السماء الصافية ومياه البحر الخلابة يجتمعون في مشهد لا يمكن وصفه بالكلمات، مشهد مريح وممتع لا تراه كل يوم.
كان البحر هادئاً في هذا اليوم وكان من السهل علي أي أحد الجلوس علي الشاطئ دون الخوف من الأمواج العالية أو العواصف التي تهب فجأة، كانت السماء صافية بشكل مبالغ فيه كأنها لن تظلم أبداً هذا اليوم.
وعند منزل صغير علي بعد بضعة أقدام عن الشاطئ كانت سيارة مرسيدس سوداء قد استقرت في مدخله ونزل منها شاب في العشرين من عمره ثم تحرك إلي الجانب الآخر وفتح الباب جاذباً الفتاة التي كانت تجلس علي الجانب الآخر ليخرجها رغماً عنها وهو يقول: هو دا البيت..؟
حدقت الفتاة فيه لبرهة ثم أمائت بالإيجاب قائلة: أيوة هو..
جذبها من ذراعها خلفه ولم تقاوم كثيراً خصوصاً أنه لا مكان آخر تذهب إليه في هذا الفضاء الممتد من الشاطئ الرملي الذي يصافح البحر،دخل إلي البيت بعد أن فتح الباب ثم دفعها لتتماسك وهي تقف باستقامة قائلة: إنت أكيد فيه حاجه في نفوخك..، أنا مش مصدقة إنك سحبتني معاك لحد هنا..!
أغلق الباب خلفه بعد أن فتح الأضواء وهو يقول بصرامة: إنتي اللي اختارتي تسكتي ومتتكلميش بس أنا لازم أعرف الحكاية بأي شكل..!
ثم صمت لبرهة وتابع وهو يحدق فيها بجمود: قوليلي بقي، إيه اللي والدي كان بيعمله من ورا ضهري تاني وأنا معرفش عنه حاجه.
كادت تجيب ولكنها تراجعت وهي تقول ممثلة القوة: علي فكرة أنا ممكن أرفع عليك قضية وأقول إنك خطفتني غصب عني وكنت عاوز تتحرش بيا، بس أنا بنت ناس ومايرضينيش الفضيحة وبعدين ماكانوش كام سنة اللي اشتغلتهم مع أبوك اللي هتموتني علشانهم، وبعدين أنا معرفش حاجه أصلاً...!
أوقفها بحركة من يده وهو يقول: بت انتي...،إنتي عارفة أنا ممكن أعمل فيكي إيه...أقسم بالله لو ماتكلمتي دلوقتي هخلي يومك أسود وهعمل فيكي اللي ما ينفعش يتعمل في واحدة زيك...!
ارتجفت إثر نبرته التهديدية ونظراته الغاضبة ثم قالت: تشكر يا محترم يا مؤدب يا ابن الناس...،أنا مش هرد عليك بس علشان خاطر العشرة مع الحاج الله يرحمه لولا كدا مكنتش هسكت...
ضرب الحائط بجواره بقوة علي حين غرة لتطلق صرخة فزعة من المفاجأة ثم قال مهددا وهو يدنو منها ولم يعد يفصل بينهما الكثير: هتقعدي تتلوى وتجيبيني يمين وشمال يا بت...، إنتي عارفه إن أن أنا ممكن أدفنك هنا ومحدش هيعرفلك طريق وبرضو هعرف اللي أنا عاوزه بيكي أو من غيرك بس أنا عاوزك تتكلمي وبديكي فرصة وبقولك فين الورق الزفت الباقي...!
قال كلماته بصرخة مخيفة لتنكمش وهي تقول مشيرة نحو الغرفة الوحيدة في الطابق السفلي: هناك في المكتب....بس والله العظيم ماعرف الورق فين..!
ليجذبها نحو الغرفة وهو يفتحها ثم دفعها إلي الداخل وهو يقول: عارفة لو طلعتي بتضحكي عليا..!
لتقول مقاطعة: أنا مبضحكش عليك والله هي دي الأوضة وبعدين هو أنت شايفني كدابه يا بشمهندس....اخص عليك والله مكانش العشم بعد عشر سنين شغل...
أخرسها وهو يقول مشيراً إلي الأريكة الجلدية: أقعدي هنا وماسمعش نفسك يا بت إنتي فاهمة..!
ثم أخذ يفتش كالمجنون بين الورق ويفتح الأدراج ويقلب المكان رأساً علي عقب ولكنه لم يعثر عليه، لم يجد سوى نسخة من الكتاب البني الذي يحمل كل ذكريات والده بخط يده والذي كان موجوداً مكتبه بالقاهرة.
تحرك إلي الأريكة ووضعه هناك ثم تابع البحث علي أمل العثور علي أي أثر لهذا الورق اللعين ولكنه لم ينجح...،عاد إلي الكتاب مجدداً ثم صرخ قائلاً: إيه دا..!
لتقول الفتاة بسخرية: طربيزة بلياردو.....هيكون إيه يعني ما هو كتاب قدامك أهو..!
ليقول صارخاً: أعمل بيه إيه أنا الكتاب، فين الورق اللي مكتوب في الوصية...!
لتقول بلا مبالاة وهي تشيح بوجهها: معرفش دور عليه يمكن يكون في خزنة سرية ولا حاجه.
جذب ذراعها بقسوة وهو يعدلها لتقابل وجهه وهو يقول بغضب: إنتي شكلك عاوزة تموتي النهاردة..،فين الورق..!!
لتقول بذعر من غضبه الذي يطال قبضته الضاغطة علي ذراعها: معرفش....والله العظيم ماعرف أنا كنت سكرتيرة يعني آخري لما آجي معاه البيت دا أعمله قهوة أرد علي التليفون أرص الورق أو أوضب الأوضة غير كدا والله ماعرف حاجه تاني..!
نفض ذراعها وهو يلقي بالكتاب بضيق أمامه ثم تأفف وهو يتحرك يميناً ويساراً بينما كانت تفرك ذراعها متمتمة بعبارات غاضبة قائلة: تنشك في إيدك يا بعيد، يخربيتك دي ازرقت حسبي الله ونعم الوكيل ربنا علي الظالم والمفتري..!!
تفاجأت به يعود مسرعاً نحوها لتقول بذعر: والله آسفة دا أنا أحمرهولك وأعملك منه طواجن لو عاوز.
لم يلتفت إليها وهو يحمل الكتاب مركزاً في العبارات التي التي كتبت عليه:-
" لن يترك لك الإختيار..، هي المواقف التي ليس فيها سوى الموت أو الحياة وأنا لست الشخص الذي يختار الموت للأسف"...
_خالد عبد العزيز لقمان.
كانت نفس الكلمات المكتوبة في الوصية، فتح الكتاب مسرعاً وهو يقول للفتاة مشيراً إلي الخارج: خلي ليكي لازمة بقي وروحي اعملي قهوة..
عقدت يديها و نظرت إليه باستنكار وقبل أن تفتح فمها معترضة صاح فيها قائلاً: إنتي لسه واقفة...،اطلعي..!
انتفضت وهي تتحرك إلي الخارج مسرعة وتركته بينما كان يجلس حاملاً الكتاب ويقرأ في أولي الصفحات......
يتبع....
أنت تقرأ
المِيثاق-مجدي عبيد
General Fiction" لن يترك لك الإختيار...هي المواقف التي لا يوجد فيها سوى الموت أو الحياة".. كلمات كتبت علي كتاب قديم متروك،ولكنها كانت المفتاح لكل شئ. _مجدى عبيد_