لَيالٍ بارِدَة

79 5 7
                                    

كانت رياحُ ديسمبر مُختلفة عن بقية الفصول، فهي باردةٌ ولاذعة، وكادَ الضّباب لا يُفارقُ لَندن أثناء الليل، وكانت الطرقات مُمتلئة بالوحلِ، بالرغمِ من كل ذلك، قررتِ زيارة القصر الكريستالي،واستخدمت أسلوبَ النّق على ويليام ليصطحبها إلى القصر، ولم يجدْ بد إلا أن يوافق على ذلك.

ارتدى بدلةٌ سوداء كان يتألق بأناقة لافتة، مع معطف طويل  يُضفي عليه مظهرًا غامضًا وملفتًا، تزين بقبعة سوداء تضفي لمسة من الغموض على إطلالته، وحمل عصاهُ المعتادة وعلى الرغم من بساطة اللون الأسود الذي اختاره إلا أنه بدا جميل الطلة،أما هي فارتدت فستانًا مُخمليًا فاخرًا يتلألأ تحت أشعة الشمس الدافئة،كانت ترمقُ الطريق بنظراتِ تحملُ الكثير من التأمل والرقة، مع تركيز عميق على التفاصيل من حولها، وكانت أشعة الشمس الذهبية تلامس بشرتهما، مضيئة الطريق أمامهما وتبرز جمال اللحظة بألوانها  الباردة.

لا تدري لما هُناك أربعة أشخاص رفقتها،وهي التى أرادت مُرافقة ويليام وحده،لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن فقد فات الأوان على الرفضِ،وصلوا لبوابة قصر الكريستال المُتأكلة من الصدأ ونبات الحزازيات الذي تجمع على الجدران بينما تأكل الطوب فيها نتيجة الإهمال لسنوات مضت.

دفعتِ البوابة فأصدرت صريرًا مزعجاً، ومشت للداخلِ تتأمل منزل الطفولة كان له سحره رغم أنه لم يعد كما كان سابقاً،ركضت ودارت حول نفسها في حديقة المنزل ثم نادت بصوت عالي قائلة: مرحباً يا قصر الكريستال!
أنها أنا فرانسيس!
قهقهت ومدت يديها ثم ذهبت مُسرعة إلى الفناءِ الخلفي،بقي فريد،موران، ويليام ولويس أمام القصر يتأملونه.

نوافذهُ مُعتمة فقدت بريقها بعضها مَكسور وقد فقدت  الأحجار لونها وأصبحت مُخضرة بفعلِ النبات،وكان الغبار لهُ نصيب من القصرِ.
توجوه نحو الفناء  فترأت لهم فرانسيس تتحدث مع عصفور دوري كان يقفُ على سبابتها وبد عليها الإستمتاع مع العصفور.
أبتسم ويليام وتوهجت عينيهِ وهو يراقبها.
كان موران يحدقُ بها مُمتعضة الملامح وقال: تتحدث مجددًا مع الحيوانات ؟

-ألديكَ مُشكلة؟ أجابَ لويس.

-لا لكن أنا مُستغرب كيف تزوجها ويليام عندما  رأيتها لم أعتقدْ أنها هكذا.

ضيقَ ويليام حدقتيهِ ثم قال: أنا أرى بِها شخص مُثير للأهتمامِ،لديهِ شيء مَخفي ويسرني أن أعرفهُ.

سحبت ويليام من ذراعهِ وأشارت إلى شجرةٍ  ضخمة من أشجار الصنوبر العطرةِ ثم أخذ يتفحصها وهي تلمسُ ما نُحت من حروفٍ على هذه الشجرة.
ثم قالت: هذه الشجرة يعود عُمرها لمئة عام وكل حرفين من  الإسماء تُشير لثنائي نحتها عليها.
وأشارت لآخر حرفين وقالت: هذه لي أميّ وأبي.

اغمضت عينينها وقعدت أسفل الشجرة توجه بصرها نحو القصر ورددت:

إن أعَادوا لنا الأماكن فـ مَن يُعيد لنا الرفاق

مُستَنْقَعُ الذِكْرِيَاتِ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن