الفصل الحادي عشر

0 0 0
                                    

غمرت السعادة العارمة حياة نعمة بعد أن تدفقت إلى مسامعها كلمات جلال الموحية بحمل ليالي، وكان الفرح كالنور المتوهج يفيض من حولهم ويغمر الأجواء بحسٍّ من البهجة. نعمة، بقلبها الأبيض الذي ينبض بالحب الخالص للناس، لم تعرف للضغينة طريقًا، على عكس والدتها التي كانت تخفي في سريرتها نوايا سوداوية تجاه الجميع، تقتات على مرارة الحقد. أما أم الديب، فلم يكن للخبر وقع السرور في قلبها؛ بل زادها حنقًا، إذ بدا لها وكأن ليالي حملت بخبث مقصود لتُقيد جلال إلى جوارها وتضيف ثقلًا جديدًا على كاهل الرجل المرهق بالمصاريف. اقتربت نعمة بخطوات تحمل دفء المحبة نحو صديقتها العزيزة، واحتضنتها بحرارة، وهي تقول بفرحة صادقة تنساب من قلبها:
_بجد والله يا ليالي؟

ليالي بتَجَهُّم:أيوه يا نعمة.

نعمة بسرور: مبروك يا ليالي يا حبيبتي.

ليالي بعُبُوس: الله يبارك فيكي يا نعمة.

وسط سيل التهاني التي كانت تنهمر من شفاه نعمة على مسامع ليالي، اخترقت أجواء الفرح صرخة حادة من أم الديب، معبرة عن اعتراضها الشديد على حملها بطفل ثالث بعد أن رزقت بطفلين. بدت وكأنها تتعمد البحث عن الذرائع والمشكلات من العدم، لتثير الزوابع بدلًا من أن تشارك في تهنئتها. دارت الكلمات بينها وبين ليالي في حوار أشبه بمواجهة مُحملة بنبرة ساخطة:
_ايهي مبروك على إيه يا بت منك ليها؟ مانتي خسرانة إيه يا ليالي؟ مانتي مش راحمة ابني، ونازلة مصاريف عمال على بطال وكمان مش عاجبك رايحة تحبلي، هيصرف على تلات عيال ازاي يا مخفية؟ مانتي كل اللي يهمك نفسك، بدل ما تنزلي تشتغلي وتتمرمطي عشان تساعديه في البيت... لا شغالة زي المكنة، مانتي موراكيش غير الخلفة، كل كام سنة جايبالنا عيل، يا عيني عليك يابني بختك مايل هتلاحقها على مين ولا مين؟

ليالي بسُخط: ليه هي دى حاجة بمزاجي ولا إيه؟ ده أمر ربنا مفيهوش نقاش، وإن كان على الخلفة فالمفروض تفرحي إن مرات ابنك أرض خصبة، أنا عمري ما شوفت كده، إيه ده؟

أم الديب بصياح: اسمعي يا بت، من بكرا تنزلي تخدميني مادام انتي فالحة أوي كدهو في الخلفة، اتشمللي وانزلي ساعدي حماتك الغلبانة اللي مش لاقية حد يساعدها.

ليالي ببرود: عيالك أولى بيكي.

أم الديب كانت لا تريد سوى تعقيد حياة ليالي، واعتقدت بكل قناعة أن ليالي تتمتع بصحة حديدية وقدرة لا تنضب، تستطيع من خلالها الحمل تكرارًا دون كلل، وتتحمل مشقة تنظيف الدار مرارًا وتكرارًا بلا انقطاع.

في عيني أم الديب، لم تكن ليالي سوى خادمة وضيعة، تزوجها ابنها لا لشيء إلا لتلبية رغباتها وتخفيف عبء الحياة عنها. ولكن بعد أن غمر الصمت أرجاء المكان ووقف جلال متأملًا للحظة، ما لبث أن انفجر سخطه المكتوم. بدا وكأن شيطانًا جبارًا قد استولى عليه، فتحول من زوج هادئ إلى وحش كاسر، وراح يصرخ بأعلى صوته، قائلًا بنبرة تقطر بالرفض:
_اطلعي يا ليالي، لو هتعملوا حوارات تاني آني ههد الدنيا فوق دماغكم ومش هيهمني حد!

رواية أم الديب الجزء الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن