الفصل1:*العَوْدَةَ مِنَ الوَطَنِ*.

427 18 3
                                    

خارج مطار برشلونة الشهير في إسبانيا، وقفت فتاة متوسطة الطول، ترتدي كعبًا متوسطًا وفستانًا طويلًا زهري اللون ذو أكمام طويلة يصل إلى قدميها، مع حجاب أبيض يغطي شعرها بلطف. كانت يدها اليمنى تمسك بحقيبة سفر عجلية، بينما يدها الأخرى تحمل حقيبتها اليدوية. كانت تبدو هادئة وجميلة بملامح عربية، عيون سوداء واسعة، حواجب كثيفة، ورموش طويلة. وصلت لتوها إلى إسبانيا بعد أن غادرت بلدها الأصلي، المغرب.

سلسبيل، هي فتاة عربية من أم وأب مغربيين، ولدت ونشأت في مدينة الرباط، عاصمة المغرب. هذه المدينة الساحرة المعروفة بجمالها الأخاذ وأماكنها الرائعة وشوارعها النظيفة. الرباط، بتلالها الخضراء وحدائقها النضرة، تعكس جمالًا طبيعيًا وتاريخيًا فريدًا. كانت سلسبيل تجد في أحياء الرباط مصدر إلهام وطموح لتحقيق أحلامها الكبيرة. منذ صغرها، كانت تطمح لتغيير بلدها، رغم حبها العميق له، رغبة منها في الابتعاد عن عائلتها الكبيرة التي لم تفهم طموحاتها. كانت ترى في عيون أقاربها نظرات تستنكر طموحاتها، معتقدين أن مكان الفتاة هو بيت زوجها وأن نجاحها سيضر بسمعتهم. لكن والديها كانا مختلفين، فقد دعماها وشجعاها على إكمال دراستها في أي بلد يناسبها ويشعرها بالراحة.

سلسبيل، التي يلقبها الإسبان بلورينا، كانت تحب الاحتفاظ بأسرارها ولا تشارك يومياتها أو حياتها مع أي شخص غريب. فقط قلة من الأشخاص استطاعوا كسب ثقتها، وكان عددهم محدودًا. كانت تدرس الطب، حلمها منذ الطفولة، ورغبتها في مساعدة الناس وفعل الخير كانت تدفعها دائمًا نحو التميز.

كانت الساعة تشير إلى 23:45 وسلسبيل تنتظر سيارة أجرة. كانت تتساءل في نفسها لماذا يصعب إيجاد سيارة أجرة في مدينة كبيرة مثل برشلونة التي يقطنها الكثير من السكان. أثناء تفكيرها، لمحت سيارة أجرة تقترب، فنزعت يدها من الحقيبة العجلية ورفعتها للإشارة إلى السيارة. وقف السائق على جانب الطريق وخرج ليضع حقيبة سفرها في صندوق السيارة، بينما فتحت هي الباب الخلفي وصعدت.

أخبرت السائق بوجهتها وأسندت رأسها على نافذة السيارة تتأمل جمال الشوارع المزينة بأعمدة الإنارة والنباتات المتنوعة. أخذت تفكر في الوقت الرائع الذي قضته مع والديها هذا الصيف في المغرب. أخرجت هاتفها من الحقيبة، وتوجهت نحو جهات الاتصال تبحث عن الاسم الذي تريد مهاتفته. عند رؤيتها الاسم الذي ترغب بمهاتفته، ابتسمت لا إراديًا تزامنًا مع فتح الخط.

في عاصمة المغرب الرباط، كانت الساعة تشير إلى 1:00 ليلاً، وكانت لالة خديجة منغمسة في نومها بسريرها. تسلل صوت رنين الهاتف إلى مسامعها، فبدأت تبحث تحت وسادتها عنه بعيون شبه مغلقة. أجابت دون معرفة هوية المتصل، قائلة: "مرحبا، من معي؟" صدرت قهقهة من المتصل، فارتسمت ابتسامة صادقة على ثغر خديجة دليلًا على معرفتها للمتصل. أجابت سلسبيل: "أظن أنني أيقظتك من نومك، أعتذر على الإزعاج." ردت خديجة بنبرة متسائلة: "كيف كان وصولك؟ كل شيء بخير؟" اتسع ثغر لورينا بابتسامة وأجابت بهدوء: "كل شيء بخير. كيف حالك أنتِ؟"

أوقف السائق السيارة جانب الرصيف، وقال بالإسبانية وباحترام واضح على نبرته: "لقد وصلنا، آنستي." ودعت لورينا أمها وأغلقت الهاتف، وأعادته إلى حقيبتها وأخذت منها محفظة النقود. دفعت للسائق، ثم أخذت حقيبتها من صندوق السيارة وخطت نحو المبنى الذي تسكنه.

كانت تعيش في شقة تستأجرها في مبنى ضخم يضم العديد من الشقق ويقع في أشهر أحياء برشلونة. بجانب هذا المبنى، كانت توجد العديد من المباني المشابهة، وكل مبنى تقع أمامه فيلا تبدو كقصور كبيرة لأصحاب الطبقات المخملية. أصحاب الفيلا المقابلة للمبنى هم نفسهم ملاك المبنى. السيدة كاميرون، التي تبلغ من العمر 49 عامًا، كانت تبدو أصغر من عمرها بكثير. كانت لطيفة للغاية، وعلى الرغم من إصرارها الدائم على احتساء القهوة في فيلتها والحديث عن الثقافة المغربية، كانت دائمًا ما تقول لسلسبيل إن ثقافتهم متميزة. وقد أرسلت لها أم سلسبيل، خديجة، قفطانًا مغربيًا كهدية تعبيرًا عن شكرها لاهتمامها.

زوجها، السيد كاميرون، كان يصافح سلسبيل ويسأل عن أحوالها عند رؤيته. رغم دخوله في الخمسينات، حيث يبلغ من العمر 51 عامًا، كان دائمًا يساعدها في إيجاد عمل جزئي لتوفير مالها الخاص. بفضل مساعدته، استطاعت سلسبيل استئجار شقة في المبنى الخاص بعائلته بعدما كانت تستأجر غرفة صغيرة.

كما كانت تتحدث عن ابنتهم ميا، ذات 17 عامًا، التي تعتبرها كأخت صغرى. كانت تأنس بوجودها في المنزل فلا تشعر بالوحدة، حيث تحدثها عن يومياتها في المدرسة. عند تواجدها بين عائلة كاميرون، كانت سلسبيل تشعر كأنها فرد من العائلة، فهي تعتبرهم عائلتها الثانية.




__________

الفصل الاول✅️

العَاشِقُ المَسِيحِيُّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن