّكه... تنتهي الحياة!

خلصت التحيات، و أسرعت الخادمة سيسيل نحو مطبخها لتتأكد من جاهزية وجبة العشاء الخاصة التي أعدتها على شرف الضيفين كينغ، بينما تنحى الكلُّ جانبًا مفسحين المجال لهما كي يلجا الصالون، و يجلسا على إحدى الأرائك.

و من جانبها كانت أوفيليا قد صافحت الضيفين عند المدخل بكياسة و خجل، ثم أشرق وجهها حين سألها هارولان كيف حالها، فنست نفسها من فرط الإعجاب و الحماس، و خيَّمت فوق ذراع الأريكة الأيسر حيث جلس هارولان بكامل وقاره خالعًا قبعته، كأنها بذلك تحاول حفظ قسماته الجادة و تعداد كم خصلة سوداء تغطي رأسه الوسيم، و لولا حمحمة روي و هو يجلس حنجرته و يوجه لها نظرات جاحظة دلَّت على تحذيره الضمني، لما تزحزحت أوفيليا من مكانها أبدًا!

على أن هارولان و رغم حدة طبعه، و ضيق صبره مع الغير، و سرعة إنفعاله عادةً حين يحشر أحدهم أنفه بحياته، إلا أن تجربته الطويلة مع إبن ٱخته جعلته واسع البال نوعًا ما مع تلك الفتاة الأمريكية العفوية، أجاب كافة أسئلتها المتعاقبة بهدوء، و وصف لها مزرعته الشاسعة على أرض كينغلاند بإفاضة، ثم مضى بغير إنزعاج يحدثها عن قطعان بقر الغضب الأسود المتوحشة التي لا يمتلكها أحد سواه على وجه الأرض!

كانت عينا أوفيليا تبرقان بغبطة و حبور في ذيل كل عبارة ينطقها الضيف المميز، فيما كان روي يبتسم بخفة و هو يراقبها، و من هناك لم تشعر كاساندرا بنفسها إلا و هي تراقب الجميع من طرف خفي، و تفقد السيطرة على بصرها الذي نسي كل وجه هناك فجأة و علق بشفتي روي المنفرجتين في تلك الإبتسامة الصافية! كأنه كان يتأمل أكثر مشهد يمكن أن يثلج صدره!

أرض كاساندرا|𝕿𝖍𝖊 𝕷𝖆𝖓𝖉 𝕺𝖋 𝕮𝖆𝖘𝖘𝖆𝖓𝖉𝖗𝖆حيث تعيش القصص. اكتشف الآن