«اليوم الأول منذ توقف عقارب الساعة، أصبحت ذاكرتي ضبابية عمّا حدث رغم أنه بالفعل كان يوم أمس، كل ما أتذكره هو عندما كنت أقف بشرفة منزلي قرابة الساعة الرابعة مساءً، اتأمل المارة بالشارع وأغوص بتفكيري كالعادة عن قدر اختلاف حيوات الناس ومساعيهم، وبوهلةٍ نظرتُ للسماء، فإذ بها تعتم فجأة، شيءٌ كغمامة كبيرة تتحرك ببطئ فوقنا، غبار أسود كثيف، وكأن مئات السُحب تجمعت فوق بعضها البعض بشكل مخيف، انسدلت تلك الظُلمة لتغطي بقعة كبيرة من الأرض حيث أقطن، وعزلَت ضوء الشمس تمامًا، رأيت بعض الناس يصرخون بهلع، ورأيت البعض الأخر حالته لا تختلف شيئًا عني، ينظر بصمت ووجهه مكهفر، ظهر شخصٌ في الأسفل يصرخ قائلًا بينما يشق صوته عرض الشارع " انزعوا ستائر شرفاتكم ! " لم أفهم ما الغرض من هذا، لكن عاصفة قوية بدأت جعلتني أدرك.. حيث هطلت الأمطار فجأة بأقوى ما لديها، وعصف هواءٌ شديد أطاح بستائر الشرفات ومزقها، حتى أني رأيت بعيني سيدةٌ إلتفت حول عنقها ستارة شرفتها إلى أن بدأت تختنق دون روية، كان الجميع في حالة ذعر هائلة، ولكن ما كان يستدعي الذعر فعلًا هو رؤية الساعة لا تتحرك ..
انها الرابعة وتسع وخمسون دقيقة منذ الأمس، لازالت تمطر بالخارج، ولازال الظلام كاحلًا، أغلق أبي منافذ المنزل بأكملها وتأكد من وصدها بإحكام، لم أتمكن من رؤية ما بالخارج سوى عبر زجاج نافذتي السميك، ولم يكن كافٍ بالنسبة لي لأرى شيئًا بوضوح، لم تكن الأخبار تتحدث عن شيء، كنا نرى عبر التلفاز أماكن أخرى في منطقتنا يشق سماءها ضوء الشمس، بدى الأمر وكأن البقعة التي نسكن فيها هي الوحيدة في روسيا بأكملها التي ابتلعتها تلك العاصفة، لكن لمَ لا يساعدنا أحد ؟
أعتقد لأننا.. حتمًا لسنا هنا.»
---
ظلامٌ يسود تلك الأرض الضيقة بشكل مخيف، لا يتبين حتى إن كان نهارًا أو ليلًا؛ لأن السماء حالكة.. ربما أحلك سوادًا من دجن الليل.
الصمت الذي يعم الأرجاء بالخارج ليس أبدًا من النوع المألوف، بل هو صمتٌ وكأن الجميع قد اختفى، سكون تام لا يتخلله سوى صوت تلك الامطار التي لا تزال تهطل منذ يوم، أو ربما أصوات الأنين تختبئ خلف قطرات المياة التي تضرب الأرض باستمرار.
أنت تقرأ
الفراغ - Пустота ( The void )
Mystery / Thrillerفلاديمير تورجينيف، ما بين أن يأكل نفسه أو يأكله الفراغ. [هذه الرواية لا تتناول سوى فلسفات بحتة عن ماهية حياة الإنسان ومآسيه الأزلية، إن كنت لا تحبّذ أيًا من الفلسفة أو القصص النفسية التي تغادرك شخصٌ آخر أفظع من ذي قبل، فلا تقرأ وارحل عن هنا] جميع ال...