بداخل أحد منازل مصر القديمة أو بالأخص بداخل منزل ذلك الرجل الظاهر على ملامحه كبر السن الممزوج بالوقار ، الذي إتخذه الجميع عُمدة وكبير لهم دون أوراق رسمية لأجل عدله وحكمته.تجمع الكثير من الرجال الكُبار سِنًا وحكمتًا في تلك الجلسة العُرفية لأجل حل تلك الخلافات العائلية والوصول لنهاية مُرضية للطرفين.
جلس الجميع بهدوء خوفًا وإحترامًا ،قطع هذا الصمت:
الحج طه بنبرة هادئة: قولي طلباتك يا رفيدة يا بنتي
ابتلعت رفيدة ريقها وهي تَنظُر بِحُزن لذَلك الشاب الجالس بجانب أحد الرجال ؛فهي لم تكن تنوى ما ستقوله؛ ولكن ليس أمامها خيارًا أخر .
رُفيدة بحزن: عاوزة أطلق يا حج طه
رَفع رأسه لينظر إليها بحزن طفيف فهو لم يتخيل يومًا أن تصل الأمور لتلك النقطة !
الحج طه : مش نتكلم الأول يا بنتي يمكن نوصل لحل يرضيكي؟
رفيدة بسخرية: كنا وصلنا من الأول يا حج دي المرة الكام نقعد القعدة دي ؟
ثم وقفت وهي تدور بنظرها لجميع الجالسين : كام مرة نقعد ونتكلم ونقول كل حاجة هتتحل وبردو مفيش حاجة بتتحل ولا حاجة بتتغير ،حتى هو بيتغير للأسوء وأهلو كل مرة بيدخلو في حياتنا أكتر من الأول ولا عارف يبقى زوج كويس ولا أب عدل لبنتو ولا حتى بيتقى ربنا .نطق أحد الشيوخ: اهدي يا بنتي كل حاجة بتتحل بالعقل
ثم نظر للرجل الجالس بجانبها : قول حاجة لبنت أخوك يا سيد
سيد بحكمة: اقعدي يا رفيدة اسمعي الي عندهم الأول وبعدين انتي حرة في قرارك محدش هيدخلصَمتت رُغمًا عنها وجلست بجانب عمها؛ لينظر الحج طه لزوجها الذي كان يتابع كل شيء بصمت لا أحد يستطيع تميز ملامحه ولا معرفة ما يدور بداخله
: رأيك إيه يا مجدي يا بني في كلام مراتك ؟
مجدي بنبرة حزينة: إلي هي عوزاه أنا هعملورمشت بعينيها عدة مرات وهي تُطالعة بصدمة، بتلك السهولة يتخلى عنها؛ فلقد تحملت الثلاث سنوات على أمل تغيره يومًا، فهي تعشقه عشقًا ليس له حدود رغم إستهتاره وقسوته وتسلط والدته وأخته وتركه ذمام الأمور لهم ليتحكمو بهم وبحياتهم ، حتى خيانته لها التي لم تتحملها ؛ لذلك قامت بتلك الجلسة كتهديد له لكي لا يفعلها مرة أخرى، حتى أنها كانت على إستعداد أن تنسى الأمر وتكمل معه مرة أخرى إذا تأسف فقط وإعترف بغلطته، وبكونها الأنثى الوحيدة بقلبه.
أحد الرجال : يابني فكر كويس كله إلا خراب البيوت
مجدي بثبات : مش هي الي عاوزة كدا أنا موافق
الحج طه : إن أبغض الحلال عند الله الطلاق
لم تستطع أن تتحمل حديثه الذي يدهس على كرامتها لتقف أمامهم جميعًا بثبات :
أنا عاوزة أطلق واخد بنتي وحقوقي كاملة
مجدي بعناد : وأنا موافق تاخدي حقوقك كلها لكن البنت لا
لتنطق بغضب : نعم لا ازاي يعني ؟ دي بنتي محدش هيربيها غيري ولا عاوز تديها لأمك وأختك يربهالك
مجدي : ميخصكيش مين الي هيربيها بدل هتبقى معايا
نظرت للجالسين بعصبية: انتوا عاجبكو الكلام دا !!
سيد : مينفعش الكلام دا يا مجدي معروف البنت بتبقى مع أمها هتربيها ازاي بعيد عنها
مجدي : وأنا بنتي مش هتبعد عني ولو عاوزة تاخدها يبقى بشروط
رفيدة بسخرية: شروط إيه دي يا سي السيد !!
مجدي بعصبية: انتي عارفة لو محترمتيش نفسك
وقف بعض الرجال كحاجز بينهم فالأمر إشتدت ولو انتظروا قليلًا سينقلب نزاع ..
مرسي : اقعد يا مجدي واهدى
مجدي بغضب: انتوا مش شايفنها بتكلم إزاي ؟
والد مرسي: صلي على النبي يابني واقعد وانتي يا بنتي اقعدي
جلس الجميع مرة أخرى؛ لينطق سيد :
شروط إيه يا مجدي الي طالبها ؟
مجدي وهو يعدل من وضعيته : أشوف بنتي في أي وقت وزي ما أحب
الحج طه: حقك يا بني، ثم نظر لرفيدة
: عندك مانع يا رفيدة؟
كانت ستجيب؛ ولكن سبقها عمها:
لا يا حج بنتو بردو والبيت بيتو يشوفها في أي وقت
نظر طه لمجدي مرة أخرى:
اي الشرط التاني ؟
مجدي : متتجوزش تاني ولو اتجوزت أخد البنت
نظر له الجميع بصدمة لتنطق هي بغضب :
وإنت مالك إنت اتجوز ولا متجوزش دي حياتي وأنا حرة
مجدي بعصبية : ودي بنتي وأنا مقبلش تتربى مع رجل غريب
رفيدة بعصبية: هو أنا ليا اقولك تجوز ولا متجوزش تاني علشان تحكم عليا
سيد : الكلام إلي بتقوله دا مينفعش بالذات إنها لسة صغيرة عاوزة تفضل لوحدها طول العمر ؟
تنهد مجدي بحزن : إلي عندي أنا قولتو وانتو يا توافقو يا لا براحتكو بقى
سيد لرفيدة : ها موافقة ولا لاء ؟
صمتت رفيدة لدقائق وهي تفكر في رفع دعوة قضائية وستتمكن بالتأكيد بأخذ ابنتها منه؛ ولكنها تذكرت فقر والدتها وأنها لن تقدر على تكاليف محامين وغيره..
رفيدة: موافقة
ابتسم مجدي بإنتصار : عن اذنكو أنا بقى
ثم نظر لسيد: البنت موجودة تقدرو تيجو تاخدوها في أي وقت
ثم نهض وغادر دون أن يسمع رد أحدًا منهم..
بعد ما يُقارب نِصفُ ساعة كانت تنصت لوالدتها التي نهرتها بعد أن سرد لها أخيها ما حدث من إبنتها خلال الجلسة،روفيدة بنفاذ صبر: يعني إنتي عاوزة إيه دلوقتي يا ماما
رحاب بشدة : مكنتش عوزاكي تطلقي يا عين أمك
روفيدة بعصبية: آمال كنتي عوزاني أعمل إيه نقعد نتفق للمرة العشرين وأرجع وبردو مفيش حاجة بتتغير ونرجع نعيد نفس الموال !!جلست والدتها على الأريكة بحزن لا تعلم ماذا تقول؛ فإبنتها محقة فمنذ أن تزوجت من عدة سنوات وهما على هذا الحال، إستغفرت ربها بداخلها وقالت بنبرة حزن وشفقة: ودلوقتي لنا تطلقي هتعملي إيه ؟ وكمان هو مش عاوزك تجوزي !!
رفيدة بتفكير: هعمل إيه يعني هخرج أشتغل علشان أعرف أربي بنتي، وأساعدك في المصاريف
رحاب بشفقة: أهو دا الي ناقص البيه يقعد عند أمو باشا وإنتي تشتغلي علشان تصرفي على بنتو أهو دا الي ناقص .. أهو بكرة يتجوز ويشوف حياتو ويسيبك كدا زي البيت الواقف لاطايلة سما ولا أرض
وقفت وهي تقول بتعب : عمي راح يجيب البنت لوحدو؟
رحاب وهي تمط شفتيها: لا ياختي أخد خالو أبو مرسى ومرسى معاه
همهمت رفيدة وهي تكمل طريقها الي غرفتها دون أن تقول كلمة أخرى.أما هو فبعد أن غادر تلك الجلسة وهو يسير في الطرقات بلا هدف، لا يعلم الي أين، كل ما يعلمه أنه لم يكن يتمنى حدوث ذلك؛ ولكن هو لم يعد يقوى أيضًا على تلك الحياة المليئة بالمشاكل والنزاعات طوال الوقت، وعلى أي حال هذه رغبتها وهو لن يستطيع إرغامها على شيء.
كل ما يشغل باله في الوقت الحالي هو جملتها
"لاعارف يكون زوج كويس ولا أب عدل لبنته"
هل حقًا هو مقصر في حق إبنته لهذه الدرجة؟
لا ينكر أن ابنته هي ما تشغل تفكيره في الوقت الحالي، ولأجلها سيفعل المستحيل.بعد مرور عدة أيام كان يقف أمام ورشة تصليح السيارات الخاصة به التي اقترض من البنك لفتحها، على الرغم من امتلاك والده المال الكافي الذي يجعله حتى لا يحتاج لعمل؛ ولكن هو قرر أنه سيعتمد على ذاته ولن يحتاج لوالده أو أي أحد آخر في شىء..
نظر لنفسه بذلك الزي الملطخ بالبنزين والزيوت بفخر، لقد كان من الصعب حقًا أن ينتقل من حياة الرفاهية ووقفة في معرض السيارات الخاص بوالده لا يفعل سوى إقناع الزبائن بالسيارة المناسبة وتوقيع بعض الأوراق إلي حياة الإصلاح والجهد الكبيرة الذي يبذله في تصليح كل سيارة والإستيقاظ مبكراً الذي جعله يبتعد عن أصدقاء السوء وعن السهر طوال الليل وفعل ما حرمه الله.
ابتسم بداخله بفرح ثم تذكر شيئاً ما ؟ولكنه نفض تلك الأفكار واتجه لاحدى السيارات ليفحصها قبل أن يبدأ في إصلاحها؛ ولكنه رأى شيئا ما ليضيق حاجبيه بإستغراب: هل هي حقًا ؟؟وقفت بتلك المكتبة الخاصة بأحد أقاربها مؤقتًا حتى تجد عمل آخر يناسبها؛ ولكن مُنذ أن رأته وهو يأتي ليفتح ورشته وهي تراقبه من بعيد لتعوض تلك الأيام التي لم تراه فيها، لا تنكر سعادتها به عندما علمت من أحد جيرانهم مافعله حتى وصل لتلك النقطة؛ ولكن شيء واحد خطر في بالها:
"يا ليته فعل ذلك من البداية"أخذ يختلس النظر إليها من حين لآخر فمُنذُ ذلك اليوم "المشؤوم" كما سماه هو..وهو لم يراها، حتى عندما ذهب ليرى ابنتهما عدة مرات لم تخرج إليه مُطلقًا..
#يتبع
#گ: ولاء محمد ثابت "لولي"
![](https://img.wattpad.com/cover/377102255-288-k187485.jpg)