الفصل الاول

13 4 4
                                    

مَن يداوى جرح القلب يا سيدي؟؟ من يمسح دموعا لا تنتهي!!! من يربت على كتفنا و من يعيد الابتسامة الى وجوهنا الشاحبة  من يمسح دموعنا من يروى الحكايات قبل النوم؟! من يطمئن علينا في الليالي الباردة!؟
لقد فقدنا أغلى ما نملك لقد فقدنا القلب فهل نعيش دون قلوبنا؟!! نعيش جثثا نعيش موتى!! لقد عشنا كبارا في الطفولة يا سيدي كبرنا و نحن اطفال حملنا على ظهورنا ما لا يحمله الرجال اصبحنا رجال من الحياة القاسية و رأينا الوجوه العابسة و سمعنا الصراخات و الكلمات الشاتمة !!!
لقد نمنا على بلاط ارصفة الشوارع الباردة دون لحاف ينخر البرد في عظامنا و يلتهم الجوع اجسادنا لقد هاجتمتنا الكلاب الضالة
لقد أكلنا فتات الخبز اليابس و شربنا ماء البحر المالح لقد مرضانا ولم نجد أحدا لقد نمنا جوعى و عشنا موتى!!!
لقد بكينا والأطفال يضحكون لقد ركضنا إلى العمل بحذاء بال ولم نركض للعب في الساحات! انطفئت عيوننا و غزت التجاعيد وجوهنا رغم صغر سننا و اصبحت ايدينا خشنة ووجوهنا شاحبة عابسة كبرنا قبل ان نكبر!
لقد عشنا أيام مرة من يحمل عنا الجبال يا سيدي؟؟؟!! من يضمد الجروح في قلوبنا المنكسرة من يرجع القلب لنا ؟! من يرجع الضحكة من يرجع الطفولة التي لم نعشها ؟؟!!!
لستم أنتم يا سيدي بل الله!
يعوضنا خيرا و يجبر خاطرنا و يصبرنا على مصائب الحياة
قرأت هذه الخطبة على  الناس قبل ايام كانت خطبة مؤثرة جعلت معظم النساء  يبكون و الرجال يحزنون و يلومون أنفسهم على تعاملهم مع الفقراء و كانت هذه الجمل التي كتبت قالها الآلاف الفقراء في سفري
-------
هل تعرف ما هي احلامنا ؟؟ هي سقف يحمينا من البرد و سرير دافىء و طعام هي روتينك اليومي!
—---------
لم يكن هناك قمر في كبد السماء كان الليل حالكا مظلما كما في قلوبنا التي اشتاقت الى الشمس ان تشرق بها مجددا ، كان ليل  ليس به نجوم ليس به نور !  السماء شاحبة كأن بها مرض و مبلدة بالغيوم الضبابية   تحمل الامطار داخلها البيوت مطفأة و الجوعى ينامون على ارصفة الشوارع الباردة و الاغنياء يتذمرون على الاسرة الدافئة! كانت ليلة مظلمة تطير بها الطيور كأنها هاربة من امر ما و  تتلاطم به امواج البحر و تتخبىء بها الكلاب الضالة في أزقة الشوارع الرياح غاضبة هائجة تقذف أوراق الأشجار المجعدة الممزقة على الأرض الباردة دون رحمة و تضرب نوافذ البيوت بعنف كأن هذا الليل يعيش معنا الألم و الغضب!!
خرج من الكوخ الخشبي رغم البرد الشديد و وذهب إلى الغابة يقطع الأشجار الضخمة كان نحيل الجسد و لكنه قوي رغم نحول جسده وجهه ضيق فهو لم يأكل منذ ايام كان يشعر بالبرد يجمد أضلعه يشعر بأنفاسه الباردة يشعر برجفة بجسده يقطع الأشجار الضخمة الباسقة بيده العاريتين الباردتين المليئتان بالخدوش يمسك الفاس و يضرب به الأغصان حتى يشعل النار لاخته حبيبة قلبه
مسح عرق جبينه بيده نظر الى البيوت  سمع ضحكات الأطفال و اصوات الحكايات ابتسم بسخرية و اكمل سيره تسأل هل يعرف الاطفال النعمة التي هم بها؟! راى ولد صغير  يخدم اسرة لها ولد بنفس  ابنهم   فقال آه الا يوجد في قلوبهم رحمة هذا الولد بعمر ولدهم ! اعانك الله يا صاحبي قال غيث بحزن و هو ينظر الى وجه الفتى الشاحب و الغبار الذي مليء وجهه و حجب ملامحه
------
صحت بالناس و قلت لهم ايها هالناس
هل نعرف نحن النعمة التي نعيش بها سقف يحمينا و الالاف من الأطفال بالخيام الباردة او على بلاط الشوراع يرتجفون و يسمعون اصوات الكلاب المخيفة و نحن في اسرة دافئة في مكان هادىء مريح نشعر بالدفىء فلما لا نحمد الله و نشكره على هذا الدفىء تلك النعمة الكبيرة التي لم نعد نشعر بها متى ندرك اننا نعيش حياة هي احلام طفل صغير عاش الفقر و لم يعرف الدفىء
متى نفرح ان لدينا سريرا و طعام و عائلة  ؟
كنت وقتها احضر هذه الخطبة كنت اعيش في مدينة ماك و لم اصل الى تاك حيث يوجد غيث و لم اعلم قصته المرة و المؤلمة بعد!
---------
ادار غيث ظهره و  اكمل سيره كان اسود الشعر كالليل الحالك و عيونه خضراء كأنها حديقة تحيط بها الاسوار السوادء و قريبا ستذبل اوراق تلك الحديقة و ستبتل اسوارها !
يرتدي ملابس بالية قديمة و حذاء كبير على قدمه يزعجه عند سيره و لكنه اعتاد عليه مع مرور الايام كان يعيش غيث بالشارع حتى استطاع بفضل الله ان يستأجر كوخ صغير لمدة بسيطة
عندما رجع الى اخته نور راى وجهها شاحبا عيونها غائرة شفتها مشتققة لم يسمع ضحكتها المجلجلة و لم يرى فرحها برجوعه كما كانت تفعل دوما!! كانت مجرد ابتسامة منها تنسيه تعبه
اين تلك اللمعة التي كانت دوما في عيونها المطفئة الان ؟!لقد كانت تتنظره عند الباب دوماً و لكنها اليوم لم تقم من سريرها  !
نظر الى وجهها الابيض كاللون الثلج البارد و عيونها التي تشبه الزهرة الذابلة و شعرها الفوضوي البني الذي ينسدل على كتفها وهي تنظر إليه وترتجف بقوة وتقول بارهاق و بما تبقى من صوتها أخي  أنا أتألم اشعر بالبرد اشعر بالبرد !!
فامسك يدها فشعر كأنه يمسك جليدا بيده كانت عيونه متحجرة لا تتحرك من هول الصدمة و الخوف و هو ينظر اليها حاول حبس الدموع في عيونه و لكنها فاضت من عيونه و  تقاطرت على خده
فمسحها بسرعة شديدة قبل ان تراها كان يجب ان يكون قويا انه اخوها الاكبر انه السند انه عكاز البيت اذا بكت يجب ان يسمح دموعها لا يبكى معها!
ارتجف كأن زلزل زلزل جسده عندما تذكر امه كانت باردة باردة جدا لقد كنت يد امه باردة مثلها قبل ان تموت بدقائق!!
قال لها  بقلق انتظرني سوف احضر لك شيء يدفئك فقالت اشعر انني اموت يا اخي!
فصرخ بها  بغضب و حدة اصمتي! نظرت الى عيونه كانت حمراء من الدموع المحسوبة بها فشعرت بالحزن و قالت انا اسفة ! فقال
لا تقولي هذه الكلمة مرة اخرى
و  باشر يضع الحطب ويحاول أشعاله حتى يدفئها و قرب سريرها من النار الدافئة قليلا خوفا من تتحرق الاقشمة التي وضعها عليها
كانت حزينة فقال لها سوف اخذك للمدرسة قريبا ابتسمي يا نور
فابتسمت  ابتسامة امل متعبة كسرت قلبه ابتسامة تحمل في داخلها الم لا يحتمل دمعت عيونها و هو تتبسم ثم قالت انت افضل اخ انت لي كل شيء انا الان اشعر بالدفء كان تقصد قلبها و ليس جسدها المتجمد  بالطبع!! قبل ان  تسعل دما بقوة شديدة لم يصدق ما يراه  تقاطرت الدماء على السرير و الاقمشة و تقاطرت دموعه مع دمائها  فشعر كأن قلبه سيخرج من محله اصبحت دقات قلبه واضحة تدق بعنف كأنها تعلن الحرب عليه دون رحمة
—------------
كان الجميع نيام ،البيوت مطفأة و الكلاب الضالة في  الشوارع و الطقس بارد و الرياح عاصفة و لكنه غادر البيت و ركض دون توقف  عيونه متسعة من الخوف كان يشعر بالالم بكل جسده كان ووجهه شاحب وضيق من الجوع ملىء بالخدوش التي تركتها الحياة الموجعة والقاسية عليه رغم انه كان شابا صغيرا عمره ١٧ يديه ترتجفان من الالم قبل البرد الذي جمد اضلعه! وقلبه يتحطم و دموعه تشق خده كالرعد ركض بأقصى سرعة كأنه يركض من وحش يلاحقه كان وحش الموت و  كان اسرع منه و كان يلاحق حبيبة قلبه!!!
دمعت عيونه وهو يقول مع نفسه انتظرني!!  اخوك لن يتركك.. اخوك … اخوك بجانبك اخوك معك… اخوك يحبك ارجوك لا تتركي... أخوك وحده!
طرق الباب بقوة و دون توقف كأن الوحش يريد أكله وهو يريد ان يحتمى بهذا البيت و يصرخ افتح سيدي افتح ارجوك!!!
ففتح له الطبيب كان وجهه مجعدا متهجما كأنه ذئب مفترس وهو يصك على أسنانه حتى كاد يدميها و يقبض على يده وينظر إليه بحدة و عيونه يطير الشر منها و قال بغضب شديد  كيف تطرق بابي بنصف الليل أيها هالمتشرد الحقير انصرف!!! فقال الفتى بتوتر و تعلثم
أرجوك... أرجوك ..سيدي ... أنها تموت!
ابتعد أيها هالاحمق اللعين!
سيدي  اختي تموت.. ..  سوف أعمل عندك طول حياتي... فقط... عالجها!! قال و الدموع تغرق عيونه التي ذبلت اوراقها!
اخرسس و انصرف اتى هذا الصوت و دوى في اذنه كان بمثابة صفعة موجعة و أمسكه الطبيب من ياقة قميصه المهترئة و هو يصرخ في وجهه كالمجنون ابتعد عن منزلي ايها هالمتشرد  ورماه على الارض الباردة بقسوة شديدة فشعر بالالم شديد بظهره وبرأسه و صرخ صرخة مكبوتة حاول كتمها بكل جهده و قد بدا راسه بالنزيف لكن وجعه وحزنه على اخته انساه المه ألم الصحراء اهون من الم الحمم! نهض مرة اخرى وهو يقول بغضب شديد والدماء تنزف من راسه  تعال معي !
فقال الرجل بغضب  ما الذي تريده مني هل تظن انني درست ٥ سنيين لاعمل مجانا؟؟!!!
ارتجتف الفتى كان زلزالا زلزل جسده وشحب وجهه وذبلت عيونه المتجمدة نحو الرجل وهو يصرخ كالمجنون اختتي تموت انها تتألم!!! تعال معي!!! سوف اقتلك ان لم تأتي لا اريد ان افقد كل شيء تبا منكم !!
فاضت الدموع من عيونه الخضراء لامعة و كانت النيران تشتعل بها
لقد تبدلت لمعة عيونه الى نيران!
فقال الرجل بسخرية وغضب تقتلني؟؟!! تقتلني ايها هالسارق المتشرد؟؟ وبدا يركل بطنه دون رحمة فانقض عليه الفتى و لكمه  و هو يمسك رقبته و يخنقه فقال الرجل اتركني انا اموت! فقال الفتى تعال معي اولا
فقال الرجل سوف .....اذ..هب اعدك!
و عندما تركه الفتى صرخ انقذوني مجرم.. مجرم يريد قتلي
سمع الجميع صوت صراخ الطبيب الذي انتشر صداه في المدينة فأتى الناس يقولون ما الامر ما الذي فعله هذا الفتى!!..يريد قتل الطبيب...مجرم قال اخر …متوحش ... فقال الطبيب  إنه يطرق بابي بنصف الليل لقد اراد قتلي لقد ضربني على بطني و خنقني انه مجرم ..مجرم  اهدأ اهدأ أيها هالطبيب نظروا الى الفتى و فقال احد منهم لماذايفعل ذلك هذا الفتى جيد و لم يسبق ان سرق؟؟
أنه يريد مني أن أذهب بنصف الليل وأعالج أخته مجانا!!
فصرخ الفتى بحرقة وبما تبقى من صوته ليس مجانا!! ليس مجانا !!!سوف أعمل عندك طول حياتي!! فقط أريد أن تعيش! فقط أريد أعيش!!!!!!
حتى ظهر رجل توسط الجميع عيونه جامدة  يوجد بها لمعة كان لديه هيبة كأنه ملك يتقدم شعبه كانت نظراته حانية رغم ما تركته السنين من حزن و  قسوة على وجهه  يرتدي ملابس غالية الثمن  بينما يضع ساعة ذهبية مرصعة بالجواهر الثمينة توجهت العيون نحوه باحترام و توقير ثم قال بصوت  كأنه خرج من بئر قديمة أيها هالطبيب اذهب وعالج أخته!! خد رمى له نقود على الأرض فنظر إليه الطبيب و قال بلطف حسنا سيد سيف مع أن هذا الفتى  لا يستحق ولكن فقط من اجلك
ذهب الفتى مع الطبيب إلى اخته اتى اليها سعيدا يبتسم بأمل و دموعه تسقط على الارض امسك يدها كانت كالحجر لقد جفت الدماء على ملابسها و جفت الدموع على خدها تنطاحت الذكريات في راسه شعر بأنه تنهدم امامه كما تهدم الرياح قصور الرمال
اراد ان يصرخ و لكنه شعر بالالم يعتري حنجرته شعر كأن هناك زجاج بها
وكان باردة كالثلج  نظر الطبيب إليها وقال عندما راى وجهها الابيض الشاحب و امسك رقبتها لقد ماتت! لا لا هذاا سببك سببك لقد كانت تتنفس كان تعيش!!!! ماتت! لم أسمع ضحكتها كنت احبها كانت تحبني كانت اختي كان كل شيء لقد قتلتها لقد قتلتها  من يرجع الحياة الآن لي من يرجع اختيي!!!
نظر اليه الطبيب وابتسم ببرود وخبث وقال  لا تخف قريبا ستلحق بها
ايها هالمجرم!!!!! شعر الفتى بنيران تتشعل في صدره كانت عيونه وحدها كافية لتعرف حزنه ووجعه و غضبه دموعه المتحجرة على سقف عيونه تعلن جرح لن يشفى و ألم لن ينسى تعلن تحطم القلب و اختفاء القمر و ظلام الليل من يحمل عنا الجبال من يضمد جروحنا من يعيد القلب لنا؟؟
امسك عصا كان يكنس بيت الكوخ بها وانقض على الرجل كالاسد الذي وجد فريسته يضربه على بطنه سوف اريك ايها هالمجرم امسك عصا وضربها بجسده و على رقبته والرجل يحاول المقاومة وهو يمسك إبرة يريد حقن الفتى بها ولكن اتت ضربة قوية لقدمه جعلته يصرخ توقفف و  غيث يكمل ضربه حتى وصل الرجل سيف الذي كان يريد الاطمئنان على اخت غيث فسمع صراخ الطبيب فركض  اليه و راى الفتى فصرخ به توقف توقف!!!
اتوقف؟؟!! و اختي اختي؟!!  لا تدخل ايها هالثري!!!
فنظر اليه الرجل بغضب و قال اتركه ثم تنهد و قال بلطف اتركه يا ولدي و لكن غيث بقي يضرب به حتى تصبب جبينه عرقا فأتى الرجل اليه يريد اخذ العصا منه فضرب غيث الرجل بالعصا على يده! و هو يصرخ بجنون و غضب ابتعد عني اذا اقتربت مني سوف اقتلك!! ولدي أرجوك اعطيني العصا
فترك غيث العصا لقد اشتاق لتلك النبرة الحنونة
فأخذها الرجل و كسرها نصفين و نظر الى غيث امسك يده فكانت تترجف نظر اليه كان يبكي و ان لن لم تنزل دموعه يحترق و ان لم تشتعل به النيران يصرخ و لن تسمعوا صوته!!!
و قال الرجل تعال معي يا بني
فصرخ الطبيب ماااذاااا تعال معي؟؟ بل تعال معي انا الى الشرطة سوف اريك فرمى الرجل كيس نقود  للطبيب و قال اصمت فقال الرجل فقط من اجلك!
و لم يغادر غيث قبل ان يدفن اخته و مضى مع الرجل الطيب سيف و هو يشعر بأنه قد مات رغم انه يتنفس يمشى في الطرقات تائها مع انه يعرف كل الطرق امطرت الغيوم باكية كأنها تعيش معه فنظر اليها و قال يا ليتك يا أمطار تغسلين جروحي ! و تبعدين عني الالم نظر الى المدينة من بعد الى بيته المهجور المظلم لم يكن مهجور و مظلما  قبل نصف ساعة كانت به النور و كانت له النور و كانت نور قلبه و نور حياته فكيف يكمل حياته دون اخته دون نور
النهاية 

جولياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن