《 المَشهَد الثّالِث : ستأتِيكَ لَو.. 》
.
.
كانَ يتّكأ على طرفِ الخِزانَةِ بمرفقِه ويبدّلُ الخرقَةَ القُماشِيةَ بينَ يديهِ بتمَلملٍ وَهوَ يراقِبُ الزّبائِن..
بعضٌ يرتشِفُ قهوتَهُ والبعضُ الآخر يتَناوَل غدائهُ بصخبٍ وهوَ يحاورُ أصحَابهُ.
إنّهُ يشعُرُ بالمللِ، والكثِيرُ من المللِ، ولا شيْئَ من هذِه الرّتَابة يحسّن مزاجَه، وهَل سيعَدّلُ مزاجَه شيئٌ غيرَ شجَارٍ أو إفتعَالِ مقلبٍ مَا؟
"أيّهَا النّادِل.. أيّها النّادِل!"
كلِمَاتٌ إنتشلَتهُ من عُمقِ عقلِه المظلِم فإحتدّت عيُونُهُ النّارِيةُ بغضب إثرَهَا.. نادِل!
قبضَ على المنشفَةِ ورمِقَ ذلكَ الجَالس في أولِ طاولَةٍ ويطالِعُ كتابِهِ بنظراتٍ حادّة.
كم يَبغضُ أن ينَادِيهِ أحدٌ بهَذا اللقب.. لكِنّها حقيقَةُ عملهِ! والآن هذَا الرّجلُ لك قد أثارَ سخطَهُ فزَادت حُمرةُ مقلتَيهِ إشتِعَالًا، وإن أعادَهَا مرّةً أخرَى..
سيقُومُ بطبخِه لا محالة!
"هَل يمكِننِي الحصُولُ على قِدحٍ آخرَ مِن شايِ البابُونج يا سيّد؟"
واصل تحدِيقهُ بهِ مطوّلا، ثمّ أخذَ ينظّفُ حلقَهُ وبإحدَى يديهِ شرعَ في ترتِيبِ خصلَاتَهُ الصهبَاءِ يعِيدُها إلى الخلفِ بعنَايةٍ، وقد إرتفعَ طرفُ شفتِهِ الأيمَن بإبتِسامةٍ خبِيثةٍ إثرَ كلامِ عقلُهُ له والذي بدأَ بِنغزهِ كَي يفتَعِلَ بالمِسكِينِ أشنَعَ الأشيَاء، وبنبرَةٍ كسُولةٍ تماثِلُ فحيح الأفاعِي نبِسَ وهوَ يطقطِقُ أصابِعَ يدهِ الأخرَى :
"لمَ لَا؟ سيأتِيكَ أفضَلُ.. قدحٍ.. مَن.. الشّايِ.. أيّها الزّبون!"
كانَ يتلفّظُ كلمَاتَهُ ببطءٍ وقد إزدَادَ وجههُ الشّاحِب عتمَةً ممّا جعلَ الآخرَ يتَوجّسُ من نظَرَاتِه وضحكتِه الغيرِ مرِيحة وكذا تحديقِه المطوّل دونَ حراكٍ..
"ش شكرًا لكَ يا سيّد.."
إبتَعدَ فارعُ الطّولِ عن الخزانةِ وهوَ لم يزِح نظرَهُ عن الآخرِ وأخذَ يمشطُ خوطَاتهُ نحوَ النّافذةِ الصّغيرَةِ التي تطِلّ علَى المطبخِ ليصِيحَ بنفاذِ صبرٍ:
"قِدحٌ من شايِ البابونج بسرعةٍ قبلَ أن أفلِقكُم جمِيعًا."
"علَى رسلِكَ يا أنغَار.. لقَد نفِذ ما فِي الإبريق، أخبِر من طلَبهُ بأنَ غليَهُ سيستَغرقُ وقتًا."
![](https://img.wattpad.com/cover/376438849-288-k260040.jpg)
أنت تقرأ
ديسديمونا ~~ 𝓓𝓔𝓢𝓓𝓔𝓜𝓞𝓝𝓐
Adventureديسديمونا~ ثلاثُ بتلاتٍ وهِي الرحِيقُ، وانتهى الربِيعُ قبلَ أن تزهِر، إنقلبتِ الفصولُ فحلّ الشتاءُ بعدَ الربِيعِ ثم عادَ في لحظةِ القيظِ كي يثمرَ.. . . . بقلمِي: هندِباء🌼 إهداء لكل من هجرت أرواحهم حياتنا فنَاموا في قبورٍ من تراب.. رحِم الله أحبتي...