أقتباس في فصل كامل

116 3 0
                                    

حصريًا..
"الفصل الأول"
كان الظلام قد حلّ بقسوتهِ الكحلاء، عندما وطأت أقدامها تلك المنطقة المُحرمة على ساكني المدينة، هُنا ممنوع منعًا باتًا بناء أية بيوت أو إتاحة الفرصة للسكن بالقرب من هذه المنطقة المحظورة. نظرت الفتاة المُتشحة بالسواد حولها بعيون مقتنصة مترصدة، من وراء قلنسوة تواري أغلب ملامح وجهها، كأنها تتأكد من إنها بمفردها لا تتعرض للتعقب، تمهلت في سيرها وهي تجر من خلفها عباءتها السوداء الطويلة، حتى وقفت أمام بوابة الكنيسة العريقة الشامخة، رغم علامات الزمن الذي مرّ عليها، ما زالت تحتفظ بأصالة البناء ورُقي المنظر الخارجي، منظرًا خدّاعًا لا ينُم أبدًا عن أيّ شئ مُريب بالداخل. صعدت الدرجات ثم فتحت البوابة الرئيسية، دخلت وأوصدت الباب من خلفها ثم رفعت عن رأس القلنسوة وهي تنظر أمامها بشكل مستقيم، كان الممر طويلًا مُظلمًا يُنيره بضع شعلات من الشموع السوداء، سارت متهادية بخطاها، حتى دخلت الساحة الفسيحة الفارغة، مرت بين المقاعد المصفوفة على الجانبين، ثم دخلت لـ دهليز ضيق وصل بها لباب، ومنه هبطت درجات الأسفل، حيث أسفل الأرض. طرقت طرقة على الباب، ثم فتحت، كانت رأسه فقط تظهر من خلف مقعد ضخم يعتليه، دنت منه، وضعت كفها على كتفه وقالت :
- آرمير، لقد حضر المُختار.
حانت التفاته صغيرة من رأسه يمينًا، ثم قال ملتويًا ثغره التواءه خفيفة :
- مرحبًا به، لقد طال الإنتظار لعشرات السنين.
نهض "آرمير" عن مكانه وسألها :
- هل ذهب إلى تلك المجنونة العجوز؟.
- أجل.
دنى منها، ونظر لعيناها بنظرات دقيقة، كانت بشرته بلون قاتم قليلًا، والتجاعيد المرسومة بشكل خطوط على جبينه متعددة لدرجة تلفت الأنتباه، عينان واسعتان، فمّ غليظ مخبأ خلف شعيرات ذقن طويلة مشعثة. تنفس "آرمير" مُطلقًا زفيره في وجهها، ثم هتف بـ :
- هل تعلمين كيف ستستدرجينه يايولاند؟
- بلى، أعلم.
- هذه المرة لن نستسلم لتلك العجوز الخرفاء، لن ننتظرها حتى توأد أملنا هذه المرة.
- لا تقلق آرمير، الخُطة هذه المرة مُحكمة، ولن تنال منه مهما حدث، تلك الفرصة من نصيبنا.
ابتسم مُدعمًا رأيها  :
- انتِ أفضل من يقوم بذلك، هذا الشاب سيشكل خطرًا علينا إن لم يكن ضمننا يايولاند، و وجوده تحت سيطرة العجوز شجر أيضًا ليس في صالحنا.. أنتظر أن تقومي بمهمتك في أسرع وقت، قبل أن تستحوذ تلك الروح عليه فـ تسلبهُ منّا.
******
لم يحلّ الليل إلا وقد توصل إليها، فهي أحد جذور البلدة والجميع يعرفها جيدًا، "شـجـر"، تلك العجوز الغامضة التي يخافها أغلب الناس، ولا أحد يعلم عنها شيئًا، حتى هذيانها لا يُصدقه أحد، لذلك اعتبر "آرمير" نفسه في مأمن طالما إنها تهذي ولا يصدقها أحد. استضافته "شجر" في بيتها بعد أن تأكدت إنه مُرسل من قِبل الصياد "حليم"، وأجلسته على مقعد خشبي قديم هو الأفضل من بين البقيّة، فـ سرد عليها أسباب وجودهِ هنا وإلامَ يسعى، استندت "شجر" على عصاها وعيناها الكفيفة متعلقة على الفراغ، وانتظرت بعدما شرب كأس الماء كُله، ثم سألت بصوتٍ متحشرج:
- أنت صديق ذلك الشاب المُختفي إذًا؟.
- أجل، لقد أتيت سعيًا خلفه بعدما توسلت أمه لكي أجده لها.. هل تعرفين أين هو أو سمعتي عن الأمر شيئًا؟.
هزت رأسها بالنفي :
- لا، لن تجده.
حدّق فيها "أيهم" بإندهاشٍ اعتراه، وسألها بفضولٍ :
- لماذا؟ ما الذي تعلمينه حتى تُجيبي بتلك الثقة؟.
فأجابت بنبرة أثارت الشك في قلبه :
- لا شئ، لكن هنا من يدخل، لا يخرج يا بُني.
ترك "أيهم" كأس الماء فارغًا من يده، وقد بدأ يشعر بالخدر يعتري أطرافهِ وبصره بدأ يتشوش، نهض ليقف على قدميه الرخوتين، وصاح فيها بصوتٍ خشن:
- لا تتفوهي بتراهات لن أصدقها، من دلّني إليكِ قال إنك سـ تُساعديني، إذًا لا تتصنعي الجهل بالأمر.
ترنح جسده، استند على الحائط الخلفي له ونظر لكأس المياه، بينما سكونها المفاجئ جعله يشعر بشئ مريب يحدث له، فـ سأل بصوتٍ متقطع، وأنفاسهِ تكاد تنفرط منه :
- ماذا فعلتِ أنتِ؟.
وارتمى على المقعد مرة أخرى بعدما ارتخى بدنهِ كليًا وبدأ يفقد إدراكهِ الإستيعابي، لتجيب هي بهدوءٍ مثير للأعصاب :
- لا شئ، سنعلم من أنت بالتحديد.
لحظات وكان جسده الثقيل يقع عن المقعد على الأرضية مغشيًا عليه، فـ وقفت "شجر" مُستندة على عصاها وهي تردد :
- سنعلم إن كُنت انت المختار، أم ستذهب كما ذهب البقيّة.
******
همهمات، أصوات متداخلة لا تستطيع تمييزها، يتضمنها صوت صرخات واستغاثات، وتخللها صوت ضحكات أيضًا، ضحكات مترددة بأصداءٍ مُزعجة، ثمة حرارة عالية في المكان غلفت جسده. فتح عيناه الثقيلة ونهض، مترنحًا بجسدهِ المُتخدر في مكان واسع تحس وإنه لا نهاية له، يقف بصعوبة على أرض گالثلج؛ ولكن لا يشعر ببرودتها، كأنه تجردّ من شعوره الحاس. التفت حوله يبحث عن شخص، أي شخص، لا يوجد. مكان فسيح لا يوجد سواه به، نادى "أيهم" بصوتٍ مرتفع :
- ألا يوجد أحد هنا؟.
سمع صوته يتردد في الأجواء، گمُكبرات الصوت المزعجة، وقبل أن يكرر التجربة كان صوتها القريب گالفحيح، يقترب من آذانه وينادي :
- أنقذني.
التفت بسرعة وقد انتفض جسده مذعورًا، تلفت يمينًا ويسارًا باحثًا عن مصدر الصوت، لا يوجد أحد، ازدرد ريقه وهو يهمس بتخوفٍ مرتعد :
- من أنتِ؟.
وراح يبحث بنظراته؛ ولكن لا يوجد سواه، هو وذلك الضوء الخفيف المثير لإرتعاشة البدن كله. مشى خطوتين ليستمع إلى نفس الصوت الهامس مجددًا :
- أنت المختار، أنقذني.
لهث "أيهم" وهو يبحث من حوله، في محاولة لإيجاد صاحبة الصوت التي تسببت في ارتعادته ثم صاح :
- من؟؟ من انتِ؟ لماذا لا آراكِ.
فجأة رأى هاله، هاله تكونت منها ملامح فتاة جميلة للغاية، بدأت تتشكل رويدًا رويدًا إلى أن صارت وجه ملائكي حَسَن؛ لكن الدموع الحمراء المُدمية تنهمر من عيناها بصمت. اتسعت عيناه عن آخرها حتى كادتا تُقتلع من محجريهما، بينما أعادت هي استنجادها به :
- أنقذني.
تضاعفت مخاوفه حتى كاد يفقد وعيه من جديد، وهمس بـ صوتٍ متلعثم وخفيض :
- مـ.. مـن انتِ!.
مدت يدها نحوه، فلم يقوَ على التراجع للخلف كي يتحاشاها، كأنه تصلب بالأرض وجمد بمكانه. لم تلمسه؛ لكنه شعر ببرودة تلمس وجنته وهي تجيب بنبرة حزينة :
- كـيران.
شحب وجهه، وازرقت شفاهه، بينما كانت تتابع هي :
- أبحث عني، ستجدني.
ومسحت بيدها على عينه مسحة لم يشعر بها.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 21 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أبواب سجّين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن