لقد تجلَّت الأخت الكبرى كروحٍ تمزج بين حنان الأمومة وفطنة الحكمة، مستعينةً بتبصّرها الواسع وذكائها، فاستطاعت أن تُذلِّل عقبةً صغيرة تفرّقت على إثرها قلوب أخواتها الصغار. تارةً تُسدي النصح لمنى، وتارةً أخرى تتوجّه إلى نالا، مؤكدةً لهما برفقٍ أن ما يربط بين قلبيهما محبةٌ لا يتطرق إليها شك ولا يعتريها ضعف، ولمّا انعقدت تلك الجلسة الهادئة في الصالون الفاخر، قالت سامية بنبرةٍ تفيض بالابتسامة:
_خلاص بقى يا منى! خلاص يا نالا! احنا ملناش غير بعض، مينفعش نعمل في بعض كده أبدًا!إلا أن الأب، الذي لا يُطيق قلبه أن يرى أبناءه وقد خيّم عليهم ظلّ هذا الشقاء، تقدم إليهما بقلبٍ يفيض حدبًا، وقال لهما بصوتٍ تخنقه الأحاسيس الأبويّة الصادقة:
=أنا مش عايز أزعل حد فيكم مني! ياريت تتصالحوا على بعض واللي حصل ده ميحصلش تاني!رفعت سامية بصرها نحو والدها، وقد ارتسم على وجهها هدوءٌ يبعث على الطمأنينة، وقالت له بصوتٍ يملؤه الثبات:
_لا خلاص يا بابا اطمن، مش هيتكرر تاني، منى ونالا عرفوا غلطهم ومش هيكرروه تاني!=ياريت أتمنى.
نظر الأب إلى ابنتيه بعينين تشعّان حزمًا، وقد عزم على وأد الفجوة بينهما، فأمرهما بالصلح بنبرةٍ لا تقبل التردد ولا تحتمل التأجيل، قائلًا بحسمٍ يفيض سلطةً:
_قوموا يا بنات بوسوا بعض!رفعت نالا بصرها إلى منى بترددٍ يشوبه مزيج من الخجل والتصالح، ثم لم تلبث أن تقدّمت نحوها ببطء، فالتقت ذراعيهما في حضنٍ دافئ أعاد للحظات الودّ دفئها. أمالت نالا رأسها وقبّلت جبين منى بنعومة، وهمست لها بصوتٍ غلب عليه التأثر:
_حقك عليا يا منى، بجد i'm so sorry.=انا اللي أسفة يا نالا، انتي برضة أختي وغالية عليا أوي.
ارتسمت ابتسامة عذبة على وجه أم قمر الدين، وقد أثلج صدرها مشهد الصلح الذي أشرق بين فتياتها كفجرٍ بعد ليلٍ طويل. نظرت إليهما بفرحٍ يعكس سكينة قلبها، وقالت لهما بسرورٍ كمن وجد ضالته بعد طول انتظار:
_برافو عليكوا يا بنات، شطورين، ربنا يخليكم لبعض يارب.ارتسمت البشاشة على شفتي باسم، وانعكست فرحته على ملامحه، وكأنه قد وجد في هذا الصلح ما يسرّ قلبه ويثلج صدره. تطلّع إليهم وهو يتساءل بنبرةٍ دافئة تتخللها ابتسامة جسيمة:
_يعني كده خلاص قلوبكم صافية لبعض؟أجابت منى والدها بنبرة يملؤها الاطمئنان، وقد شعّت في عينيها بوادر السكينة، مؤكدةً له أن خلافها مع نالا قد ذاب وانصهر، لتبقى بينهما أواصر المودة راسخةً كجذور شجرة قديمة:
=Of Course يا بابي، نالا أختي الصغيرة ومقدرش أزعل منها!أطلقت أم قمر الدين ضحكة دافئة ملأت أرجاء الصالون، وقد غمرتها السعادة برؤية الصفاء يعود إلى قلوب بناتها. نظرت إليهما بعينين يكسوهما الحنان، وقالت ببهجةٍ خالصة تعكس فيض فرحتها:
_يا روحي عليكم، هتتحسدوا.
أنت تقرأ
رواية أم الديب الجزء الثالث
Humorتهرب باحثة عن ملاذٍ في السفر، ساعية وراء راحة بعيدة عن عائلتها التي تظن أنها جذر معاناتها، بينما الحقيقة أنها هي منبع كل أزمة في حياتها. تحمل في عودتها مشروعًا لجني الأموال، وكأنها تقود طائرًا جريحًا إلى قمة برج الثراء. لكن رحلتها تصطدم بواقع جديد:...