أَخْرَجَتْ مَفَاتِيح الْمَنْزِلِ مِنْ حَقِيبَتِهِا الْوَرْدِيَّة الْأَنِيقَة، وَأَدْخَلَتْهَا فِي الْقُفْل بِحَرَكَة رَشِيقَة، وَأَمْسَكْت بِمِقْبَض الْبَابِ وَشُرِعَتْ فِي تَدْوِيرِهِ حَتَّى فَتَحَ بِصَوْت خَافَتْ. نَظَرْت مُبَاشَرَة نَحْوَ بَابِ غُرْفَتها؛ شَقَّتْهَا كَانَتْ صَغِيرَةً، تَتَكَوَّنُ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ مُقَابَلَة لُبَاب الْمَنْزِل. الْحَمَامَ يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِلْغُرْفَة، وَفِي الْجِهَةِ الْيُسْرَى يُوجَدْ الْمَطْبَخ الصَّغِيرِ. أَمَّا الصَّأَلُون، فَيَتَكَوَّنُ مِنْ أَرَىكَتِين مَرْيَحَتَيْن؛ وَاحِدَةٌ طَوِيلَة وَالْأُخْرَى عَلَى شَكْلِ كُرْسِيّ، مَع طَاوِلَة طَعَام أَنِيقَة وَتِلْفاز مُقَابِلُ لِكِلْتَا الْأَرِيكَتين.
تَوَجَّهَتْ بِخُطُوَاتٍ سَرِيعَةٍ نَحْو غُرْفَتها، وَضَعْت حَقِيبَتِهِا الْعِجْلِيُّة بِجَانِبِ الْمَكْتَبِ الَّذِي يَتَكَوَّنُ مِنْ كُرْسِيِّ أَبْيَض بِأَرْجُل خَشَبِيَّة مَنْحُوتَة بِدِقَّة، وَحَقِيبَة يَدِهَا فَوْقَه بِعِنَايَة. ثُمَّ وَقَفْت إمَام خِزَانَتِهَا وَبَدَأَتْ تَطِبْطب بِيَدِهَا عَلَى بَابِهَا بِرِفْق، وَعَيْنَاهَا تَبْحَثَان بِلَهْفَة عَنْ مِنَّامَتِهَا الرَّمَادِيَّة الْمُفَضَّلَة. بَعْد دَقِيقَتَيْن مِنْ الْبَحْثِ، وَقَعَتْ عَيْنَاهَا عَلَيْهَا فَمَدَّتْ يَدَهَا بِسَعَادَة لِسَحْبِهَا. غُسِلَتْ أَسْنَانِهَا بِحَرَكَة رَوَتْينِيَّة وَارْتَدَّتْ مِنَّامَتِهَا الْمُرِيحَة، ثُمَّ تَوَجَّهَتْ نَحْوَ السَّرِير. رُفِعَتْ الْغِطَاء وَاسْتَلْقَتْ تَحْتَهُ مُعَانَقَة إيَّاه، وَاضِعِه رَأْسِهَا عَلَى وَسَادَتِهَا الْحَرِيرِيه. بَدَأَتْ بِتَرْتِيب مَهَامّ الْغَدِ فِي ذِهْنِها حَتَّى أَغْمَضْت عَيْنَيْهَا مُسْتَسْلِمًة لِاحْلَامِهَا.
فِي الْيَوْمِ التَّالِي، اسْتَيْقَظَتْ بَاكِرًا لِأَنَّهَا لَمْ يَتَبَقّ سِوَى يَوْمِ وَاحِدٍ عَلَى بَدْءٍ الْجَامِعَة. سَتَكُون مَنْشَغله طِوَالُ الْيَوْمِ: يَجِبُ زِيَارَة السَّيِّدَة كَامِيرُون كَيْ لَا تَغْضَبْ، وَالتَّسَوُّق، وَتَنْظِيف الْمَنْزِل، وَتَوَضيب أَغْرَاضَ السَّفَرِ فِي مَكَانِهَا، كَمَا عَلَيْهَا الذَّهَابُ إلَى النَّادِي الرِّيَاضِيّ لِلتَّمْرِين قَلِيلًا؛ فَقَدْ شَعَرْتُ بِأَنَّهَا أَصْبَحْت سَمِينَة.
وَقَفْت لِتَذْهَب نَحْوِ الْحَمَّامِ لِلْوُضُوء. تَوَضَّأَتْ وَأَخَذَتْ سَجَّادَة الصَّلَاة وَطَرَحَتْهُا عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ عَبَاءَة طَوِيلَة وَحِجَابًا، وَلَمْ تَنْسَ الْجَوَارِب؛ فَلَا يَجُوزُ لِأَيِّ امْرَأَة الصَّلَاة وَرِجْلَاهَا مَكْشُوفَتَان. أَثْنَاء بَدْئِهَا بِالتَّسْلِيم دَلِيلًا عَلَى انْتِهَاءِ الصَّلَاةِ، تَخَلَّلَ إلَى مَسَامِعِهَا صَوْت جَرَس الْبَابِ، مِمَّا يَعْنِي زِيَارَة أَحَدِهِمْ لَهَا. نُزِعَتْ الْعَبَاءَة وَالْحِجَاب، فَظَهَر شَعْرِهَا شَدِيدُ السَّوَادِ كَلَوْن الْغُرَاب تَمَامًا. تَقَدَّمَتْ بِخُطُوَات نَحْوَ الْبَابِ، وَنَظَرْت مِنْ الْعَدَسَة الصَّغِيرَة الْمَوْضُوعَةِ فِي وَسَطِ الْبَابِ الرَّئِيسِيّ. عِنْدَ رُؤْيَةِ الزَّائِر، ابْتَسَمَتْ لَا إِرَادِيًّا، فَقَدْ اشْتَاقَتْ لِهَذَا الضَّيْف المُحَبَّب. وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى مِقْبَضِ الْبَاب وَقَامَتْ بِتَدْوِيرٍه.
أنت تقرأ
العَاشِقُ المَسِيحِيُّ
Romanceكانت مثل البركان تائر في أعماق البحر ،، أليس يحترق ولا تطفوا ناره أعلى الماء أجل كانت كذلك تهمه بعدم إهتمامها به وهي بين كل سجدة وحديث مع الله تخبره أنها تريده ،، تريده نصيبا ،، لم تخلوا صلاتها منه ولم يخلوا يوما من قلبها أحيانا تبلل دموعها تلك القط...