**الفصل الثاني: ظل الأحلام**

0 0 0
                                    


استيقظ يوسف على صوت الرعد يدوي في الأفق. كانت السماء ملبدة بالغيوم الداكنة، والمطر يتساقط بغزارة على نوافذ منزله. شعر يوسف بشيء ثقيل يجثم على صدره، وكأن الليلة الماضية لم تكن مجرد حلم عابر. كان هناك شيء غير مريح يحيط به، ولكن لم يكن قادرًا على تحديد ماهيته.

أثناء تناوله فطوره، حاول يوسف أن يتذكر تفاصيل حلمه، لكن كلما حاول استرجاع الأحداث، كانت تتلاشى وكأنها ضباب. كل ما تبقى هو شعور عميق بالرهبة، وكأن شيئًا سيئًا على وشك الحدوث.

قرر يوسف أن يذهب إلى المكتبة في وقت مبكر اليوم. كان يشعر بأن المكتبة أصبحت مكانًا غريبًا في حياته، لكنها كانت في نفس الوقت ملاذه الوحيد. عندما وصل إلى هناك، لاحظ شيئًا غريبًا: الباب الخلفي للمكتبة كان مفتوحًا على مصراعيه. كانت الرياح تعصف بالداخل، ورفوف الكتب تهتز بعنف.

دخل يوسف مسرعًا وأغلق الباب، لكن الفضول لم يتركه. كان متأكدًا أنه أغلق كل الأبواب قبل مغادرته الليلة الماضية. أخذ يجول بنظره في المكان، محاولًا البحث عن أي دليل يفسر ما حدث. وعندها، وقع بصره على شيء غريب على أحد الطاولات.

كان هناك كتاب قديم، لم يرَ يوسف مثله من قبل. كان مغطى بالغبار، وكأن أحدهم أخرجه من زاوية منسية. لم يكن العنوان واضحًا، وكانت الصفحات مليئة برموز ورسومات غريبة مشابهة لما كان موجودًا في الورقة التي عثر عليها الليلة الماضية.

فتح يوسف الكتاب ببطء، محاولًا قراءة ما بداخله. لكن مع كل صفحة كان يقلبها، كانت الرؤى تتداخل في ذهنه. بدأت تظهر أمام عينيه مشاهد من أماكن لا يعرفها، ووجوه لأشخاص لم يرهم من قبل. كان يشعر وكأن الكتاب يتحدث إليه، يحاول إيصال رسالة مشفرة.

بينما كان يوسف مستغرقًا في قراءة الكتاب، شعر بشيء غريب يحدث. كانت الغرفة تدور من حوله، والأصوات تزداد حدة. ثم فجأة، وجد نفسه في مكان آخر.

كان يقف وسط مدينة غارقة في الظلام، مبانٍ مهدمة، والشارع خالٍ تمامًا من الحياة. الهواء كان باردًا بشكل لا يصدق، وكان يسمع صوت الرياح تعصف من بعيد. حاول يوسف أن يتحرك، لكن قدميه كانت ثقيلة وكأنها مغروسة في الأرض.

بينما كان يحاول فهم ما يحدث، رأى ظلًا يتحرك في الأفق. كان يقترب منه ببطء، وكلما اقترب، كانت تفاصيله تزداد وضوحًا. كان وجهًا مألوفًا، وجه رجل عجوز ذو عينين خاويتين. اقترب منه الرجل وقال بصوت عميق: "لقد بدأت رحلتك يا يوسف، لن يكون هناك عودة الآن."

استيقظ يوسف فجأة من الكابوس، لاهثًا، وقد غمره العرق. كان ما حدث للتو حقيقيًا جدًا ليكون مجرد حلم. كانت هناك علامات واضحة على جسده تدل على أنه كان هناك. بدأ يوسف يشعر بأن كل شيء من حوله بدأ ينهار، ولم يعد يعرف الفرق بين الحلم والواقع.

كان يعلم أن هناك شيئًا ما في ذلك الكتاب القديم، وأنه يجب عليه البحث عن الحقيقة، مهما كان الثمن.

في الأيام التالية، لم يكن يوسف قادرًا على الهروب من الشعور بالقلق الذي بدأ يسيطر على حياته. كانت الكوابيس تزداد سوءًا، وكانت العلامات التي تركتها تلك الأحلام في حياته الواقعية تزداد وضوحًا. كان يشعر بأن كل شيء يتآمر ضده، وأن اللعنة التي بدأت تلوح في الأفق بدأت تطبق عليه.

في أحد الأيام، وبينما كان يجلس في مكتبة البلدة، دخل رجل غريب الهيئة. كان يرتدي معطفًا طويلًا وسميكًا، وعيناه مخفية تحت قبعة كبيرة. توجه الرجل مباشرة نحو يوسف، وكأنه يعرف بالضبط من يبحث عنه.

"أنت يوسف، أليس كذلك؟" سأل الرجل بصوت خافت، لكنه كان يحمل نبرة من السلطة.

تردد يوسف قليلاً قبل أن يجيب: "نعم، هل يمكنني مساعدتك؟"

جلس الرجل بجانبه وقال بصوت غامض: "هناك شيء يجب أن تعرفه. لقد سمعت عنك وعن ما يحدث لك مؤخرًا. الأمور ليست كما تبدو، وكل شيء مرتبط بما كان مخفيًا عنك طوال هذه السنوات."

شعر يوسف بالخوف والفضول في آن واحد. "ماذا تقصد؟"

أخذ الرجل نفسًا عميقًا قبل أن يجيب: "اللعنة التي تعاني منها ليست جديدة، وقد عانت منها عائلتك من قبل. إنها لعنة قديمة تربط بينك وبين عالم الأحلام. ما تراه في أحلامك ليس مجرد خيال، بل هو نافذة على ما سيحدث في المستقبل. لكن حذار، لأن هذا الطريق مليء بالمخاطر."

تجمد يوسف في مكانه. كانت كلمات الرجل أشبه بالطعنات. "ماذا تعني بلعنة؟ وكيف يمكنني التخلص منها؟"

ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة وقال: "التخلص من اللعنة ليس بالأمر السهل. يجب أن تتقبلها أولاً، وتفهم قوتها. هناك من سبقك في هذه الرحلة، لكن القليل منهم فقط نجح في السيطرة على تلك القوة. سأعود إليك عندما يحين الوقت، فقط كن مستعدًا."

ثم نهض الرجل وغادر المكتبة قبل أن يتمكن يوسف من سؤاله المزيد. تركه وحيدًا مع الأسئلة التي بدأت تزدحم في ذهنه. ماذا كان يقصد بأن لعنة؟ وكيف يمكن أن يكون لهذه الأحلام تأثير على واقعه؟

مع مرور الوقت، أدرك يوسف أن الأمور لن تعود إلى طبيعتها أبدًا. كان عليه أن يواجه الحقيقة، وأن يستعد للرحلة التي تنتظره.

---
.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 01 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

لعنة الكوابيس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن