الجزء الثاني

3 1 0
                                    

في البداية، كان كل شيء يبدو طبيعيًا في حياة قمراء. لم يكن في بالها أي همّ سوى المغامرات الصغيرة التي كانت تخوضها هنا وهناك. كانت متمردة بطبعها، تبحث دائمًا عن الحرية والهروب من كل ما يقيدها. لكن في إحدى الليالي، تغيّر كل شيء.طارق، والدها الذي كان دومًا رمزًا للقوة والصلابة، بدأ يشعر بألم غير مألوف في صدره. حاول أن يتجاهله في البداية، لكن مع مرور الوقت، أصبح الألم لا يُحتمل. في تلك الليلة المظلمة، وبينما كانت قمراء تلهو في الخارج مع أصدقائها، سقط طارق على الأرض، فاقدًا الوعي.
عندما عادت قمراء إلى المنزل، وجدت والدها ممددًا على الأرض، بلا حراك. كان وجهه شاحبًا، وعيناه مغلقتين. شعرت بالخوف يتسلل إلى قلبها لأول مرة. لم تعرف ماذا تفعل. كان كل شيء يحدث بسرعة كبيرة.تم نقل طارق إلى المستشفى على وجه السرعة، حيث أكد الأطباء أنه يعاني من مشكلة خطيرة في القلب. بدأ القلق يسيطر على قمراء، وهي تحاول أن تستوعب ما يحدث. لم تكن مستعدة لمثل هذه الصدمة.في المستشفى، التقى ثائر بطارق. كانت بينهما علاقة وثيقة، علاقة صداقة قديمة قامت على الاحترام والثقة المتبادلة. وقف ثائر بجانب طارق وهو على سريره، وعيناه ممتلئتان بالقلق."ثائر،" قال طارق بصوت ضعيف، وهو يمسك بيد صديقه، "أريدك أن تعدني بشيء.""بالطبع، طارق. قل لي ماذا تريد،" رد ثائر وهو ينحني ليستمع إلى كلمات صديقه بعناية."قمراء... إنها كل ما لدي في هذا العالم. إنها متمردة، تعلم ذلك. لكنها أيضًا ضعيفة من الداخل، حتى لو لم تعترف بذلك. أريدك أن تكون بجانبها. اعتنِ بها حتى أتحسن. أريدك أن تكون عينها الثانية وسندها. أنا أثق بك،
ثائر."شعر ثائر بثقل الوعد الذي قطعه للتو، لكنه كان يعلم أنه لن يتراجع عن أي شيء من أجل صديقه العزيز. "أعدك يا طارق. سأكون بجانبها، سأحميها وأعتني بها."
ما لم يكن طارق يعلم هو أن ثائر لم يكن مجرد صديق مخلص.
كان يحمل في قلبه مشاعر أعمق بكثير تجاه قمراء.
كان يحبها بجنون، يشعر بغيرة لم يستطع أن يعبر عنها.
كان مهووسًا بكل تفاصيلها، بحركاتها، بكلماتها حتى في لحظات غضبها وتمردها.
لكن تلك المشاعر كانت مخفية بعناية تحت قناع من الهدوء والصداقة.
بعد أن خرج طارق من غرفة العمليات واستقر في قسم العناية المركزة، بدأت حياة قمراء تتغير. كان ثائر يتواجد في كل مكان، يحاول أن يسد الفراغ الذي تركه طارق. لكنه لم يكن يتدخل في حياتها بشكل مباشر، بل كان يراقبها عن بُعد، يحاول أن يفهم احتياجاتها دون أن تشعر هي بذلك.
كانت قمراء تلاحظ وجوده، لكنها لم تفهم تمامًا سبب اهتمامه الكبير بها. بالنسبة لها، كان مجرد صديق لوالدها، شخص يساعدها في تلك المرحلة الصعبة.
لكنها لم تكن تدرك حجم المشاعر التي كان يخفيها.
كل يوم كان ثائر يزداد ولعًا بها، وكل يوم كانت قمراء تبتعد عن فهم الحقيقة.
بالنسبة لها، كان هذا الوقت مجرد مرحلة مؤقتة، ستنتهي عندما يتعافى والدها. لكنها لم تعلم أن شيئًا ما بدأ يتغير، شيئًا سيتحول إلى علاقة أعمق وأعقد بكثير مما كانت تتصور.
كانت الأنوار الخافتة في ممرات المستشفى تعكس حالة الهدوء المشوب بالقلق الذي يسيطر على المكان. بعد خروج طارق من غرفة العمليات، بقيت قمراء وثائر في صالة الانتظار.
كانت قمراء تراقب باب الغرفة المغلقة بنظراتٍ مضطربة، بينما ثائر يجلس بجانبها، يحاول أن يبقى هادئًا رغم أن قلبه ينبض بسرعة.خرج الطبيب أخيرًا، ممسكًا بلوحة النتائج بين يديه.
كان يرتدي قناعًا من المهنية، لكن تعبيرات وجهه كانت تتحدث عن قلق دفين.
توقف أمامهما وقال: "الحمد لله، العملية كانت ناجحة. لكن طارق يحتاج الآن إلى فترة نقاهة طويلة.
سيكون تحت المراقبة الدقيقة في الأيام القادمة.
"تنهدت قمراء بصوتٍ مسموع، لكن القلق لم يختفِ من ملامحها.
سألت بصوت خافت: "هل سيكون بخير؟ هل سيتعافى تمامًا؟"أجاب الطبيب بلطف: "نحن متفائلون، ولكن يجب أن نتوخى الحذر.
قلبه كان في حالة ضعف لفترة طويلة، ويحتاج إلى الراحة والرعاية الجيدة.
لا يمكننا الاستهانة بالوضع.
"شعرت قمراء بثقل الكلمات، وكأن العالم يضغط على كتفيها.
كانت تريد أن تتولى كل شيء بنفسها، لكن في نفس الوقت كانت تعلم أنها لا تستطيع فعل ذلك وحدها. نظرت إلى ثائر الذي كان يستمع بتركيز إلى حديث الطبيب.
بعد مغادرة الطبيب، التفت ثائر إلى قمراء وقال بصوت مليء بالعزم: "قمراء، أنتِ لا تستطيعين العودة إلى المنزل الليلة وحدك. الأمور أصبحت معقدة، وأنا لا أستطيع أن أتركك هنا بمفردك."
رفعت قمراء رأسها بنظرة تمردية، وقالت: "أنا لست طفلة، ثائر. أستطيع أن أعتني بنفسي. سأعود إلى المنزل، وسأكون بخير."
ابتسم ثائر بهدوء، وكان يعلم أن قمراء عنيدة ولن تتراجع بسهولة. "أعرف أنك قوية، قمراء، لكن هذه ليست مسألة قوة. إنها مسألة أمان. المكان هنا ليس آمنًا لك، والمنزل خالٍ... هذا ليس الوقت المناسب لتكوني وحدك."
كانت قمراء على وشك الاعتراض مرة أخرى، لكنها توقفت عندما رأت الجدية في عينيه. شعرت بأن هناك شيئًا عميقًا في كلامه، شيئًا يتجاوز مجرد القلق العادي. نظرت إلى الأسفل، محاولة أن تخفي ترددها، ثم قالت بصوت منخفض: "وما الذي تقترحه؟"قال ثائر بهدوء: "تعالي معي إلى قصرنا. هناك ستجدين الراحة والأمان. على الأقل، حتى نطمئن على حالة والدك."كانت قمراء تميل إلى الرفض التلقائي، لكن تعابير وجهه جعلتها تتراجع قليلاً.
كانت تعرف أن ثائر ليس مثل الآخرين، وأنه يفهمها بطريقة لا يمكن لأحد أن يفهمها.
أخيرًا، قالت: "حسنًا، لكن فقط الليلة. سأعود غدًا إلى المنزل."ابتسم ثائر بارتياح وقال: "كما تشائين، قمراء.
لن نجبرك على أي شيء، لكنني سعيد بأنك وافقت."في طريقهم إلى القصر، كانت السيارة تغمرها أضواء الشوارع المارة، مما يخلق ظلالًا متراقصة على وجهيهما.
جلس ثائر خلف المقود، وكانت قمراء بجانبه، تنظر إلى النافذة بصمت، لكن عقلها كان يعمل بسرعة.
كانت تفكر في والدها، في الوضع الذي تجد نفسها فيه، وفي ثائر الذي يجلس بجانبها، مستعدًا لفعل كل شيء من أجل حمايتها.
كسر ثائر الصمت قائلاً: "قمراء، أعرف أن هذا صعب عليك. أعلم أنك تفضلين الاعتماد على نفسك، لكن أحيانًا... يكون من الحكمة أن نترك الآخرين يساعدوننا."
نظرت إليه قمراء للحظة، ثم عادت للنظر إلى الخارج، وهي تحاول تفسير مشاعرها. "أنا فقط لا أريد أن أشعر بأنني عبء على أحد، خاصة عليك."هز ثائر رأسه قائلاً: "أنتِ لست عبئًا، قمراء. أنتِ أهم شخص في حياة والدك، وأنا هنا لأساعده... ولأساعدك."كان كلامه يلامس شيئًا عميقًا بداخلها، لكنه لم يكن شيئًا تريد مواجهته الآن. اكتفت بالصمت، بينما كان ثائر يتابع القيادة بهدوء، مستمتعًا بلحظات القرب هذه، حتى لو لم يكن هناك كلمات تُقال.
وصلوا إلى القصر، وكان المكان غارقًا في الهدوء. قادتهم الخادمة إلى غرفة الضيوف، وأحضرت لها كوبًا من الشاي الساخن. كانت قمراء تشعر بشيء من الارتياح، رغم أنها لم تكن تريد الاعتراف بذلك.قبل أن يتركها لتنام، قال ثائر بلطف: "إذا احتجتِ إلى أي شيء، فقط ناديني. سأكون في الغرفة المجاورة."أومأت قمراء برأسها، وهي تشعر بمزيج من الراحة والخجل. قالت قبل أن يغادر: "شكرًا، ثائر... على كل شيء."ابتسم ثائر وقال: "دائمًا هنا لأجلكِ، قمراء. أتمنى لكِ ليلة هادئة."أغلق الباب برفق، وتركها وحيدة مع أفكارها. كانت تشعر بأنها في مأمن هنا، لكن ما لم تكن تدركه هو أن هذا الشعور بالأمان كان مرتبطًا بشخص واحد فقط... ثائر.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 28 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

قمر في الظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن