_لم تكن الحياة دوماً عادلة يا بني، ربما كنت تري إسمي الذي أعتز به ولكنك لن تدرك أبداً أن هذا الإسم ما هو إلا لا شئ..!
سأخبرك سراً...، شجرة عائلتي بلا جذور، لقد كان والدي مجرد واحد من مئات الأطفال الذين يودعون في الملاجئ كل عام فلا يعلمون لهم هوية أو إسماً وكل ما يفعلونه هو منحهم ثلاثة أسماء مبتكرة حتي لا يفقدوا هويتهم في المجتمع.
حصل والدي علي إسمه هذا عندما كان في المشفي العام وقد تركته من وضعته وهربت من المكان دون ترك أثر، كان إسمه هو ما أحمله في شهادة ميلادي الآن،" عبدالعزيز محمود لقمان"، إسم لا يتماشى مع العصر الذي نحن فيه الآن ولكنه كان مبتكراً جداً في هذا الوقت من الزمان علي ما يبدو.
عاش أبي أسوأ أيام حياته في هذا الملجأ، لم تكن المعاملة مختلفة عن معاملة السجانين ولا أذكر أن والدي لم يبك في حياته بعد أن يسترسل في حكاياته عن الملجأ أو عن معاناته حتي بعد مغادرته للملجأ.
كان قد تعرف علي والدتي منذ أن كانا طفلين، وبالطبع لإن كليهما سيتركان الملجأ عاجلاً أم آجلاً فقد قررا أن يتقابلا بعد خروجهما، وتزوجها عندما تأكد أنهما لا نجاة لهما في هذه الحياة دون بعضهما، كان قد بدأ عملاً في أحد المطاعم، ووالدتي عملت في مصنع للملابس و صباغة الجلود، كانا يعيشان في شقة صغيرة علي سطح إحدي العمارات التي تقع في منطقة شعبية فلم يكن لهما سوى هذا السقف الذي قبل أن يحتويهما، ولكن مع ذلك كان والدي متفائلاً..
بعد قرابة السبعة أعوام كانا قد جمعا معاً مبلغاً ممتازة يحصلون به علي شقة متوسطة في إحدي البنايات بعيداً عن الإزدحام الخانق في تلك المنطقة، ولكنهما أمضيا بعد ذلك قرابة خمس سنوات أخري حتي أصبحت ملكاً لهما بالكامل وأكملا معاً سداد أقساطها ، فأصبح بإمكانهما التفكير في أطفال، وكانت أختي الكبري "سارة" هي نتيجة تفكيرهما هذا، وبعد شهر واحد من مولدها أصبحت والدتي مضطرة للعودة إلي العمل.
في عمارتهم نفسها سكنت سيدة طيبة تدعي "كوثر"، كانت تعيش مع أبنائها الثمانية وزوجها في أكثر من شقة في تلك العمارة، ولكن بمرور الوقت مات زوجها وتزوج الأولاد وابتعدوا، فاكتفت بتأجير الشقق الأخري وأخذت شقة منفردة لها لتعيش فيها ما تبقي من العمر.
وعندما كانت والدتي تذهب إلي العمل كانت تترك سارة مع تلك السيدة التي كانت تعتني بها مع حفيدها الأصغر "سراج"، نعم هو نفسه زوج عمتك سارة، كانت الحياة قد استقرت بهما حتي حملت والدتي بي، واكتشفت إصابتها بسرطان الرئة، في الشهر السابع كانت بالكاد تتنفس وشائت الأقدار أن تلدني باكراً فقد خافت أن تموت وهي ماتزال حاملاً بي وكانت تدعو كل يوم أن ينقذني قبل أن تموت وأموت معها، وعاشت بعدها لثلاثة أسابيع ثم توفيت تاركة زوجاً وابنة لم تتعدي الثالثة وفتي لم يمض عليه في الحياة سوى أيام.
أنت تقرأ
المِيثاق-مجدي عبيد
Fiction générale" لن يترك لك الإختيار...هي المواقف التي لا يوجد فيها سوى الموت أو الحياة".. كلمات كتبت علي كتاب قديم متروك،ولكنها كانت المفتاح لكل شئ. _مجدى عبيد_