البارت الاول- العودة إلى العتمه

31 4 5
                                    


في تلك الليلة الباردة، كانت السماء تعج بالغيوم الداكنة التي تخفي وجه القمر، وتحت ظلالها الغامضة، كان ماركو دي لوتشيانو يقف على شرفة الطابق العلوي من الفيلا، عيناه مثبتتان على الأفق المظلم الذي يبدو بلا نهاية. عادت قدماه إلى أرض إيطاليا بعد سنوات من الغياب، لكن قلبه لم يجد الراحة التي توقعها. الرياح تهب باردة على وجهه، وكأنها تذكره ببرودة العالم الذي تركه وراءه.

في الأسفل، كانت الحديقة الواسعة، التي طالما بدت له كرمز للحياة والهدوء، تحمل الآن طابعًا ثقيلًا من الحزن. زهور اللوتس البيضاء التي زرعتها والدته تذبل، تمامًا كما تذبل العائلة. عاد من أمريكا لحضور جنازة والده، زعيم العائلة السابق، الذي سقط في ظروف غامضة. الجميع يقولون إنها نوبة قلبية، لكن ماركو لم يصدق ذلك للحظة.

كان يعلم أن والده كان أقوى من أن يسقط بهذه السهولة. كانت العائلة متورطة في صفقات وأعمال معقدة، لا تسمح لأي زعيم أن يموت هكذا ببساطة. هناك شيء غريب، شيء قذر، مدفون تحت طبقات من الأكاذيب والمظاهر المزيفة.

سحب نفسًا عميقًا، محاولًا قمع الاضطرابات التي تعصف بداخله. لم يكن يريد العودة إلى هذا العالم، لكنه لم يكن يملك خيارًا. المسؤوليات الآن على عاتقه، والعائلة تتوقع منه أن يكون الزعيم الجديد. تلك الكلمة وحدها كانت تثقل عليه، تذكره بالسلطة التي كان يحاول الهروب منها طوال حياته.

بينما كان غارقًا في أفكاره، سمع خطوات تقترب خلفه. استدار ببطء ليرى روزاليا، أخته الكبرى، واقفة في المدخل. كانت ترتدي ثوبًا أسود طويلًا، يليق بليلة الجنازة، وشعرها الأشقر مربوط بإحكام إلى الخلف. عيناها كانتا قويتين، مثل والدتهما، ولكن في داخلهما كان هناك صراع، صراع لا يعرف ماركو كيف يفهمه.

"لماذا تبدو وكأنك تحمل العالم على كتفيك؟" سألت روزاليا بصوت هادئ، لكنها لا تخفي نبرتها الحادة.

لم يُجب ماركو فورًا. ألقى نظرة سريعة على الحديقة المظلمة قبل أن يرد: "لأن العالم الذي أعود إليه ليس كما تركته."

تقدمت روزاليا نحوه، عيناها تراقبان ملامحه بعناية. "العائلة بحاجة إليك، ماركو. الناس هنا يتطلعون إليك لقيادتهم. ليس لدينا وقت للشعور بالضياع."

لم يكن ماركو قادرًا على كبح الغضب الذي اشتعل في داخله. "قيادتهم؟ قيادة من؟ نفس الأشخاص الذين قد يكونون مسؤولين عن موت والدنا؟"

رفعت روزاليا حاجبيها بدهشة خفيفة، لكنها سرعان ما أخفت رد فعلها. "تعتقد أن أحدًا من الداخل قد خانه؟"

•"أجـنـحة اللـيـل"•حيث تعيش القصص. اكتشف الآن