ديسديمونا~
ثلاثُ بتلاتٍ وهِي الرحِيقُ، وانتهى الربِيعُ قبلَ أن تزهِر، إنقلبتِ الفصولُ فحلّ الشتاءُ بعدَ الربِيعِ ثم عادَ في لحظةِ القيظِ كي يثمرَ..
.
.
.
بقلمِي: هندِباء🌼
إهداء لكل من هجرت أرواحهم حياتنا فنَاموا في قبورٍ من تراب..
رحِم الله أحبتي...
وببطء استدار ونظر إلى قائده الذي أومأ له برأسه يأمره ببدأ الإعلان..
سحب الهواء بعمق إلى رئتيه ثمّ وبِنفس واحدٍ نفخَ في بوقه الذهبيّ وقد شدّ بيده اليمنى على حزامِ سيفِه..
فانتبه جميع المارّة من العامّة في سوق العاصمة، وجوههُم متهجّمَة، أنفاسهم متثاقِلة، دبّ الرعبُ صمّامات قلوبهم فتجمّدت الدماء في عروقِهم، ألسنتهم تراقصت ترددُ دعواتٍ وتضرّع خائفٍ لمأمنِه، وعلّقت أنظارهم على العربةِ القذرة يبحلقون في من سيتدلّى من الحبل اليوم..
تكاثرت الهمسات.. علا صداها، تهويلٌ وقهقهات..
من ستموت اليوم؟
إرتعشت الفتيات بذعر وخوف شديدين، فلا توجد فتاة عاقلة ترغب في أن يصل بها قدرها إلى حبل المشنقةِ التي نصبت في منتصف ساحة مدينة إيغزنهورد منذ عقودٍ ولم تُزل..
فقط لإعدام النساء!
في تلكَ اللحظة الخانقة بصمت الحياة وصراخ الموت، مشت ميرادريال بقدميها الحافيتين الداميتين على أرضية المنصة الخشبية وشعرت بعظام ساقيها تهتزّان خشية من مصيرها..
لحظات ميّتة شعرت بها قبل أن تغادر روحها قالب جسدها.. قد تجد بهجة في المقابر ولا هذا المكان..
فتبادرت إلى ذهنها تلك الذكرى القديمة قبل خمسة عشر سنة، يوم إصطحبها والدها إلى البحيرة البعيدة في قلب الغابة كي يصطادا السمك..
في ذلك اليوم الماطر إرتدت حذاءًا من الجلد كي لا تتلطخ جواربها البيضاء بالوحل وهي تقول في نفسها بأنها ستجعل والدها يأخذها إلى العاصمة إيغزنهورد وستشتري حذاءًا جديدًا وجميلًا، كانت تحلم بدخولها ولم تكن تعلم بأنها لن تدخل آيزنهورد إلا بعد عقدٍ ونصف وكمجرمة عاصية ومتمرّدة!
ميرادريال لم تكن تعلم بأنها ستجرّ إلى مدينة أحلامها حافية القدمين.. كي ترتشف من كأس ملك الموت لا أن تبتاعَ حذَاءًا لطيفًا كما أرادت دومًا.
في ذلك اليوم، أي يوم إعدامها كنتُ في السوق وكان عمّي غودريك يحملني فوق كتفيه بينما أنا بسطتُ كفّي على رأسه ألاعبُ خصلاته البنّية، لم أكن أعي إطلاقا أن امرأة.. أنثى.. مثلي يتم إضطهادها الآن لأنها رفضت أن تكون خليلة لرجل غريبٍ وفضلت التمرد والعيش في الجبال على أن تعمل كفتاة بغيٍ في القذارة فقط لأنها فقيرة..
رفعت رأسي معلقةً أنظاري عليها، فأبصرت خطًا من الدماء انساب من شفتيها الكرزيين حتى بلغ ذقنها.. رغم أن شفتيها كانتا معنفتان إلا أن إبتسامتها بقية ساحرة..
وقفت فوق الكرسي فطفق أحد الجنود الذي كانوا يسوقونها نحو هلاكها بسلاسل الفولاذ المتينة يلفّ الحبل حول جيدها النحيل، وحينها قام عمي غودريك بإنزالي ومنعي من أن أرى هول مشهد وفاة المرأة الثائرة التي أرهبتهم هم الرجال..
إشتدّ خناق الحبل على رقبتها يقطع مجرى الهواء عن رئتيها فتخبّطت عدّة مرات حتّى تصعد روحها نحو السّماء مما ألجم الحشد الغفير إلا إحدى النساء التي صاحت بسبب الخوف مما أرهبني بحق!
أغمضت عيوني ورددت في نفسي ما كانت عمّتي جيزيل تقوله لي كل ليلة قبل أن أغفو، كترنيمة هادئة تهدأ عاصفة قلبي..
أنا فتاة..
جميلة..
قوية..
ساحرة..
ومحبوبة..
وأفضل من مئة رجل من هذا العالم الذي لم يوقّعه رحّالٌ على خريطته من قبل..
إذا كنت قارئًا للأدب الكلاسيكي فستجد أن الكتّاب قد انتهجوا قديمًا أسلوب بدايات طويلة تفصيلية يتحدثون فيها عن وصف الطبيعة أو المكان أو تمهيد عن البيئة العامة للقصة دون خوض مباشر في أحداث رواياتهم.
وربما كان هذا الأسلوب مناسبًا لعصره، إذ كان القارئ يملك الوقت, بل ويعاني من الفراغ الذي لا تسده سوى هذه التفاصيل المكتوبة بلغة غنائية مسرفة.
مع تقدم الزمن أصبح القراء أكثر انشغالا وأصبح الوقت شحيحًا، وأصبح اختيار كتاب واحد للقراءة من بين مئات الكتب على رف المكتبة يعتمد على النظرة السريعة للسطور الأولى للرواية.
هل هذا ما فعلته توًا مع ما قرأته في الأعلى؟
هل كانت مجرد نظراتٍ ألقيتها هنا وهناك على أحرفي دون أن تعيرها بالا ولا قيمة؟
هذا ما توقعته..
وإن لم تفعل..
فأهلا بك في ديسديمونا♡
اليوم الأوّل للكاتبة في سنّها الثامن عشرة..
أول خطوة لها في حياة الرشد، لتكن خيرا🌷
نُشرت بحمدٍ من الله وعونِه يوم 15 سبتمبر 2024 / ١١ ربيع الأول ١٤٤٦.
وستكبر بحبّ قرائها وبتَلاتِهَا🍃🌼🍃
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.